أكد الكاتب والصحافي الأردني، معن البياري، أن الرئيس التونسي قيس سعيّد "مارس استعباطا مكشوفا، وتشاطرا ركيكا، في تسويغ استقباله الرئاسي المعلن، يوم الجمعة 26 غشت2022، رئيس جبهة بوليساريو، إبراهيم غالي، وقد أقدم في هذا على ما لم يأتِه أي رئيسٍ عربيٍّ (باستثناءاتٍ جزائرية) منذ أشهرت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) نفسَها في 1973، ومنذ أعلنت هذه ما سمّتها "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" في 1976.
وأتهم البياري، في مقال بعنوان "بوليساريو أم استعباط قيس سعيّد؟"، الرئيس التونسي، في تبرير استقباله لزعيم الانفصاليين، بـ"انعدام الحصافة التي تولي حساباتٍ أوْلى وأعلى مكانةً من المكوث في جدلٍ بائسٍ بشأن ذلك الاعتراف من جانب المنظمة الأفريقية. ولو سلّمنا جدلا، والأفضل أن لا نسلّم لا جدلا ولا غيره، أن "نصوصيّة" قيس سعيّد تُعلي "المرجعيات القانونية الأفريقية ذات الصلة بتنظيم المؤتمرات واجتماعات الشراكات"، بلغة بيان الخارجية التونسية، فأجازت وجود علم "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" في مقصورةٍ رئاسيةٍ موازيا العلم التونسي، فإننا هنا نكون أمام ما هو شديد الغرابة في إزاحة علويّة مصالح تونس واعتباراتها المحضة على أي تأويلٍ لاعتبارات خارجية".
وقال الكاتب التونسي إن "ما يزيد في منسوب الاستعباط المتحدّث عنه غرابةً أن وكالة الأنباء الرسمية التونسية لمّا طيّرت خبر استقبال سعيّد رسميا، وبمراسيم رئاسية، ضيفَه إبراهيم غالي في مطار قرطاج، لم تعط الأخير حيثيةً أو موقعا أو منصبا، فبدا غُفلا من أي صفة، وكأن رئيس تونس يخصّ بهذا الاستقبال شخصا من جيرانه في أيام صباه، حتى إذا أعلنت الرباط غضبها الشديد في بيانٍ بدا مُحكما، وإنْ جرعة الانفعال الحانق عاليةٌ فيه، ردّت الخارجية التونسية ببيانٍ أوضحَ، من دون حرج، أن مشاركة وفد "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، بهذه التسمية لا بغيرها، في المنتدى الياباني الأفريقي في تونس، تأتي بعد مخاطباتٍ ومداولاتٍ وإجراءاتٍ خاض فيها الاتحاد الأفريقي. ويتأكّد في هذا الموضع أن شياطين كانت في التفاصيل، أودت بتفاهمٍ مغربيٍّ ــ تونسيٍّ سبق هذا كله بشأن مشاركة الرباط ودعوة من تذهب إليهم دعواتٌ موقّعةٌ من الرئيس التونسي ورئيس الوزراء الياباني، والبيان التونسي يشرح ما هو ناقصٌ في البيان المغربي، أي طبخُ دعوة "الجمهورية الصحراوية" ورئيسِها".
واختتم البياري مقاله بالقول: "لو أن عقلا سياسيا خبيرا وحاذقا، وعلى نباهةٍ وحكمة، وعلى بعض الدهاء والذكاء، يقيم في قصر قرطاج الرئاسي، لكان في وُسعه أن يتفادى توريط تونس في مأزقٍ سياسيٍّ ودبلوماسيٍّ غير هيّن مع بلد مركزي في الفضاء المغاربي، يجب أن تبقى الروابط معه أوْلى من أي ترضياتٍ عابرةٍ لهذه الجهة أو تلك الدولة، لكان في وُسعه أن يؤمّن مشاركةً لـ"بوليساريو" في منتدى الشراكة في اليابان، وأن يضمن حضور المغرب، فلا نكون أمام تنطّعٍ بائس، نشاهد في غضونه علم دولةٍ لا تعترف بها تونس نفسها في مقصورةٍ رئاسيةٍ (!)، وأمام نوبةٍ أخرى من ركاكات قيس سعيّد التي يُراد لنا، غصبا عنا، أن نتعايش معها .. إلى متى؟".
