الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

خناتة بنونة: الكلمة والفعل يسيران متوازيين لإحداث التغيير في العقول والسياسات

خناتة بنونة: الكلمة والفعل يسيران متوازيين لإحداث التغيير في العقول والسياسات تكريم الأديبة خناتة بنونة من قبل وكالة "بيت مال القدس"

المغربية خناتة بنونة أول أديبة في بلدها تنشر مجموعة قصصية بعنوان "ليسقط الصمت" (1967) ورواية "النار والاختيار" (1969)، التي نالت عليها جائزة اتحاد الكتاب المغربي وتبرعت بمبيعاتها لدعم القضية الفلسطينية واعتمدت ضمن مقررات التدريس بالثانويات لسنوات، وشكلت موضوع أطروحات بحثية عديدة.

شَهد لها القاصي والداني، ومن قرأ لها ولم يقرأ، من اتفق معها واختلف، ومن جايلها من مفكرين وسياسيين وفاعلين وأدباء وصحفيين في النضال والكفاح والوطنية، بأنها قامةٌ أدبية ووطنية يصعب تكرارها، إنها الكاتبة والأديبة المغربية خناتة بنونة.

 

وطنية واستماتة

كرّمت خناتة بنونة في العديد من الدول كأولى الأديبات في بلادها وأول من حصل على بطاقة مزاولة الصحافة من المغربيات، وتعد أول من أصدر مجلة نسائية ثقافية، ونهلت منذ صغرها من معين الحركة الوطنية.

ويقول الأديب والباحث حسن النجمي -رئيس اتحاد كتاب المغرب سابقا- إنها "بالإضافة إلى كونها كاتبة رائدة في تاريخ الأدب العربي في المغرب وتاريخ الأدب العربي المعاصر، هي امرأة وطنية حتى النخاع، ذات التزام سياسي واجتماعي وأخلاقي أعطاها مكانة خاصة داخل المشهد الأدبي والثقافي وجعلها أيضا تمتاز بحظوة داخل الفضاء السياسي المغربي وبين العائلات السياسية وبالخصوص داخل حزب الاستقلال بزعامة علال الفاسي الذي كان يعدّ نفسه أباها الروحي".

وحين سألناها كيف تعرف نفسها اليوم بعد مسارها الأدبي الحافل ومواقفها الإنسانية والنضالية، قالت للجزيرة نت "أنا إنسانة مسكونة لدرجة المرض بحب الله والوطن والملك والمعرفة والعلم والثقافة وخدمة الإنسان".

وأضافت بنبرة صوت تنم على فخر واعتزاز ورضا "أنتمي لأسرة تؤثر على نفسها ولو كانت بها خصاصة، وأسرة أسهمت في النضال الوطني وأدت الثمن لحما ودما وأموالا ورجالا ونساء وأطفالا".

حكت لنا بنونة عن قصة خالها العربي الإدريسي، الذي كان "أحد أثرياء فاس ومقاوميها، وكان بمثابة جنرال للجناح العسكري للحركة الوطنية، وكيف وزّع كل ماله في أحداث 1944 للمطالبة بالاستقلال، وتحمله المسؤولية وتعرضه للحكم بالإعدام ومصادرة أملاكه وإلقاء القبض على كل ذكور الأسرة حتى الأطفال منهم".

وأضافت "كان أسدا ولي منه بصمة، كان يجلسني مع الكبار، وتعلمت منه ومن عائلتي، وتربيت منذ صغري على مفاهيم المقاومة.. ثم البصمة الأساسية التي تعود لأبي الروحي سيد الآباء علال الفاسي".

وروت بنونة قصة حماية الأديب والمناضل المغربي لها من الزواج المبكر عكس عادات كانت سائدة وقتذاك، إذ تمردت ورفضت القبول، وهي المناسبة التي قال فيها علال الفاسي وقد انتبه لفِطنتها وذكائها ورغبتها في العلم "هذه ابنتي وابنة المغرب"، وظل يعدّها كذلك.

 

مسار ملحمي

ولدت خناتة بنونة بمدينة فاس (رغم تاريخ الولادة المرفق في مجموعة من المصادر والذي يوافق 24 سبتمبر/أيلول 1940، قالت لنا خناتة بنونة إن تاريخ ولادتِها غير معروف بدقة) من صلب أسرة مناضلة وطنية ميسورة.

اشتغلت بالتدريس، وشغلت منصب مديرة في 1968 بالتعليم الثانوي في الدار البيضاء. وكانت أول سيدة تصدر مجلة ثقافية بقلم امرأة في المغرب العربي، وثاني مجلة في العالم العربي هي "شروق".

كانت أول سيدة تنشر مجموعة قصصية بالمغرب بعنوان "ليسقط الصمت" (1967) ورواية "النار والاختيار" (1969)، التي نالت عليها جائزة اتحاد الكتاب المغربي، والتي تبرعت بمبيعاتها لدعم القضية الفلسطينية، واعتمدت ضمن مقررات مناهج التدريس بالثانويات لسنوات، كما شكلت موضوع أطروحات بحثية عديدة.

ومن مؤلفاتها التي تبلغ حوالي 20 مجموعات قصصية منها "الصورة والصوت" (1975)، و"العاصفة" (1979)، و"الغد والغضب" (1984)، و"رواية الصمت الناطق" (1987)، وصدرت لها الأعمال الكاملة (2008)، ولها 3 مؤلفات قيد الطبع.

ويعتبر الأديب والباحث حسن النجمي الأديبة بنونة "ابنة زمنها وتاريخها، بنيتها السردية الحِكائية، بنية كلاسيكية، لأن الكتابة العربية السردية في المشرق (مع نجيب محفوظ وغيره) كانت هي النبع والسلطة المرجعية في ذهن جيلها".

ويضيف للجزيرة نت أن خناتة "وطنية حقيقية في مشاعرها وتفكيرها وسلوكها وارتباطها بالآخرين، ولهذا حظيت بهذا التقدير. وفي اتحاد كتاب المغرب كانت كلمتها تصان وتحترم، تشير وتتدخل وتقترح ولا تتردد في الحضور".

 

الكلمة أداة للتغيير

وترى خناتة بنونة أن الكلمة أداة تغيير، وآمنت بالفكر المقرون بالعمل، وتقول للجزيرة نت "أومن أن الكلمة والفعل يسيران بخط متوازٍ لإحداث التغيير في العقول وفي المشاريع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي العلوم والبحث العلمي والتطور الفكري".

ويقول الصحفي والأديب المغربي الناجي الأمجد -في حديثه للجزيرة نت- إن "خناتة بنونة امرأة يصعب أن نجد مثلها في هذا الزمان، عاشت مطبات ومحنا صقلت شخصيتها، وجعلتنا ننظر إليها يوم تكريمها، لم تتغير رغم تغير الأيام والسنوات، وبقيت تنطق حقا وقوة ونخوة وعنفوانا أمام المسؤولين".

 

عطاء وتكريم

وحظيت بنونة نهاية الشهر الماضي بحفل تكريمٍ حضرته شخصيات من عوالم الفكر والسياسة والأدب، وأهديت خلاله درع وكالة "بيت مال القدس" تقديرا لدعمها للمشاريع في القدس الشريف، وشهد حفل تكريمها عرض كتاب أعلام مغربية الصادر عن مركز الدراسات والأبحاث بوجدة، الذي احتفى بها كعلم من أعلام المملكة.

وعنها قال المدير المكلف بتسيير وكالة "بيت مال القدس" محمد سالم الشرقاوي للجزيرة نت "بقدر ما تكون أنموذجا لامرأة مغربية واكبت مراحل مهمة من تاريخ المغرب الحديث، بقدر ما تبقى مرجعا حيا لمشروع أدبي مفيد يطبع ذاكرة جيل كامل من المتعلمين والمتعلمات".

