الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

أبوظبي.. اختتام فعاليات مؤتمر الوحدة الإسلامية بمشاركة كوكبة من الأمراء والعلماء والوزراء

أبوظبي.. اختتام فعاليات مؤتمر الوحدة الإسلامية بمشاركة كوكبة من الأمراء والعلماء والوزراء الشيخ الصادق العثماني رفقة بعض ضيوف المؤتمر
على مدى يومي الثامن والتاسع من شهر مايو 2022 التقى أكثر من 500 من القيادات السياسية والدينية والفكرية والاجتماعية للدول والمجتمعات المسلمة؛ يمثلون مختلف مناطق العالم في القارات الخمس، وذلك بمناسبة الذكرى الرابعة لتأسيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة …. وعلى مدى أكثر من 30 جلسة حوارية، وكلمة رئيسية قدمها رؤساء دول، ووزراء، وأمراء، ومفتين، ورؤساء جامعات، وعمداء كليات، وأساتذة، وباحثون، تناولوا بعمق وموضوعية وثراء موضوع “الوحدة الإسلامية: المفهوم، الفرص، التحديات”. هذا الموضوع الذي يعتبر اهم قضية شغلت العقل المسلم منذ بدايات القرن العشرين. حيث بدأت كقضية فكرية مع حركات الاستقلال عن الاستعمار الغربي، وأثارت خيالات الكتاب والمثقفين والمفكرين….. ومع دخول العالم الاسلامي في مرحلة ما بعد الاستعمار، وما صاحبها من تغيرات جوهرية في مكوناته السياسية والاجتماعية والفكرية، ومع ظهور الاحزاب السياسية التي تتخذ من الاسلام ايديولوجية للوصول الى السلطة، لم يعد مفهوم الوحدة الإسلامية بذلك الوضوح والجلاء؛ الذي كان عند السابقين، وهو أنها وحدة معنوية، روحية، دينية تجمع بين الأفراد والمجتمعات، ولا تحول دون انتمائهم لدول وأوطان مختلفة متنوعة متعددة. حيث يكون المقصد والغاية هو التعاون والتبادل لتحقيق مصالح الإنسان المسلم والارتقاء بمعيشته.
لقد صنعت الوحدة الإسلامية بهذا المعنى الأصيل حضارة رائدة ساهمت في دفع ركب الإنسانية خطوات كبيرة الى الأمام. صنعت انساقاً ثقافية متنوعة ومتعددة؛ ولكنها تنتظم في سياق حضارة كبيرة واحدة تحدد معالمها إسهامات عظيمة قدمتها للبشرية في العلوم والفنون والآداب والفلسفة والعمارة والفلك والرياضيات والطب والموسيقى…الخ.
وقد شاركت في هذا المؤتمر  بعثة رسمية من الجمهورية البرازيلية يتقدمهم الباحث في الفكر الإسلامي وقضايا التطرف الديني الشيخ الصادق العثماني والدكتور محمد الزغبي رئيس اتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل والمدير العام التنفيذي للإتحاد الأستاذ بسيم الزغبي،  وقد أقيم المؤتمر برعاية الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، وتزامناً مع الذكرى الرابعة لتأسيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة.
وفي بداية المؤتمر رحب الشيخ نهيان بن مبارك، بالمشاركين والحضور، معبراً عن سعادته البالغة بما يمثله هذا المؤتمر من تجمع مرموق لنخبة متميزة من مفكري الأمة الإسلامية الذين يمثلون بآرائهم ومداخلاتهم، مستويات رفيعة من التفكير الجاد والملتزم، والخبرة العريضة بالواقع والتاريخ والمستقبل الذي نرجوه في المجتمعات المسلمة. 
وقال: إن دولة الإمارات تمثل الآن نموذجاً مرموقاً للتعامل مع البيئة الدولية المتغيرة، ونقطة جذب لكل الأفراد والجماعات، وأنهم أدركوا أن نجاح التنمية الوطنية في الإمارات مرهون بتفهم الأحوال العالمية المحيطة بنا، مؤكداً أن موضوع «الوحدة الإسلامية» مهم في ضوء ما تشهده المجتمعات المسلمة من تحديات جسيمة تهدد وجود بعضها، ووجود فرص مواتية كي تأخذ الأمة الإسلامية موقعها اللائق بها في هذا العالم. وشدد على أننا في حاجة إلى استراتيجية شاملة وواضحة لتحقيق الوحدة الإسلامية، لتصبح قوة عالمية، لهذا  علينا مواجهة التفكّك الطائفي في بعض المجتمعات المسلمة واتخاذ بعضهم الإسلام ستاراً لأعمال إرهابية.
وفي كلمة  الشيخ عبد الله بن بيّه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، نعى شهداء الحادث الإرهابي الذي وقع في جمهورية مصر العربية اليوم. مؤكداً أن الدين الإسلامي بريء من الأعمال الإرهابية التي يرتكبها بعض الشباب المختطفة عقولهم، واستغلال بعضهم مفهوم الوحدة الإسلامية لتحقيق أغراض إجرامية.
وقال فضيلته: إن المؤتمر يجب أن يركز على أهمية السلام، لأنه من أهم المقاصد التي بُني عليها الإسلام، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قد أكد أن السلام من صفات المؤمن في قوله «المُسلِمُ مَن سَلِمَ الناس مِن لِسانِه ويَدِه والمُؤمِنُ مَن أمِنَه الناسُ على أمْوالِهِم وأنْفُسِهم». مطالباً بضرورة الدعوة إلى درء الحروب والمفاسد والعمل المشترك الذي أصبح أمر هام وضروري، كما يجب أن نوجه رسائل واضحة لشباب الأمة في هذا الظرف العالمي من خلال هذا المؤتمر، فلا طائفية طاردة ولا مذهبية جامدة ولا عنصرية حاقدة.
فيما أوضح الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف بجمهورية مصر العربية، أنه يجب على المسلم احترام الدولة التي يعيش فيها سواء كانت ذات أغلبية مسلمة أو أقلية مسلمة، وأن يتفوق في عمله لأنه لن يحترم الناس ديننا إذا لم نتفوق في أمور دنيانا، مشيراً إلى أنه من المستحيل جمع المسلمين من كل دول العالم تحت علم واحد ودولة واحدة وحاكم واحد.
وأضاف جمعة، أن الوحدة الإسلامية تتطلب التنسيق فيما بيننا في المحافل الدولية لتجريم ازدراء الأديان، وعلينا مواجهة حرق نسخ المصحف الشريف والرسوم المسيئة للرسول، والتصدي أيضاً للجماعات المتطرفة التي تتخذ من الإسلام ستاراً وتشوه الدين، ونقف صفاً واحداً في وجه جماعات التطرف والإرهاب، وأنه يجب على العلماء والمتخصصين كشف تلك الجماعات المتطرفة أمام الجميع، مشيراً إلى أن العلماء أكدوا على أن الفتوى تتغير بتغير ظروف المكان والزمان.
وقال الدكتور علي أرباش، وزير الشؤون الدينية في جمهورية تركيا: إن المسلمين حملوا رسالة السلام إلى أجزاء كبيرة من العالم، كما حملوا العلم والمعرفة وأسسوا دول وبنوا حضارات.
وأضاف، أن العالم يمر بإحدى أصعب المراحل في تاريخه من حروب وإرهاب وأوبئة، وعلينا أن نجتمع ونتعاون ونتحد لحل هذه المشكلات وتجاوز التحديات. مشيراً إلى أنه من المحزن أن نرى العالم الإسلامي لا يستطيع مواجهة التحديات العالمية أو اتخاذ إجراءات عاجلة تجاه قضية الإسلاموفوبيا التي تقف أمامنا وتحتاج إلى إجراءات عاجلة ضدها. وتابع: تركت المبادئ العالمية للإنسانية في الإسلام بسبب التفكك بين المسلمين.
وقال الدكتور علي راشد النعيمي، رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة: المؤتمر يأتي في ظل تحديات تواجهها الأمة الإسلامية والعالم أجمع من صراعات وأزمات، ونحن الأمة إسلامية نعيش أزمة مرتبطة بقضية الهوية كما يطرح البعض خياراً واحداً لا غيره هو «إما الإسلام أو لا شئ»، وهو ما يتنافى مع تعاليم الإسلام السمحة وهذا الخيار جعل الشباب يتساءل هل أنتمي إلى دولة أم إلى طائفة أم إلى عرق؟
وأضاف: حينما نتحدث عن علاقة المسلم بغير المسلم سنجد أن بعضهم فقد السياق الحقيقى للدين الذي يطالبنا بحسن المعاملة، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه»، وعلينا حب الخير للآخرين حتى لو كانوا مختلفين في المذهب أو الطائفة.
وأكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قد وضع مبادئ التعايش واحترام الآخر فور وصوله المدينة؛ ليكون هذا هو الدستور الأول للمسلمين، لذا علينا العمل لصناعة مستقبل أفضل لأجيالنا، وتقديم خطاب مقنع لشباب هذه الأمة ليتم توظيفهم التوظيف الصحيح، خاصة أننا قد عانينا اختطاف الدين والعقول والأفئدة ووجدنا خطاباً متطرفاً فرقنا، وعلينا أن نعود إلى الجذور والمبادئ الأساسية للإسلام.
