Sunday 22 June 2025
كتاب الرأي

عبد الهادي مزراري: ماذا بعد الضربة الأمريكية لإيران؟

عبد الهادي مزراري: ماذا بعد الضربة الأمريكية لإيران؟ عبد الهادي مزراري
ظل السؤال الذي شغل بال المتتبعين للحرب الإسرائيلية الإيرانية، المندلعة منذ 13 يونيو الجاري، هو "هل ستتدخل الولايات المتحدة في الحرب أم لن تتدخل؟". وظلت الرسائل التي توالت من واشنطن تؤكد أن الرئيس ترامب يريد إنهاء المشكل مع إيران بالطرق الدبلوماسية.
 
على أرض الواقع ظلت إسرائيل تقصف المنشآت العسكرية والمؤسسات الحكومية والبنيات التحتية في إيران في كل مربع من ترابها في ظل انهيار شبه شامل للدفاعات الجوية الإيرانية، مستهدفة تحقيق ثلاث غايات رئيسية وهي:
1 - الهدف العسكري: تدمير البرنامج النووي والقدرات العسكرية الإيرانية وقتل أكبر عدد ممكن من الخبراء والقياديين العسكريين الإيرانيين.
2- الهدف السياسي: إضعاف القيادة الإيرانية بتصفية الصفوف الأولى من قيادييها وتدمير البنيات الاقتصادية والحكومية.
3- الهدف الاستراتيجي: إحداث فوضى وتخريب واسعي النطاق في إيران وقلب النظام فيها.

 
بعد سبعة أيام وثمانية ليالي غير حسوما، تأكد لإسرائيل أن أيا من أهدافها لم يتحقق، بينما الرد الإيراني على هجومها اتخذ خطا تصاعديا، وبات يستهدف 4 مستويات، وهي:
المستوى الأول: استيعاب الضربة الإسرائيلية وإعادة ترتيب الأوراق من الداخل الإيراني وتفكيك خلايا الموساد فوق تراب إيران.
المستوى الثاني: الرد التهديدي بتوجيه ضربات غير قاصمة لإسرائيل تثبت للعدو أمرين وهما:
أ -  قدرات إيران العسكرية ما تزال قائمة وبأمان.
ب - إجهاد القدرات الدفاعية الإسرائيلية من خلال إغراقها بصواريخ ومسيرات من أرشيف الجيش الإيراني.
المستوى الثالث: الرد الانتقامي باستعمال صواريخ ومسيرات من الصف الثاني والثالث في الأسلحة الهجومية الإيرانية، تنجز ضربات في العمق الإسرائيلي وتستهدف المنشآت العسكرية والحكومية والعلمية وتخلق حالة من الرعب والصدمة لدى القياديين الإسرائليين.
المستوى الرابع: إرباك الجبهة الداخلية في إسرائيل وإنهاكها نفسيا واجتماعيا واقتصاديا وخلق جو سياسي مشحون في إسرائيل وجعل الحياة فيها صعبة ومستحيلة على الإسرائليين.

 
مقارنة بين ما حققه كل من الطرفين، بدا لإسرائيل في اليوم السابع من الحرب أنه من المستحيل وقف الضربات الإيرانية
ومن الصعب كذلك تدمير القدرات النووية لإيران. بينما أخذت إيران تتأكد بأن سحق إسرائيل هي مسألة وقت تعتمد على النفس الطويل في الحرب وعلى عزل إسرائيل عن حلفاءها.
 
في ظل الواقع العسكري الجديد لم يعد من مخرج لإسرائيل التي أدخلها نتنياهو في نفق الحرب مع إيران سوى الضغط على البيت الأبيض للانضمام إلى صفها ومد حبل النجاة إليه.
 
من جهته، لم يكن الرئيس ترامب يريد إدخال بلاده في أي حرب كانت، خاصة أنه يرى أن نتنياهو مارس نوعا من التعسف على الولايات المتحدة، وانتقد انخراطها في مفاوضات مباشرة مع إيران والحوثيين وحماس من دون أخذ رأيها الرافض بعين الاعتبار.
 
ثمة فرامل وضعها ترامب لمنع نفسه من اتخاذ قرار الذهاب إلى الحرب ضد إيران، لكنه خضع لضغوط شديدة من طرف اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، حتى أن سياسيا إسرائيليا علق على احتفالات ترامب بعيد ميلاده في 14 يونيو الجاري بقوله "إنه يوم حزين أن يحتفل صديق إسرائيل الأكبر بعيد ميلاده تحت الأضواء بينما إسرائيل تحترق بصواريخ إيران".
 
