الثلاثاء 19 مارس 2024
فن وثقافة

الزرهوني يجيب عن سؤال: هل "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ (7)؟

الزرهوني يجيب عن سؤال: هل "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ (7)؟ حسن الزرهوني رفقة الزميل احمد فردوس ولوحة فنية معبرة

بساحل "الكاب" بشاطئ البدوزة، ومن فضاء محرابه الفني الذي يعكس مدى عشقه للثقافة والفن والموروث التراثي المتعدد والمتنوع، استقبل الموسيقي والفنان التشكيلي حسن الزرهوني جريدة "أنفاس بريس" بابتسامته العريضة التي تحكي عن مسار رجل طيب وإنساني، مواظب على خلق الحركة والنشاط والحيوية داخل مرسمه الفني.

حسن الزرهوني الذي خبر ركوب البحر وأمواجه، وامتطى صهوة الريشة والألوان الزاهية، ليترجم أحاسيسه إلى أنغام بأوتار تروي سيرة الإنسان والمجال في علاقة مع أحداث ووقائع التاريخ المحلي والوطني، التي كتبت بطولاتها وملاحمها فرسان أرض الحصبة في زمن الظاهرة القايدية.

في هذا السياق نقدم للقراء سلسلة حلقاتنا مع ضيف الجريدة الذي سيجيب من خلالها عن أسئلة تروم تصحيح الخلط الذي وقعت فيه المنابر الإعلامية وامتد إلى الإنتاج الدرامي والمسلسلات والأفلام والمسرحيات التي كتبت نصوصها وتم إنتاجها وتسويقها ارتباطا بشخصية وعيطة "خَرْبُوشَة"؟

لقد تحدثت منابر الإعلام السمعي والبصري والمكتوب عن "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ والمغنّية بإطناب، وتناولت علاقتها بالقائد الكبير عيسى بن عمر العبدي التمري البحتري، وانتفاضة أولاد زيد ضد نفس القائد، حيث تم إسقاط قصيدة بأكملها على أن الشِّيخَةْ "خَرْبُوشَةْ" هي صاحبتها، وامتد هذا الخلط والإسقاط إلى بعض المسلسلات والأفلام والمسرحيات التي تناولت الموضوع، حتى أصبح المتلقي يؤمن بأن "خَرْبُوشَةْ" هي صاحبة هذا الكلام. وقبل تصحيح هذا الخلط والإسقاط لابد أن نطرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية ذات الصلة:

هل فعلا "خَرْبُوشَةْ" الشِّيخَةْ هي نفسها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ؟ وهل عيطة "خَرْبُوشَةْ" هي من إنتاج الشِّيخَةْ خَرْبُوشَةْ؟ وهل الأبيات الشعرية التي ألّفتها حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ هي نفسها المذكورة في عيطة "خَرْبُوشَةْ"؟ وكيف تم تأليف عيطة خَرْبُوشَةْ؟ ومن هي حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ اَلْغِيَّاثِيَةْ؟ ومن هي خَرْبُوشَةْ اَلشِّيخَةْ أو اَلْعِيَّاطَةْ أو اَلْمُغَنِّيَةْ؟

يقول مطلع قصيدة عيطة خربوشة: "خَرْبُوشَةْ واَلْحَمْرَةْ وزَرْوَالَةْ ولَكْرَيْدَةْ وُهُمَا رَبْعَةْ مَحْسُوبِينْ أَعَبْدَةْ جِيبُوا الزِّينْ يَا سِيدِي".

رسائل مخزنية تؤكد أن الشِّيخَةْ حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ الْغِيَّاثِيَةْ ليست هي الشِّيخَةْ خَرْبُوشَةْ

حسب بعض مراسلات المخزن المحلي الموجهة إلى المخزن المركزي، فقد ورد اسم الشِّيخَةْ اَلْعِيَّاطَةْ والمغنية المعروفة بِحَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ الْغِيَّاثِيَةْ الْعَبْدِيَةْ بصيغة التصغير، حيث نُعِتَتْ بِحْوِيدَّةْ الزيدية الغياثية، والنموذج هذه الرسالة الموجهة إلى الحاجب السلطاني أحمد بن موسى المعروف بـ "أَبَّا حْمَادْ"، والموقعة من طرف القائد بوبكر بن بوزيد، قائد منطقة الشاوية التي كانت تمتد مساحتها من حدود الدار البيضاء إلى أزمور. وقد جاء في هذه الرسالة ما يلي:

(حفظ الله مجادة سيدنا الأعز، الأرضى، الصدر الأعظم، الفقيه الأجل سيدي أحمد بن الفقيه الوزير الأعظم سيدي موسى بن أحمد. وفقك الله وأمّنك ورعاك، وسلام عليك ورحمة الله عن خير مولانا نصره الله.

وبعد، فيكون في علم سيادتك أننا وجدنا يومه صحبة مَخْزْنِي من أصحابنا الشِّيخَةْ حْوِيدَّةْ الْعَبْدِيَّةْ. واصلة الحضرة الشريفة دام عزها وفق الأمر الشريف أعزه الله. فإذا بأصحاب القائد عيسى بن عمر العبدي، إتفق خروجهم مع المخزني والمرأة المذكورَينِ في وقت واحد، ورافقوها مسافة. فلما انفصلت الطريق عمدوا إلى مركوب المرأة وساقوه لغير طريق الَمْحَلَّةْ السّعيدة. وحالوا بيننا وبين الْمَخْزْنِي وقصدوا بها طريق أزمور... وأعلمهم بأنه متوجه بها لِلْمْحَلَّةْ السّعيدة. وأراهم الكتاب الذي معه. فلم يلتفتوا إليه وتبعهم مسافة كبيرة ولم يقدر على مقاومتهم لأن عددهم إثنى عشرة فارسا. وتوعّدوه إن لم يذهب معهم لِلْمْحَلَّةْ أو إلى حيث شاء. فلما آيَسَ منها وتحقق عندها وقوع ما توعدّوه به خاف من ذهابه لَلْمْحَلَّةْ بكتاب دون المرأة رجع إلينا وكان وصوله قرب المغرب والكتاب الموجه لسيادتك أولا يملك معه. وبه وجب إعلام سيادتك وعلى المحبة والسلام في 13 شوال عام 1315 هجرية. خديم المقام العالي بالله).

في سياق متصل نَسُوقَ رسالة أخرى لنفس القائد بوبكر بن بوزيد الموجهة إلى المخزن المركزي والتي تثبت اعتقال صديق الشِّيخَةْ اَلْعِيَّاطَةْ المغنية حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ الْغِيَّاثِيَةْ، والمسمى أَحْمَدْ أَنَشْرِي. حيث تقول هذه الرسالة ما يلي:

( الطالب بوبكر بن بوزيد. وصل كتابك بقبضك على أَحْمَدْ أَنَشْرِي رفيق الشِّيخَةْ حْوِيدَّةْ وعليها، وفق ما اقترى به وصار بالبال بعد اطلاع العلم الشريف به، فيأمرك... أن توجه المسجون المذكور في كُبْلِهِ لخليفة عامل رباط الفتح والكتاب الشريف له بقبوله منك وإيداعه السجن. يصلك طيّه وتوجه الشِّيخَةْ المذكورة للحضرة الشريفة. وعلى المحبة والسلام).

يتضح من خلال هاتين الرسالتين (النموذجين) بأن الشِّيخَةْ حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ الْغِيَّاثِيَةْ الْعَبْدِيَّةْ، ليست هي نفسها الشِّيخَةْ خَرْبُوشَةْ، والدليل أنه يصعب على المرأة أن تسمى وتحمل في مجتمع تقليدي، مخزني، قائدي، أبوي، كل تلك الأوصاف والأسماء التي وردت في العيطة موضوع سلسلة حلقات ملفنا: (بمعنى لايمكن وصف امرأة واحدة بـ: الشِّيخَةْ حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ الْغِيَّاثِيَةْ الْعَبْدِيَةْ. خَرْبُوشَةْ. الْحَمْرَةْ. لَكْرَيْدَةْ. زَرْوَالَةْ). خصوصا أنه في تلك الفترة التاريخية كانت المرأة البدوية تحت ضغط الإكراهات العائلية والإجتماعية والدينية، وتعيش في عزلة وتهميش انطلاقا من الواقع المعاش. وتخضع أيضا لسلطة الرجل المطلقة.

إن معاناة المرأة في المجتمع البدوي في تلك الفترة التاريخية، وإكراهات واقع الحال التي مورست عليها، تتضح من خلال تفكيك وتحليل متن عيطي ورد في عيطة "الْكَافْرَةْ غْذْرْتِينِي"، حيث قال الشاعر: "مَرْتِي وُصَاحَبْتِي خاطر مَنْ نْدِيرْ. خَاطَرْ صَاحَبْتِي وُمَرْتِي بِالدْوَامْ". فمن خلال تحليلنا لهذا المتن العيطي الجامع والمانع، يتأكد واقع المرأة المرير التي كانت تعيشه تحت سلطة الرجل المطلقة، وإقصائها وحرمانها من حقوقها داخل المجتمع المغربي، وخصوصا في البادية.