وأوضح أنه حينما نخاطب العالم عن الإسلام يسألنا أي إسلام نتحدث عنه؛ لذلك وجب على العلماء والمفكرين في الأمة تصدر المشهد لكي لا يتصدره من يريد اختطاف شباب الأمة والعبث بمقدراتها، لأننا نريد أن يكون المسلمون جزءًا من الحل وليس جزءًا من الأزمات؛ لأن الإنسانية بحاجة إلينا وإلى الإسلام.
وقال عبد الشكور سردار خان، وزير الشؤون الدينية والوئام بين الأديان في باكستان: إن الوحدة الإسلامية تتحقق ببنود أساسية أهمها الإيمان بالله تعالى؛ حيث إن الأمة الإسلامية لا تقوم على العرق أو الطائفية ولكنها تقوم على العقيدة والإيمان بالله تعالى.
وأضاف، أن الأخوة الإنسانية من أهم المبادئ التي دعا إليها الإسلام، والوحدة الإسلامية أساسها عقيدة التوحيد بالله، والمسلمون خير أمة أخرجت للناس بوحدتهم وترابطهم، لذلك فنحن اليوم في حاجة ماسة إلى الوحدة والترابط والعمل المشترك بين المسلمين؛ لأن التاريخ علمنا أن الوحدة هي سبيل العزة والتفوق، كما يجب علينا تقبل ثقافة الاختلاف والتعايش السلمي مع الآخرين.
كما أوضح داتو إدريس بن أحمد، وزير الشؤون الدينية في ماليزيا، أن المؤتمر يتزامن مع حاجة الدول الإسلامية إلى مبادرة متميزة لتحقيق الوحدة بين المسلمين، حيث إننا إذا لم نجعل الوحدة الإسلامية شغلنا الشاغل فستكون الخسارة كبيرة للأمة، وسيكون البديل هو الانقسام والتشرذم.
وطالب بضرورة العمل على إتقان اللغة العربية بين أفراد الأمة الإسلامية، ليتمكنوا من الفهم الصحيح للإسلام بجانب إنشاء «منبر الدعاة» وخاصة من جيل الشباب، لترسيخ مفهوم وحدة الأمة في جميع أنحاء العالم، وعلى جميع العلماء العمل المخلص لتحقيق «الوحدة الإسلامية».
وأضاف ابن أحمد، أن ماليزيا لديها تجربة رائدة في التعايش والتسامح السلمي والوحدة الوطنية، حيث إنها تضم شعوباً من مختلف الأديان والثقافات، وتم بناء الوحدة بينهم منذ فترة طويلة والجميع يحترم هذا ويحافظ عليه. 
فيما قال الدكتور محمد عبد الستار السيد، وزير الأوقاف بالجمهورية العربية السورية: إن المؤتمر يجسد تطلعات المسلمين والعرب في كل مكان في العالم، فقد عانت الشام كثيراً من الإرهاب والتطرف والتخريب كما يتعرض الشباب لهجمة شديدة وعلينا أن ننتبه إلى هذا جيداً.
وأضاف: لا نقبل بالتكفير ولا توجد سورة في القرآن الكريم إلا وفيها قول الله تعالى «إن الكافرين»، في إشارة للوعيد للكافرين ومن يكفّر الناس، مشيراً إلى أن الشيخ الشعراوي رحمه الله عرّف الكفر بأنه عدم الإيمان بما يعتقد الآخرين، وليس القتل، كما أننا أمرنا كمسلمين أن نقاتل المشركين لعدوانهم وليس لكفرهم.
وأوضح أن الفئات الضالة تستخدم الإسلام شعاراً لها وتقتل على أساس التكفير، لذلك يجب علينا أن نعود إلى تفسير آيات القتال وكل ما جاء عن الجهاد في كتاب الله، والتأكيد على أن الجهاد يكون تحت راية الجيش الوطني للدولة، فلا جهاد لجماعات أو لنشر الدعوى، وإنما نشر الدعوى يكون بالكلمة الطيبة.
فيما قال الدكتور حسين إبراهيم طه، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي: إن دولة الإمارات أصبحت عاصمة عالمية للتسامح والتعايش السلمي، ويجب العمل معاً بهدف صياغة إطار إسلامي شامل يتضمن ثوابت العلاقات بين الحكومات الإسلامية المختلفة.
وأضاف طه، أن تشويه صورة الإسلام يتطلب من المسلمين الوقوف صفاً واحداً للعمل على استرجاع مفهوم الوحدة الإسلامية والصورة الحقيقية لديننا الحنيف والتركيز على مبدأ الحوار بين المسلمين كأولوية قصوى لتجاوز الخلافات ومواجهة الأخطار التي تحيق بنا، خاصة أن عالمنا الإسلامي شهد معاناة من آثار الحروب والفتن التي تسببت في زعزعة استقرار بعض دول أعضاء المنظمة.
أما كلمة الدكتور محمد بن عيسى، وزير الخارجية ووزير الثقافة الأسبق في المملكة المغربية، أن تطلعات الأمم نحو الاتحاد والوحدة لا تتقدم مع مرور الزمن، وأن ما نجح في الغرب ليس مضمون نجاحه في المجتمعات المسلمة.
وأوضح أنه لا يوجد بديل لمحو التخلف سوى نشر المعرفة والتعليم على أوسع نطاق بين أفراد المجتمع المسلم، حيث إنه يكاد يكون من المستحيل قيام مشروع الاتحاد بين المسلمين في ظل سيادة الجهل والأمية وافتقاد متطلبات العيش الكريم بينهم. مؤكداً أن الشعوب المتقدمة في عالمنا المعاصر كسبت رهانات التقدم لأنها صارت في اتجاه تغيير العقليات وتوطين ثقافة الديمقراطية والعدالة.
فيما أناب الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «الإسيسكو» عنه عبد الإله بن عرفة نائب المدير العام للمنظمة، ليلقي كلمته خلال المؤتمر قائلاً: «إن موضوع المؤتمر يعبر عن حاجة ملحّة تفرضها المرحلة التي تمر بها الأمة الإسلامية، خاصة أن وحدة المصير الإنساني بشكل عام والإسلامي بشكل خاص يترجم الروح الواحدة رغم الاختلافات الصورية».
وأضاف أن قضية الوحدة تبرز في أوقات الأزمات والصدمات، حيث يحتاج الناس إلى قيم التراحم لمواجهة مختلف التحديات، لذلك علينا جميعاً أن نشكر المجلس العالمي على تنظيم المؤتمر في هذا التوقيت من أجل تجميع جهود الأمة الإسلامية نحو البناء والعمران، والتشديد على أن دوائر التعاون متداخلة بين جميع البشر على اختلاف مللهم وأعراقهم من أجل هدف واحد ومستقبل إنساني مشترك.
وأوضح أن التعريف المعاصر لمفهوم الأمة قريب من تعريف مفهوم الشعب، ولكن يضاف إليه فكرة الدولة، وأن القانون الدولي لا يعترف إلا بالدول ذات السيادة، مؤكداً أن وجود الأمة المسلمة ضرورة واجبة وليست مجرد أمر واقع، وعلينا العمل استقلال الأمة.
يشار إلى أن المؤتمر الدولي للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، يعقد بعنوان «الوحدة الإسلامية.. المفهوم، الفرص والتحديات»، من 8 إلى 9 مايو 2022، ليناقش «الوحدة الإسلامية» وتجلياتها في مختلف مجالات الحياة، ودورها في بناء حضارة إنسانية، وكذلك يناقش الأوضاع التاريخية التي أدت إلى الانحراف في فهم قضية الوحدة الإسلامية، وتحويلها شعاراً سياسياً قاد إلى السير في عكس المسار التاريخي الذي أدّته حقيقة الوحدة الإسلامية.
 

وقد جاء في توصيات المؤتمر وبيانه الختامي  الذي تلاه  الدكتور محمد البشاري الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة ما يلي:
– التأكيد على خصوصية كل مجتمع من المجتمعات وضرورة احترام تلك الخصوصيات بما يحافظ على أمن واستقرار تلك المجتمعات
– مواجهة فكر الجماعات المتطرفة التي حولت مفهوم الوحدة الإسلامية إلى مشروع سياسي.
– التأكيد على ضرورة تضمين مناهج التعليم الديني المعاني الحقيقية لعلاقة الوحدة والتكافل بين المجتمعات بما يحقق نهوضها ويتصدى للتحديات التي تواجه تلك المجتمعات.
– إصلاح وتطوير الخطاب الديني في جميع المجتمعات المسلمة بما يتناسب مع طبيعة كل مجتمع.
– التأكيد على أهمية تشكيل الوعي بمختلف المجتمعات واللغات ليكون المواطنون على فهم للقضايا الكبرى ولا سيما من خلال الإعلام.