الثلاثاء 16 إبريل 2024
فن وثقافة

الطبيب المفكر المهدي بنعبود: معدن خاص وكيمياء فريدة

الطبيب المفكر المهدي بنعبود: معدن خاص وكيمياء فريدة المفكر المغربي المرحوم الدكتور المهدي بنعبود
قدم الزميل الإعلامي عبدالاله التهاني، في الحلقة الأخيرة من برنامجه الإذاعي الفكري "مدارات"، لمحات من سيرة المفكر المغربي المرحوم الدكتور المهدي بنعبود.
"
أنفاس بريس" تقدم هنا، قراءة في أهم محاور هذه الحلقة.
 
■ رجل اجتمع فيه ما تفرق في غيره : 
في مستهل حديثه أوضح الزميل التهاني أن المرحوم الدكتور المهدي بنعبود، اجتمعت في شخصيته صفات ومميزات، جعلت منه عالما فريدا بين أبناء جيله، إذ كان طبيبا عارفا بالبناء العضوي والنفسي لجسم الإنسان، كما كان عالما متفقها في العلوم الدينية، ومفكرا مستوعبا لتاريخ الأديان والنظريات الفكرية والفلسفية، وعلى اطلاع واسع بالتاريخ العربي والإسلامي وبتاريخ الأمم الأخرى.
وأضاف بأن المهدي بنعبود كان ينظر إلى مختلف القضايا بعين المفكر الخبير بمراحل التطور البشري، وتطور أنساق الفكر الإنساني. كما تميز بتتبعه الدقيق لمآلات الحضارة المعاصرة، حيث كان من أوائل من وقفوا على مظاهر الاختلال والاضطراب في منظومة قيمها، ولاسيما على المستوى الروحي.
وأشار معد ومقدم برنامج "مدارات"، بأن المهدي بنعبود ظل  أيضا مسكونا بعمقه الصوفي. ولأن لسانه البليغ كان يطاوعه، فقد اكتسب كثيرا من صفات الأديب، وأن ذلك كان يتجلى في في فصاحة أحاديثه، وفي عذوبة أسلوبه في الكتابة، لافتا إلى أنه ختم حياته بإبداعات شعرية مبهرة، أعاد من خلالها التأكيد شعريا، على كثير من رؤاه وأفكاره التي  سبق أن صاغها شعرا في عدد من كتبه.
 
■ المهدي بنعبود وينابيع العمق الصوفي: 
وقدم الزميل التهاني معطيات عن الجو الأسروي، الذي تربى فيه المهدي بنعبود، داخل أسرة سلاوية معروفة بالعلم والصلاح والنزوع الصوفي، ولاسيما والده أحمد بنعبود، وشقيقه الاكبر زين العابدين الذي رباه وأشرف على تعليمه، بعد أن فقد المهدي بنعبود والده، وعاش تجربة اليتم المبكر، وهو لم يتجاوز سبع سنوات من عمره. كما تتبع المسار الدراسي للمهدي بنعبود، منذ تعليمه الاولي بمدينة سلا، مرورا بفترة دراسته بكوليج مولاي يوسف بالرباط، وصولا إلى اتتقاله إلى فرنسا لدراسة الطب بجامعة مونبيليي، وتخصصه في الأمراض الجلدية والتناسلية، حيث كان من أواءل المغاربة الذين حصلوا على الدكتوراه في الطب، إذ تخرج سنة 1950، ليتابع دراسته في نفس التخصص بالولايات المتحدة الأمريكية.
 
■ كفاح من أجل استقلال المغرب وإشراف على المكتب الاعلامي المغربي بنيويورك: 
وأوضح الزميل عبدالإله التهاني في حديثه أن المهدي بنعبود، لم يكن يخطو خطواته العلمية، بمعزل عما كان يعيشه المغرب من تبلور للوعي الوطني، وتطلع إلى تحقيق استقلال المغرب، حيث كان من ضمن النخبة المغربية الطليعية، التي لعبت أدوارا مهمة في معارك الاستقلال، مثلما كانت أسرته من ضمن الأسر السلاوية الأولى، التي قدمت شهداء من أجل حرية المغرب واستقلاله، إذ كانت السلطات الاستعمارية قد أقدمت على إعدام شقيقه أحمد بنعبود، ليلة الاحتفاء بعيد المولد النبوي، وذلك في أعقاب المظاهرات التي شهدها المغرب، في سياق  تقديم الحركة الوطنية المغربية لوثيقة المطالبة بالاستقلال.
وانتقل الزميل التهاني إلى أبراز الدور الأساسي الذي أداه المرحوم الدكتور المهدي بنعبود، على رأس المكتب الاعلامي بنيويورك، بتكليف من قيادة الحركة الوطنية، وذلك للتعريف بالقضية المغربية وبكفاح المغاربة من أجل التحرر والاستقلال، مسجلا أن صوت المهدي بنعبود كان حاضرا بقوة في أروقة الامم المتحدة، لتعريف البعثات والوفود الديبلوماسية بكفاح المغاربة من أجل التحرر والاستقلال، وفضح للمخططات الاستعمارية في المغرب.
 