من جهته، قال الكاتب والباحث السوري، عمر كوش، إن " الموقف الجديد الذي جسّده استقبال الرئيس سعيّد شخصياً زعيم بوليساريو، وما استتبعه من إجراءات بروتوكولية بعزف النشيدين الوطنيين ورفع العلمين، قد ألغى سياسة الحياد الإيجابي، وألغى معها حرص تونس على النأي بنفسها عن الصراع حول الصحراء، لصالح انعطافة جديدة، تكلّلت في خطوة الرئيس سعيّد التي اعتبرتها المغرب اعترافاً ضمنياً بالجمهورية الصحراوية، الأمر الذي ستكون له انعكاسات سلبية على علاقات تونس والمغرب، وبما ينذر بحدوث قطيعة بين البلدين".
واضاف صاحب كتاب "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق" أن "سعيّد اختار اللعب بالنار في علاقات تونس بالمغرب". وقال إن سحب الرباط سفيرها من تونس، يأتي "ليس فقط على خلفية استقبال سعيّد زعيم جبهة بوليساريو، وحساسية قضية الصحراء بالنسبة إليها، بل تتويجاً لخلافاتٍ تراكمت بين البلدين، وطفت على السطح في الآونة الأخيرة، حيث لم يستسغ المغرب جلوس الرئيس سعيّد إلى جانب زعيم البوليساريو خلال حضوره العرض العسكري في الجزائر بمناسبة الذكرى الستين لاستقلال الجزائر في 5 يوليوز الماضي. إضافة إلى أن الرئيس التونسي لم يزر المملكة المغربية، فيما زار الجزائر ثلاث مرّات، وذلك في سياق التقارب الكبير مع الجزائر، الذي يحاول بعضهم تبريره على خلفية لجوء الرئيس سعيّد إلى الجزائر طلباً للمعونة، وبغية التصدّي للأزمة الاقتصادية التي تعصف بتونس منذ سنوات، ووصلت إلى حدّ مواجهتها صعوباتٍ في تسديد ديونها المتراكمة مع صندوق النقد الدولي، والتي عليها سدادها بغية حصولها على قرض جديد، لكن الأوساط المغربية ترى أن هذا يفترض أن لا يتم على حساب ضرب سياسة "الحياد الإيجابي" التي كانت تتخذها تونس طوال السنوات الماضية، وألا يفضي هذا إلى تبنّي الخطاب الجزائري حيال قضية الصحراء وسواها من قضايا المحيط المغاربي".
وانتقد الكاتب العراقي، هيثم الزبيدي، الخطأ الديبلوماسي الفادح الذي ارتكبه الرئيس التونسي قيس سعيد، متسائلا: "كيف لدعوة منظمة بوليساريو، والتي لا تعترف بها تونس شكلا وتفصيلا، أن تمر وأن تسمّم العلاقات مع المغرب، الدولة المؤسسة والمحورية في الاتحاد المغاربي؟ أين كانت الرئاسة من توجيه الدعوة، وما الغرض منها أساسا، دع عنك الفائدة التونسية من تقديم وضع اعتباري لبوليساريو في أواخر أيامها، بعد أن صار واضحا أن اعتراف الدول الكبرى عالميا، وفي الشرق الأوسط بمغربية الصحراء هو حقيقة واقعة؟"
وقال الزبيدي: "نحن أمام موقف ملتبس. إما دعوة مرت بلا تمحيص دبلوماسي كافٍ، أو تجاوب مع ضغوط جزائرية هذه بدايتها ولن نصل إلى نهاية لها".
وتابع الكاتب العراقي أن "هموم قيس سعيد وطنية كما أفصح عنها مرات كثيرة، ولم يوح يوما بأنه مهتم أو منشغل بموضوع من فئة بوليساريو. لكن أي غموض في ذهنه عن موقف المغرب من قضية الصحراء يجب أن يكون قد تبدد بعد أن قال العاهل المغربي الملك محمد السادس بكل وضوح إن العلاقات المغربية مع الدول تمر بمنظار الموقف من الصحراء. لا لبس في هذا بالمطلق. المستشار السياسي المخلص في قصر قرطاج كان يجب أن يهرول إلى مكتب الرئيس لينبّهه إلى أن العلاقة بين المغرب وتونس ستكون على المحك إذا بادرت تونس واستقبلت غالي، مهما كان شكل هذا الاستقبال، ومهما كانت طبيعة الضغوط التي تعرضت لها تونس من الجار الجزائري للقبول باستقباله".
أما الكاتب اللبناني خير الله خير الله، فوصف تصرف الرئيس التونسي قيس سعيّد بأنه "تصرف غير مسؤول لا يمكن صدوره عن رئيس دولة تحترم نفسها". وأضاف "الأكيد أن مثل هذا التصرّف يسيء إلى تونس التي تمر في ظروف صعبة ومعقّدة، كما يشكّل طعنة في الظهر للمملكة المغربيّة التي لم تقدّم لتونس سوى الخير. دعم المغرب تونس في كلّ وقت وساعدها في تجاوز المحن من دون أن يطلب منها شيئا. قبل سنوات قليلة حرص العاهل المغربي الملك محمّد السادس أثناء زيارة إلى تونس على تمديد إقامته فيها أيّاما عدة بغية الإطلاع عن كثب على أحوال المواطنين العاديين فيها ومعرفة ما يعانون منه بطريقة مباشرة".
وتساءل خير الله: "ما الذي يريده الرئيس التونسي وما الذي يحاول إثباته من خلال استقباله لإبراهيم غالي الذي جاء إلى تونس في طائرة خاصة مباشرة من الجزائر؟ يبدو واضحا أنّه وجد نفسه مضطرا إلى ذلك في وقت تبحث الجزائر عن أوراق جديدة لتأكيد أنّ اللعبة التي تمارسها منذ العام 1975، تاريخ استرجاع المغرب لأقاليمه الصحراويّة، لم تنته بعد. في النهاية، لن يقدّم الموقف التونسي من قضيّة الصحراء ولن يؤخّر، لا لشيء سوى لأنّ القوى الفاعلة في العالم، في مقدّمها الولايات المتحدة ودول أوروبية عدّة والدول الست الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة، اتخذت موقفا واضحا من مغربيّة الصحراء".
واعتبر الكاتب اللبناني أنّ "هناك اختراقا جزائريا كبيرا لتونس"، لافتا إلى أن فعل قيس سعيد "أمر مقلق في بلد يحتاج إلى دعم عربي ودولي واضح لمواجهة الأزمة الاقتصاديّة التي يعاني منها". وتابع "أن يتنطح قيس سعيّد للمغرب يعني أنّه لم يأخذ علما بالموقف الأميركي من قضيّة الصحراء ومن ثبات السياسة الأميركيّة التي ما زالت تلتزمها إدارة جو بايدن، علما أنّها تقررت في الأيام الأخيرة من إدارة دونالد ترامب. يشير ذلك إلى أن الموقف الأميركي من مغربيّة الصحراء صار موقفا واضحا معتمدا لا يتغيّر بتغيّر الإدارات في واشنطن".
