Sunday 22 June 2025
خارج الحدود

علي بوزردة: الحرب بصناعة أمريكية.. من فوردو إلى بغداد، أشباح الحروب الماضية تعود إلى الواجهة

علي بوزردة: الحرب بصناعة أمريكية.. من فوردو إلى بغداد، أشباح الحروب الماضية تعود إلى الواجهة علي بوزردة ومشاهد لغزو العراق وموقع فوردو الإيراني
بعد عشرين عاماً على غزو العراق بذريعة “أسلحة الدمار الشامل” التي لم يتم العثور عليها قط، تعود الولايات المتحدة إلى خضم  الصراع في الشرق الأوسط.
 
الضربات العنيفة التي نُفذت نهاية هذا الأسبوع ضد مواقع نووية إيرانية، من بينها المنشأة الحساسة للغاية في "فوردو"، تمثل عودة استعراضية للجيش الأمريكي إلى صراع إقليمي، في وقت كانت فيه واشنطن تزعم أنها طوت صفحة “الحروب التي لا تنتهي”.
 
من الضروري التذكير بتفصيل مهم: ترامب، الذي قيل عنه إنه رجل أعمال يكره الحروب ويفضل السلام ليستمر في ممارسة تجارته بهدوء، فاجأ الجميع، بمن فيهم حلفاؤه الغربيون، بانخراطه مع نتنياهو في الرمال المتحركة للشرق الأوسط.
 
هذه المرة، لم يكلف ساكن البيت الأبيض نفسه عناء التشاور مع الكونغرس، ولا حاول إقناع مجلس الأمن الدولي بأي حيلة لـ”شرعنة” الهجوم المفاجئ على "فوردو" ومواقع نووية إيرانية أخرى.
هذا الرجوع الأمريكي العنيف إلى منطق “الحرب الوقائية” يذكّر إلى حد كبير ببدايات التدخل في العراق. ففي عام 1981، قصفَت إسرائيل المفاعل النووي “أوزيراك” في العراق؛ وفي عام 2003، برّرت الولايات المتحدة غزو بغداد بتهديد برنامج نووي وهمي لصدام حسين.
 
لكن في عام 2025، الأهداف حقيقية، غير أن المبررات الاستراتيجية لا تزال محل جدل كبير.
والعالم العربي مكتوف الأيدي، يراقب بصمت حرباً تقع على أبوابه، ولا يعلم إلى من يتجه أو بمن يثق، خصوصاً أن “العم سام” دخل رقصة الذئاب. وعندما ترقص الذئاب، لا يكون الضعفاء هم من يقودون الإيقاع
 
من الناحية التقنية، وفي عملية واسعة النطاق، قامت ست قاذفات شبحية من طراز B-2 بإسقاط اثنتي عشرة قنبلة GBU-57 “الخارقة للتحصينات” على موقع "فوردو" المدفون عميقاً تحت الأرض. وتُعد هذه الأسلحة قادرة على اختراق عشرات الأمتار من الصخور والخرسانة، وقد تم استخدامها لأول مرة في سياق قتال حقيقي.
 
كانت قناة “سكاي نيوز” البريطانية أول من كشف عن الاستعدادات الأمريكية للهجوم، تلتها شبكة “سي بي إس” التي كشفت عن بعض التفاصيل المتعلقة بتحركات الطائرات الشبح باتجاه الخليج.
وبعد أربعٍ وعشرين ساعة، استيقظ العالم على نبأ سيّء: مغامرة ترامب في قلب المواجهة الإسرائيلية الإيرانية.
 
في الوقت نفسه، انضمت البحرية الأمريكية إلى سلاح الجو في تقديم الدعم، وفقاً لما أوردته صحيفة “نيويورك تايمز”، حيث أطلقت غواصات أمريكية 30 صاروخ كروز على المنشآت النووية في "نطنز" و"أصفهان". وأكد الرئيس ترامب أن ثلاث مواقع إيرانية تم استهدافها، مشيراً إلى أن فوردو “تم تحييده بالكامل”.
 
لم تكن الضربة على "فوردو" ذات طابع عسكري فقط، بل تحمل أيضاً رسالة سياسية قوية إلى طهران والمجتمع الدولي. إنها تذكر ببدايات حرب العراق في عام 2003، حين شنت الولايات المتحدة غزواً بحجة محاربة الانتشار النووي، في وقت لم يكن فيه أي ترسانة نووية موجودة. ومرة أخرى، يخيّم شبح نزاع مفروض استراتيجياً على منطقة مضطربة.
 
نحو حرب شاملة؟
مع وجود أكثر من 40 ألف جندي أمريكي منتشرين في المنطقة على قواعد برية وسفن، وضع البنتاغون قواته في حالة تأهب قصوى. وتوقعت أجهزة الاستخبارات الأمريكية ردود فعل انتقامية وشيكة من إيران، التي جهزت صواريخها بالفعل ضمن مدى القواعد الأمريكية في البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة.
وفي رسالة على منصة “إكس”، ندد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بـ”الهجوم الفاضح”، مؤكداً أن الولايات المتحدة وإسرائيل “نسفتا الدبلوماسية”، وأن إيران تحتفظ بـ”جميع الخيارات” للدفاع عن سيادتها وشعبها.
الخوف من تصعيد إقليمي ملموس. فإيران تهدد الآن بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي، الذي يمر عبره 25% من النفط العالمي و20% من الغاز الطبيعي المسال. 
ورداً على ذلك، أعادت البحرية الأمريكية تموضع سفنها، بما فيها كاسحات الألغام. وتتجه حاملتا الطائرات “يو إس إس كارل فينسون” و”يو إس إس نيميتز” ومجموعاتهما الجوية نحو المنطقة.
وقد تم إرسال تعزيزات إضافية: نُقلت طائرات مقاتلة من طراز F-22 وF-35 وF-16 من أوروبا، مدعومة بطائرات تزويد بالوقود. ويؤكد البنتاغون استعداده الكامل لأي سيناريو.
قرار التحرك العسكري ضد إيران، بعد الضربات الإسرائيلية في 13 يونيو، يترك هامشاً ضيقاً للدبلوماسية. وحتى إن تحدثت طهران عن احتمال استئناف المفاوضات النووية، إلا أن دوامة الضربات والضربات المضادة يبدو أنها قد بدأت بالفعل.
لم تضرب الولايات المتحدة "فوردو" فقط؛ بل تجاوزت عتبة جديدة. فعندما تتبنى واشنطن ضربة مباشرة ضد إيران، فإنها تُعيد تشغيل آلية التدخلات العسكرية الجهنمية في الشرق الأوسط، وسط قلق متزايد من خطر نووي.
 
هل تتكرر أخطاء الماضي؟
يتساءل العديد من المحللين عمّا إذا كانت هذه “استراتيجية التخويف” ستعزز الأمن الإقليمي — أم أنها ستشعل ببساطة مسرح حرب جديد.
وبنية إسقاط نظام الملالي بأي ثمن، تبدو إدارة ترامب وقد وقعت في خطأ حساباتها، مكررة بذلك أخطاء الماضي، حين أقدمت على “قتل” صدام حسين بدم بارد، بحجة فرض الديمقراطية على العراق بالقوة. وقد أدّت قرارات إدارة بوش الابن إلى انفجار موجة من العنف سياسي غير مسبوق في المنطقة، أصبح للأسف جزءاً من دروس التاريخ…
وكان الكاتب الأمريكي مارك توين يردد دوماً:
“التاريخ لا يعيد نفسه، لكنه غالباً ما يتناغم.” (“History doesn’t repeat itself, but it often rhymes.”)
المصدر : Article19.ma