ليس هناك أدنى شك بأن ترامب اتخذ قرار الالتحاق بنتنياهو في الحرب حتى لا يتعرض لحساب عسير من قبل اللوبي الإسرائيلي في أمريكا. وما دام أن مصير إسرائيل أصبح على المحك فلا شيء يمنع أي شيء، خاصة مع تنامي أصوات "حركة 86 و47"، التي تحمل تهديدا صريحا للرئيس الأمريكي.
 
قاوم ترامب ضغوط إسرائيل، قدر ما استطاع، ومد يده إلى الإيرانيبن، آملا في حل سلمي، لكنه لم يتوفق ولم يجد من بد سوى إخراج الضربة الأمريكية من الثلاجة وتنفيذها بمنطق بعيد شيئ ما عن أسلوب الحرب، وأعقبها بخطاب تضمن ثلاثة رسائل أساسية:
الرسالة الأولى: مدح إسرائيل وإشعارها بأنها ليست وحدها في المعركة.
الرسالة الثانية: إن الرئيس ترامب نفذ المطلوب منه وأنه تم القضاء نهائيا على البرنامج النووي الإيراني، مع التأكيد على يد السلام الممدودة لإيران. 
الرسالة الثالثة: إن القوة الأمريكية لا تعلوها قوة فوق الأرض، وهي إشارة لا بد منها بالنسبة للرئيس ترامب الذي يحمل شعار فرض السلام بالقوة.

 
يأمل الرئيس ترامب من خلال هذه الضربة إغلاق الملف، وكل الدوائر السياسية والعسكرية في أمريكا تجمع على أن الكرة في شباك الفريق الإيراني، وتأمل بأن يتوقف التصعيد. لكن لإيران وجهات نظر كثيرة ومختلفة.
 
إن العقلية الفارسية تختلف كثيرا عن عقليات كثير من المجتمعات، وتنهل من تجارب الآخرين ومن مراجع في التاريخ، كما بدا وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في ندوة صحفية في اسطنبول، اليوم الأحد، هادئا وافكاره مستقرة يجيب عن أسئلة مصيرية ثقيلة، لم يغلق باب الدبلوماسية، تاركا في الوقت نفسه خيارات كثيرة للتنفيذ في إطار ما اسماه "الاحتفاظ بحق الرد على الضربة الأمريكية".
 
قد لا ترد إيران على الضربة الأمريكية بضرب مصالح أمريكية، ولكنها تستمر في ضرب إسرائيل، وهو ما فعلته في قصفها لمواقع إسرائيلية ساعات بعد تعرضها للضربة الأمريكية، مستعملة للمرة الأولى صواريخ باليستية فرط صوتيه متعددة الرؤوس، خلفت دمارا واسعا.
 
العالم أمام سيناريوهات مختلفة ومربكة ويمكن سردها بهذه الطريقة:
1- قد تفعل إيران ما فعله الحوثيون، توقع سلاما مع أمريكا تحت ذريعة القضاء على برنامجها النووي (كما جاء على لسان أمريكا ذتها)، بينما تستمر في الانتقام من إسرائبل، وفي هذه الحالة سيكون ترامب مرة أخرى داخل قاعة الامتحان الإسرائبلية. وسيكون الأمر صعبا عليه بشكل أكبر.
2- قد تتوصل أمريكا إلى اتفاق مع إيران يشمل إسرائبل بشكل غير مباشر وهو ما يأمله الرئيس ترامب، لكن هذا يتوقف على حسابات طهران وتقييمها للامور، وإذا قبلت بذلك فإنها فقط تؤجل انتقامها لتاريخ لاحق.
3 - قد ترد إيران على الضربة الأمريكية بشكل محدود، فالجانبان الامريكي والإيراني لهما تجارب سابقة في مجال التفاوض على تبادل الضربات، خاصة الضربات البيضاء، التي قد تكون الضربة الأمريكية الأخيرة جزء منها، فلا أثر لليورانبوم المخصب ولا لأجهزة الطرد المركزي ولا أحد يعرف ماذا حدث بالضبط في ظل وجود اتصالات مستمرة بين طهران وواشنطن.
4 - قد ترد إيران على الضربة الأمريكية بضربات تصعيدية وتضطر الولايات المتحدة بالرد عليها في حرب مفتوحة على كل الاحتمالات (...)، وهو ما تأمله إسرائيل وتعرفه إيران.
الأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت