Tuesday 17 June 2025
كتاب الرأي

عبد الواحد الفقيهي: نواة المشمش.. صفارة الطفولة وبذرة اللعب

عبد الواحد الفقيهي: نواة المشمش.. صفارة الطفولة وبذرة اللعب عبد الواحد الفقيهي
في ذلك الحي الشعبي، في سبعينيات القرن الماضي، لم تكن هناك ألعاب إلكترونية ولا شاشات مضيئة تشغلنا. لم تكن هناك حدائق منظمة أو فضاءات ترفيه، بل كانت الأزقة الضيقة هي مسرح طفولتنا، والفاكهة مواقيت اللعب.
 
كنا ننتظر موسم المشمش ليس فقط من أجل حلاوته، بل لأن بعد كل ثمرة نأكلها، نحتفظ بجوزها الصلب، تلك النواة الصغيرة التي كانت تتحول، بلمسة من فضول الطفولة، إلى صفارة، أو زغروطة، أو آلة سحرية تصدر صوتا وتثير ضحكنا ودهشتنا.
 
 
بمسمار وقطعة حجر، كنا نثقبها من الطرفين، ننفخ فيها، فنسمع صوتا غريبا يخرج منها، أشبه بنداء بري صغير...نطلقها ونحن نختبئ، ثم نضحك حين يركض أحدهم يبحث عن مصدر الصوت. كانت لعبة وإثارة ومهارة، وجزءا من لغتنا الخاصة.
 
لم تكن صفارة المشمش مجرد تسلية. كانت رمزا لذكاء الطفل الذي يصنع من البذور أدواته، ومن البقايا ألعابا، ومن انتظار المواسم طقوسا للفرح. نمسك النوى، ونغسلها، ونحتفظ بها في علبة كبريت فارغة، ونفخر بعددها كما يفخر هواة الطوابع بمجموعاتهم النادرة.
 
وكان هناك من يذهب أبعد من الصفارة، فننحت النواة، ونصقلها، ونفتحها لنكتشف ما بداخلها من "لوزة"، نأكلها، ثم نواصل التجريب. منها ولدنا ألعابا أخرى: نرميها في الهواء ونتلقفها، نتبارى في من يكسر أكثر منها، أو من يصنع منها أداة تزيين لصدر طائرة ورقية.
 
نواة المشمش كانت أداة لعب، ولكنها أيضا كانت مقياسا لموسم الطفولة، ولذة الاكتشاف، وعبقرية الفقر الجميل.
كانت صفارة، وكانت سرا صغيرا يحمله الجيب،وكانت فنا يدويا لا يعلم، بل يورث من ضحكة إلى ضحكة، وكانت شهادة بأن الطفل لا يحتاج إلى الكثير...ليصنع العالم.