■ عطاء فكري وحضور منتظم في كبريات الندوات العلمية: 
وفي الجزء الثاني من حديثه الإذاعي، أوضح معد ومقدم البرنامج أن مزاولة المهدي بنعبود لعمله كطبيب، لم يشغله عن مواصلة اهتماماته الفكرية ونشاطه العلمي كأستاذ لمادة علم النفس المرضي والمذاهب المعاصرة والفكر الاسلامي، بكلية الاداب والعلوم الانسانية بالرباط، حيث شهدت هذه الفترة من أستاذيته وما تلاها، فيضا في العطاء العلمي، بدروسه ومحاضراته وبمشاركاته المنتظمة في الندوات العلمية الكبرى، داخل الكلية وخارجها، وكذا في العديد من الأقطار العربية والإسلامية والبلدان الغربية التي كان يدعى لها باستمرار.
وأشار الزميل التهاني إلى إطلالات الدكتور المهدي بنعبود أيضا على الساحة الثقافية المغربية، من خلال الصحافة اليومية والمجلات العلمية المتخصصة، علاوة على أحاديثه الاذاعية والتلفزية التي كانت تحظى بالاهتمام والتتبع، لما كانت تتضمنه من آراء ونظرات وفواءد ومواعيظ وجيهة.
وأوضح الزميل التهاني أن الجيل السابق  يتذكر كيف أن ارتجال الدكتور بنعبود، وهو يتحدث في برامج الإذاعة والتلفزة، كان ارتجالا بليغا، وكيف كان يلقي بأفكاره مرتبة ودقيقة، وهو يتحدث بعفوية وتلقاءية، وأن الناس من أبناء ذلك الجيل، كانوا يشهدون له بقدرته على التنقل بسلاسة بين العلوم والمعارف، خلال محاضراته وأحاديثه، معتبرا أنه لم يكن ليتأتى له ذلك لولا أنه جال بين ذخاءر المعرفة، وأخذ من صنف من أصنافها، نصيبا غير قليل، مضيفا أن كثيرا من أحاديثه ومداخلاته العلمية، لم تكن تخلو من متعة ومرح، حيث كان يلجأ إلى الأمثلة والحكم والاستشهادات، ميالا أحيانا إلى التبسيط والتيسيير في العرض والتحليل والنقد، رغبة منه في تعميم الفائدة، وخاصة عندما كان يتحدث في الشأن الديني، أو في المشكلات الاجتماعية أو أزمات الحضارة المعاصرة.
 
■ أضمومة من المؤلفات، مع تركيز على إشكالات الحضارة المعاصرة : 
وفي نفس السياق استعرض الزميل عبدالاله التهاني، سلسلة المؤلفات التي أصدرها الدكتور المهدي بنعبود، وعالج فيها قضايا فكرية وإنسانية ودينية ومجتمعية ونفسية، ومنها كتابه: "رصد الخاطر: أفكار ونظريات وخواطر"، والذي أصدره في ثلاثة أجزاء، وهو من أضخم كتبه، ويعكس النسق الفكري العام الذي ظل يؤطر رؤيته لكل القضايا والاشكالات الفكرية التي انشغل بها، وتناولها بالتحليل أو بالنقد، أو بهما معا.
كما استعرض معد ومقدم البرنامج، بقية مؤلفات الدكتور المهدي بنعبود ، ومنها كتابه الذي خصصه لموضوع "أزمة الحضارة المعاصرة والتطلع إلى المستقبل"، وكتابه الذي نشره تحت عنوان: "خواطر الفكر البشري أو منهاج البحث عن اليقين"، مرورا بمؤلفات أخرى من قبيل "التحدي الخلقي، و"تراجع الأديان في عصر العلم"، وكتاب "الواردات" وهو مؤلف في الحكم والأمثال، إضافة إلى كتابه الذي سماه "متفرقات"، وجمع فيه أحاديثه الإذاعية والصحفية.
 
■ المهدي بنعبود الأديب الشاعر: 
ولم يفت الزميل عبدالاله التهاني أن يشير عند لانتاج  الدكتور المهدي بنعبود في المجال الأدبي، من قبيل روايته الفلسفية "أيها الجيل الصاعد"، والنص السردي الذي أصدره بعنوان "عودة حي بن يقظان".
كما توقف عند الجانب الشعري، ممثلا في ديوان "العصر والنصر"، وقصيدته الملحمية المطولة، والتي كتبها في أخر مراحل حياته، وأصدرها في كتاب خاص، تحت عنوان "صورة عصر وشكوى نفس". وقد قرأ منها الزميل بعض المقاطع في ختام حديثه. 
وكان قبل ذلك قد استعرض شذرات من آراء الدكتور المهدي بنعبود، حول أزمات الإنسان في الحضارة المعاصرة، واختلالات المنظومة الأخلاقية لهذه الأخيرة، مستعرضا بعض الشهادات التي كتبت عن الرؤية الفكرية للدكتور المهدي بنعبود.