ويعتبر الأمجد أن "خناتة نهلت من الماء نفسه الذي نهلت منه فاطمة الفهرية وهي تؤسس وتبني جامعة القرويين، وتشبعت بصفات الإنسان من بطولة وشهامة وريادة وإصرار ووطنية وقول الحق والجهر به دون أن تأخذها في ذلك لومة لائم".

 

غضب المثقف أم إحباطه؟

ويلفت الأديب النجمي إلى أن بنونة أصبحت "اليوم أكثر غضبا وأضحى تفكيرها جذريا وأصبحت قلقة أكثر، وأسئلتها استنكارية".

ويتساءل بمرارة "هل حدث ذلك بفعل تجاربها أو تأثرها بما تراه من مرارات وسطوة الغرب الظالم وغير المنصف مما شكل عندها ما يشبه الجرح؟"، واستدرك "من حقها أن تغضب ومن حقها أن تتألم حين ترى الانتهازيين يملؤون المشهد".

وتوضح بنونة "لن تجدني إلا غاضبة من واقع عفن، كنا نأمل أن يكون الوضع مغايرا من المحيط للخليج، من الماء إلى الماء، ومن الجرح إلى الجرح، ففلسطين شكلت محور علاقة بين الذات والذات، ومنذ حوالي قرنين كلما وضع العالم الإسلامي على وضع الخطة لتطوير الحياة إلا وانتكس"، معتبرة أن المضطهد والمقهور والمقتول والمشرد والمحروم من التعبير عن طموحه وآرائه والمشرد في الساحة العالمية هي الشعوب العربية والإسلامية.

 

التبرع بالمكتبة

وبخلاف الكتابة والعمل الوطني، فقد عرفت بنونة بعطائها المستمر، وتقول الإعلامية اعتماد سلام إن بنونة "أسست مكتبة في بيت والديها وهي بالكاد أكملت تعليمها الابتدائي، وشكلت المكتبة جزءا من قاعدة لمكتبة أخرى أسستها في (ثانوية ولادة) فأصبحت واحدة من أهم المكتبات في المدينة، وحرصت على فتحها أمام عموم التلاميذ والطلبة والباحثين".

ونقلت سلام قول بنونة "ما دمت استنفدت المكتبة فلماذا ستبقى عندي؟ ينبغي أن يستفيد منها الآخرون"، وهكذا وزعت مكتبتها على مجموعة من المؤسسات من بينها المكتبة الوطنية، وأهدت كل كتبها.

وتضيف اعتماد للجزيرة نت "من الكتب القليلة التي احتفظت بها في بيتها الأجزاء الثلاثة لمذكرات الزعيم الراحل عبد الرحمان اليوسفي، وقد أهداها لها شخصيا، ورسائل عبد القادر الشاوي عندما كان معتقلا، وكتاب (رسائل باريس) للراحل محمد باهي، تتوسطها صورة كبيرة لعلال الفاسي". وأخبرتْنا بنونة أنها تحتفظ أيضا بكتاب "كذلك كان" لمبارك بودرقة.

وكانت بنونة قد خصصت عائد جائزة القدس التي حازت عليها عام 2013 لتمويل مشاريع في القدس، ثم استمر عطاؤها في تجهيز المدارس والمراكز الصحية والتكفل بالأيتام.

وختمت بنونة "تحدّيت نفسي وتحديت ما بقي لي من إرث.. بعت كل ما تبقى بما في ذلك أشياء نفيسة ورثتها عن أهلي، بعد أن بعت سابقا صالون بيتي"، وختمت "أرجو الله أن يتقبل مني وأن يجعلها صدقة على والدي وعلى الوطن، وأن تكون بذرة خير لتحريك الجمود والسواكن من أجل إنجاز مؤسسات علمية أكبر".

المصدر : الجزيرة