وقال خير الله، في مقال بعنوان "خطيئة في حق تونس!"، إن "قيس سعيّد لم يجد من يبلغه بالموقف الذي اتخذته دول الخليج الست في قمتها الأخيرة في الرياض أواخر العام الماضي. تجاوزت الجرأة في الموقف الخليجي موضوع إيران. امتدت الجرأة إلى شمال أفريقيا حيث يمارس النظام الجزائري عدوانيّة موصوفة في تعاطيه مع المغرب. كانت الرسالة الخليجية إلى النظام الجزائري في غاية الوضوح، وذلك بتشديدها على "مغربيّة الصحراء" من جهة وعلى الشراكة مع المغرب من جهة أخرى.
وتابع الكاتب اللبناني: "من الواضح أن قرار استقبال زعيم "بوليساريو" في تونس قرار جزائري. لم يستطع النظام الجزائري انتزاع الموقف الذي يريده من موضوع الصحراء خلال وجود الرئيس إيمانويل ماكرون في مدينة الجزائر. تحدث الرئيس عبد المجيد تبون عن مناقشة قضية الصحراء مع ماكرون، لكنّ اللافت أنّ الرئيس الفرنسي لم يشر في المؤتمر الصحافي المشترك مع تبون إلى أنّه جرى التطرق إلى هذه القضيّة من قريب أو بعيد!". مضيفا أن "هناك اختراقا جزائريا كبيرا لتونس. هذا أمر مقلق في بلد يحتاج إلى دعم عربي ودولي واضح لمواجهة الأزمة الاقتصاديّة التي يعاني منها وهي أزمة مركبة زاد عمرها على عشر سنوات. هل تستطيع الجزائر أن تأخذ على عاتقها حل الأزمة التونسية، علما أنّها في حاجة إلى من ينتشلها من أزماتها الكثيرة؟".
واختتم خير الله مقاله قائلا: "لم يرتكب قيس سعيّد خطأ ارتكب خطيئة. ارتكب هذه الخطيئة في حق تونس، قبل المغرب… في وقت غير مناسب لتونس. ارتكب الخطيئة في وقت يسعى فيه الرئيس التونسي، في ضوء الاستفتاء الأخير على الدستور، إلى أن يكون الحبيب بورقيبة الآخر. يتبيّن بعد استقباله إبراهيم غالي أنّه لا يستطيع حتّى أن يكون زين العابدين بن علي الآخر!".
وأتهم البياري، في مقال بعنوان "بوليساريو أم استعباط قيس سعيّد؟"، الرئيس التونسي، في تبرير استقباله لزعيم الانفصاليين، بـ"انعدام الحصافة التي تولي حساباتٍ أوْلى وأعلى مكانةً من المكوث في جدلٍ بائسٍ بشأن ذلك الاعتراف من جانب المنظمة الأفريقية. ولو سلّمنا جدلا، والأفضل أن لا نسلّم لا جدلا ولا غيره، أن "نصوصيّة" قيس سعيّد تُعلي "المرجعيات القانونية الأفريقية ذات الصلة بتنظيم المؤتمرات واجتماعات الشراكات"، بلغة بيان الخارجية التونسية، فأجازت وجود علم "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" في مقصورةٍ رئاسيةٍ موازيا العلم التونسي، فإننا هنا نكون أمام ما هو شديد الغرابة في إزاحة علويّة مصالح تونس واعتباراتها المحضة على أي تأويلٍ لاعتبارات خارجية".
