الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

ادريس المغلشي: معيقات ولادة النظام الأساسي

ادريس المغلشي: معيقات ولادة النظام الأساسي ادريس المغلشي
في واقع يطبعه الإرتباك نعيش من خلاله لحظة ترقب لهذا المولود الجديد بعدما طالت مدة بقائه في رحم التسويف والتماطل على غير العادة. في قراءة عابرة لمسار التفاوض ومخرجاته المرتقب ظهورها بعد انتظار طويل عمر لأكثر من اللازم وأبانت سياسة الترقيع وغياب الإرادة لإيجاد حل فاصل بين العبث والمأسسة، أننا ضيعنا فرصا كثيرة للإصلاح من خلال هدر فضيع للموارد، باعتبار سياسة اللعب على الوقت من أجل التخلص منها عبر مسارات متعددة يغلب عليها التنوعير وحساب الكلفة أكثر من الوضوح والشفافية والصراحة.
 
لايمكن التكلم عن الإصلاح دون اعتبار عنصرين أساسيين الأول لا إصلاح للتعليم بدون نظام أساسي، مستحضر لدقة المرحلة من خلال التقارير السابقة كحد أدنى الثاني ضمان حق جميع مكونات المنظومة في الإنصاف دون تكريس الفوارق وتوسيع الهوة بينها.
هناك ملحوظة أخرى لايمكن إغفالها أن سيرورة إنتاج النظام الأساسي غير منضبطة للزمن حيث لاحظنا أن الصيغة المقترح التي من المحتمل، بل من المفروض أنها تحمل الجديد. السؤال الذي يفرض نفسه: هل تنطلق من نظام 2003 كأرضية للنقاش أم هي انقلاب عليها، علما أن وثيرة استصدار مثل هذه النماذج بالقياس للزمن القريب الذي ودعنا (2003/1985)، أي ثمانية عشر سنة. والآن عمر الصياغة والتفاوض والحوار قد عمر 19 سنة.
 
من العيوب التي تستهدف بنى الإصلاح أن يقع ضحية السياسة وحساباتها الضيقة وأن يخضع كذلك لحسابات"مول الشكارة" فكثيرا مانطلب الجودة والحكامة بعامل مناقض لهما سياسة التقشف كمعطى مخالف للترشيد. كل الميزانيات المرصودة لقطاع التعليم في شق الإصلاح أهدرت دون محاسبة. وهنا يتساءل المتتبع لماذا لايطبق المقتضى الدستوري المسؤولية المقرونة بالمحاسبة إذا كنا فعلا نروم الحكامة في إطار الإصلاح؟ فلايعقل أن نطالب الآخرين بشيء لانلتزم به.
 
الكثير منا ينتظر الصيغة النهائية التي سيخرج بها النظام الأساسي وهناك من غلب منطق التشاؤم ولعن الظلام بدعوى أن هذه النتيجة غير مرضية ولاتشرف نضالات الشغيلة بالساحة. قبل أن ننساق وراء هذا التفاعل الذي يغلب عليه منطق العاطفة أكثر من الموضوعية.
 
دعونا نشرح واقع فعلنا النضالي وعلاقته بالنقابات حتى نصل لحكم منصف دون التجني على طرف لحساب طرف آخر. النقابات في إطار تدافعها وحضورها النضالي تستمد قوتها من القواعد، فهي السند والدعم لانتزاع المكاسب على طاولة النقاش. الصورة التي عشناها العشر سنوات الأخيرة على الأقل غير محفزة ولامطمئنة لبناء طموح مشروع ينصف الجميع. تشتت نقابي وتنسيقيات هنا وهناك وفئات بدون هوية ولابرنامج وأحزاب سياسة تخلت في منتصف الطرق عن أهدافها وبرامجها وتغول إداري تمادى في شططه وسلطته. كل هذه المفردات المتنافرة التي تشكل صورة أشبه بالسوريالية العصية على فك تشفيرها نريد منها أن تشكل جبهة واحدة وورقة ضغط لانتزاع حقوق يغيب عنها التصنيف وبعضها يتصادم مع الآخر في جو مشحون إقصائي، افتعلت فقراته الإدارة بدهاء وهندسة مسبقة لتعطل مساره ليبقى تحديد وقت الحسم فيه أمام هذا التشرذم متى أرادت. هي لوحدها دون غيرها، لأنها تحكمت فيميكانيزماته. فلايعجل بقطف المكاسب سوى النضال بأبعاده الإستراتيجية وليس بردة الفعل أو السقوط ضحية حسابات أجندات سياسية ملغومة.
 
لا أحد منا يتنازل عن حقه في المكسب وهو أمر طبيعي لكن علينا أن ندقق فيه بالمقارنة و الدور المحدد في المنظومة مع وجود الكثلة الضاغطة عبر النضال دون إغفال بعض التنازلات التي لاتخل بالصورة عامة. ومع كل هذا فمسار التفاوض في عمومه لايقبل بأنصاف الحلول، لكنه لاينشد الكمال لأنه ببساطة عمل بشري يعتريه النقص. وبالتالي لانشك لحظة أنه سيخلف ضحايا. لأننا نعيش معادلة غير متكافئة بين من يملك المعلومة والخبرة والقانون ومن يملك النضال لوحده في بيئة ملغومة. وهو عامل غير كافي رغم علاته ومعيقاته وتحدياته لانتزاع مطالب في الأخير تبقى أماني وطموحات لاغير .