فرغم أن الرجل يربطه مع المرأة رابط الزواج، إلا أنه يتمتع بحرية اتخاذ امرأة أخرى خليلة له ("مَرْتِي وُصَاحَبْتِي خاطر مَنْ نْدِيرْ. خَاطَرْ صَاحَبْتِي وُمَرْتِي بِالدْوَامْ") والزوجة لا يمكن لها الاحتجاج أو التشكي من سلوك الرجل الذي يخونها مع خليلته (الصَّاحْبَةْ) التي يفضلها عن الزوجة المرهونة والْحَاجْبَةْ في عش الزوجية والمكبلّة بالأعراف والتقاليد.

وقد تم ذكر اسم الشِّيخَةْ حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ الْغِيَّاثِيَةْ الْعَبْدِيَةْ في المراسلات المخزنية أعلاه دون ذكر أسم الشِّيخَةْ خَرْبُوشَةْ، الشيء الذي يفند بالحجة والدليل ما ذهب إليه العديد من الباحثين في تحليلهم بأن الشِّيخَةْ حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ الْغِيَّاثِيَةْ هي نفسها الشِّيخَةْ خَرْبُوشَةْ. وهذا راجع إلى عدم ضبطهم للوقائع والأحداث، وعدم اطلاعهم على التاريخ المكتوب والشفهي بقبيلة عبدة وغير حافظين ومتمكّنين من متون العيطة الحصباوية وخصوصا عيطة خَرْبُوشَةْ في علاقة مع انتفاضة أَوْلَادْ زِيدْ.

إن الشِّيخَةْ حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ الْغِيَّاثِيَةْ الْعَبْدِيَّةْ قد ولدت، وترعرعت في دوّار أَوْلَادْ سْعِيدْ بفَخْذَةْ أَوْلَادْ زِيدْ، حيث يحيط بهذا الدّوار مجموعة من الدواوير، نذكر منها: دوّار سيدي بُوشْتَى، ودوّار أَوْلَادْ عَزَّوزْ، ودوّار النْوَاصْرَةْ، ودوار لُقْرَيَّةْ، ودوار لَمْعَيْرْفَةْ.

لقد كانت الشِّيخَةْ حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ الْغِيَّاثِيَةْ الْعَبْدِيَّةْ شاعرة زجالة مبهرة، تتميز بقوة نظم الشِّعر البدوي، القوي، النافذ للأعماق الإنسانية، شعر هادف وملتزم بقضايا القبيلة، فضلا عن امتيازها بالصوت الرّخيم الذي ينفذ للنفوس، ويصل للخلجان وهواجس المتلقي. وكانت بصفتها ناظمة ومغنية "عِيَّاطَةْ"، تتردد على "رْبَاعَةْ" فرقة خَرْبُوشَةْ الموسيقية من حين لآخر، حسب المناسبات والجلسات الفنية بالدواوير المجاورة والمحيطة لدوّار كَاسِينْ ودوّار أولاد زِيدْ. إذ كانت المسافة الفاصلة بين هذين الدوارين تصل إلى حوالي 10 كلمترات، حيث كانت تقطعها على متن حصانها، لأنها كانت تعشق ركوب الخيل، الشيء الذي ساعدها على سرعة التنقل هنا وهناك.

ومن المعلوم أنه بعد وفاة السلطان المولى الحسن الأول سنة 1895، سنحت هذه الفرصة للقائد عيسى بن عمر على إثقال كاهل السّاكنة بالرسوم والضرائب، خصوصا فئة الفلاحين رغم توالي فترات الجفاف، الشيء الذي خلق استياء عميقا لدى ساكنة أولاد زيد مما ساهم في تقويض العلاقات بين فخذة أولاد زيد والمخزن المحلي المتمثل في القائد عيسى بن عمر العبدي حيث ساهمت الشِّيخَةْ حَادَّةْ الزَّيْدِيَةْ الْغِيَّاثِيَةْ الْعَبْدِيَّةْ في شرارة الانتفاضة بحكم أن عائلتها وعشيرتها من دوار أولاد سعيد كانت طرفا في النزاع.