وقال الكاتب التونسي إن "ما يزيد في منسوب الاستعباط المتحدّث عنه غرابةً أن وكالة الأنباء الرسمية التونسية لمّا طيّرت خبر استقبال سعيّد رسميا، وبمراسيم رئاسية، ضيفَه إبراهيم غالي في مطار قرطاج، لم تعط الأخير حيثيةً أو موقعا أو منصبا، فبدا غُفلا من أي صفة، وكأن رئيس تونس يخصّ بهذا الاستقبال شخصا من جيرانه في أيام صباه، حتى إذا أعلنت الرباط غضبها الشديد في بيانٍ بدا مُحكما، وإنْ جرعة الانفعال الحانق عاليةٌ فيه، ردّت الخارجية التونسية ببيانٍ أوضحَ، من دون حرج، أن مشاركة وفد "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، بهذه التسمية لا بغيرها، في المنتدى الياباني الأفريقي في تونس، تأتي بعد مخاطباتٍ ومداولاتٍ وإجراءاتٍ خاض فيها الاتحاد الأفريقي. ويتأكّد في هذا الموضع أن شياطين كانت في التفاصيل، أودت بتفاهمٍ مغربيٍّ ــ تونسيٍّ سبق هذا كله بشأن مشاركة الرباط ودعوة من تذهب إليهم دعواتٌ موقّعةٌ من الرئيس التونسي ورئيس الوزراء الياباني، والبيان التونسي يشرح ما هو ناقصٌ في البيان المغربي، أي طبخُ دعوة "الجمهورية الصحراوية" ورئيسِها".
واختتم البياري مقاله بالقول: "لو أن عقلا سياسيا خبيرا وحاذقا، وعلى نباهةٍ وحكمة، وعلى بعض الدهاء والذكاء، يقيم في قصر قرطاج الرئاسي، لكان في وُسعه أن يتفادى توريط تونس في مأزقٍ سياسيٍّ ودبلوماسيٍّ غير هيّن مع بلد مركزي في الفضاء المغاربي، يجب أن تبقى الروابط معه أوْلى من أي ترضياتٍ عابرةٍ لهذه الجهة أو تلك الدولة، لكان في وُسعه أن يؤمّن مشاركةً لـ"بوليساريو" في منتدى الشراكة في اليابان، وأن يضمن حضور المغرب، فلا نكون أمام تنطّعٍ بائس، نشاهد في غضونه علم دولةٍ لا تعترف بها تونس نفسها في مقصورةٍ رئاسيةٍ (!)، وأمام نوبةٍ أخرى من ركاكات قيس سعيّد التي يُراد لنا، غصبا عنا، أن نتعايش معها .. إلى متى؟".
من جهته، قال الكاتب والباحث السوري، عمر كوش، إن " الموقف الجديد الذي جسّده استقبال الرئيس سعيّد شخصياً زعيم بوليساريو، وما استتبعه من إجراءات بروتوكولية بعزف النشيدين الوطنيين ورفع العلمين، قد ألغى سياسة الحياد الإيجابي، وألغى معها حرص تونس على النأي بنفسها عن الصراع حول الصحراء، لصالح انعطافة جديدة، تكلّلت في خطوة الرئيس سعيّد التي اعتبرتها المغرب اعترافاً ضمنياً بالجمهورية الصحراوية، الأمر الذي ستكون له انعكاسات سلبية على علاقات تونس والمغرب، وبما ينذر بحدوث قطيعة بين البلدين".
واضاف صاحب كتاب "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق" أن "سعيّد اختار اللعب بالنار في علاقات تونس بالمغرب". وقال إن سحب الرباط سفيرها من تونس، يأتي "ليس فقط على خلفية استقبال سعيّد زعيم جبهة بوليساريو، وحساسية قضية الصحراء بالنسبة إليها، بل تتويجاً لخلافاتٍ تراكمت بين البلدين، وطفت على السطح في الآونة الأخيرة، حيث لم يستسغ المغرب جلوس الرئيس سعيّد إلى جانب زعيم البوليساريو خلال حضوره العرض العسكري في الجزائر بمناسبة الذكرى الستين لاستقلال الجزائر في 5 يوليوز الماضي. إضافة إلى أن الرئيس التونسي لم يزر المملكة المغربية، فيما زار الجزائر ثلاث مرّات، وذلك في سياق التقارب الكبير مع الجزائر، الذي يحاول بعضهم تبريره على خلفية لجوء الرئيس سعيّد إلى الجزائر طلباً للمعونة، وبغية التصدّي للأزمة الاقتصادية التي تعصف بتونس منذ سنوات، ووصلت إلى حدّ مواجهتها صعوباتٍ في تسديد ديونها المتراكمة مع صندوق النقد الدولي، والتي عليها سدادها بغية حصولها على قرض جديد، لكن الأوساط المغربية ترى أن هذا يفترض أن لا يتم على حساب ضرب سياسة "الحياد الإيجابي" التي كانت تتخذها تونس طوال السنوات الماضية، وألا يفضي هذا إلى تبنّي الخطاب الجزائري حيال قضية الصحراء وسواها من قضايا المحيط المغاربي".
وانتقد الكاتب العراقي، هيثم الزبيدي، الخطأ الديبلوماسي الفادح الذي ارتكبه الرئيس التونسي قيس سعيد، متسائلا: "كيف لدعوة منظمة بوليساريو، والتي لا تعترف بها تونس شكلا وتفصيلا، أن تمر وأن تسمّم العلاقات مع المغرب، الدولة المؤسسة والمحورية في الاتحاد المغاربي؟ أين كانت الرئاسة من توجيه الدعوة، وما الغرض منها أساسا، دع عنك الفائدة التونسية من تقديم وضع اعتباري لبوليساريو في أواخر أيامها، بعد أن صار واضحا أن اعتراف الدول الكبرى عالميا، وفي الشرق الأوسط بمغربية الصحراء هو حقيقة واقعة؟"
وقال الزبيدي: "نحن أمام موقف ملتبس. إما دعوة مرت بلا تمحيص دبلوماسي كافٍ، أو تجاوب مع ضغوط جزائرية هذه بدايتها ولن نصل إلى نهاية لها".
وتابع الكاتب العراقي أن "هموم قيس سعيد وطنية كما أفصح عنها مرات كثيرة، ولم يوح يوما بأنه مهتم أو منشغل بموضوع من فئة بوليساريو. لكن أي غموض في ذهنه عن موقف المغرب من قضية الصحراء يجب أن يكون قد تبدد بعد أن قال العاهل المغربي الملك محمد السادس بكل وضوح إن العلاقات المغربية مع الدول تمر بمنظار الموقف من الصحراء. لا لبس في هذا بالمطلق. المستشار السياسي المخلص في قصر قرطاج كان يجب أن يهرول إلى مكتب الرئيس لينبّهه إلى أن العلاقة بين المغرب وتونس ستكون على المحك إذا بادرت تونس واستقبلت غالي، مهما كان شكل هذا الاستقبال، ومهما كانت طبيعة الضغوط التي تعرضت لها تونس من الجار الجزائري للقبول باستقباله".
أما الكاتب اللبناني خير الله خير الله، فوصف تصرف الرئيس التونسي قيس سعيّد بأنه "تصرف غير مسؤول لا يمكن صدوره عن رئيس دولة تحترم نفسها". وأضاف "الأكيد أن مثل هذا التصرّف يسيء إلى تونس التي تمر في ظروف صعبة ومعقّدة، كما يشكّل طعنة في الظهر للمملكة المغربيّة التي لم تقدّم لتونس سوى الخير. دعم المغرب تونس في كلّ وقت وساعدها في تجاوز المحن من دون أن يطلب منها شيئا. قبل سنوات قليلة حرص العاهل المغربي الملك محمّد السادس أثناء زيارة إلى تونس على تمديد إقامته فيها أيّاما عدة بغية الإطلاع عن كثب على أحوال المواطنين العاديين فيها ومعرفة ما يعانون منه بطريقة مباشرة".
وتساءل خير الله: "ما الذي يريده الرئيس التونسي وما الذي يحاول إثباته من خلال استقباله لإبراهيم غالي الذي جاء إلى تونس في طائرة خاصة مباشرة من الجزائر؟ يبدو واضحا أنّه وجد نفسه مضطرا إلى ذلك في وقت تبحث الجزائر عن أوراق جديدة لتأكيد أنّ اللعبة التي تمارسها منذ العام 1975، تاريخ استرجاع المغرب لأقاليمه الصحراويّة، لم تنته بعد. في النهاية، لن يقدّم الموقف التونسي من قضيّة الصحراء ولن يؤخّر، لا لشيء سوى لأنّ القوى الفاعلة في العالم، في مقدّمها الولايات المتحدة ودول أوروبية عدّة والدول الست الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة، اتخذت موقفا واضحا من مغربيّة الصحراء".
واعتبر الكاتب اللبناني أنّ "هناك اختراقا جزائريا كبيرا لتونس"، لافتا إلى أن فعل قيس سعيد "أمر مقلق في بلد يحتاج إلى دعم عربي ودولي واضح لمواجهة الأزمة الاقتصاديّة التي يعاني منها". وتابع "أن يتنطح قيس سعيّد للمغرب يعني أنّه لم يأخذ علما بالموقف الأميركي من قضيّة الصحراء ومن ثبات السياسة الأميركيّة التي ما زالت تلتزمها إدارة جو بايدن، علما أنّها تقررت في الأيام الأخيرة من إدارة دونالد ترامب. يشير ذلك إلى أن الموقف الأميركي من مغربيّة الصحراء صار موقفا واضحا معتمدا لا يتغيّر بتغيّر الإدارات في واشنطن".
وقال خير الله، في مقال بعنوان "خطيئة في حق تونس!"، إن "قيس سعيّد لم يجد من يبلغه بالموقف الذي اتخذته دول الخليج الست في قمتها الأخيرة في الرياض أواخر العام الماضي. تجاوزت الجرأة في الموقف الخليجي موضوع إيران. امتدت الجرأة إلى شمال أفريقيا حيث يمارس النظام الجزائري عدوانيّة موصوفة في تعاطيه مع المغرب. كانت الرسالة الخليجية إلى النظام الجزائري في غاية الوضوح، وذلك بتشديدها على "مغربيّة الصحراء" من جهة وعلى الشراكة مع المغرب من جهة أخرى.
وتابع الكاتب اللبناني: "من الواضح أن قرار استقبال زعيم "بوليساريو" في تونس قرار جزائري. لم يستطع النظام الجزائري انتزاع الموقف الذي يريده من موضوع الصحراء خلال وجود الرئيس إيمانويل ماكرون في مدينة الجزائر. تحدث الرئيس عبد المجيد تبون عن مناقشة قضية الصحراء مع ماكرون، لكنّ اللافت أنّ الرئيس الفرنسي لم يشر في المؤتمر الصحافي المشترك مع تبون إلى أنّه جرى التطرق إلى هذه القضيّة من قريب أو بعيد!". مضيفا أن "هناك اختراقا جزائريا كبيرا لتونس. هذا أمر مقلق في بلد يحتاج إلى دعم عربي ودولي واضح لمواجهة الأزمة الاقتصاديّة التي يعاني منها وهي أزمة مركبة زاد عمرها على عشر سنوات. هل تستطيع الجزائر أن تأخذ على عاتقها حل الأزمة التونسية، علما أنّها في حاجة إلى من ينتشلها من أزماتها الكثيرة؟".
واختتم خير الله مقاله قائلا: "لم يرتكب قيس سعيّد خطأ ارتكب خطيئة. ارتكب هذه الخطيئة في حق تونس، قبل المغرب… في وقت غير مناسب لتونس. ارتكب الخطيئة في وقت يسعى فيه الرئيس التونسي، في ضوء الاستفتاء الأخير على الدستور، إلى أن يكون الحبيب بورقيبة الآخر. يتبيّن بعد استقباله إبراهيم غالي أنّه لا يستطيع حتّى أن يكون زين العابدين بن علي الآخر!".