الجمعة 26 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الجليل أبوالمجد: ما بعد كورونا وأوكرانيا.. الأمن الغذائي بالمغرب على المحك

عبد الجليل أبوالمجد: ما بعد كورونا وأوكرانيا.. الأمن الغذائي بالمغرب على المحك عبد الجليل أبوالمجد
لست أدري ما هي مصادفة تشابه الحروف بين كلمتي " كورونا " و" أوكرانيا ". لكن الأهم من تشابه الحروف توافق الكلمتين بالدلالة على مأساتين عالميتين. فما إن بدأ الناس في أنحاء العالم، يستبشرون بقرب نهاية مأساة كورونا التي أدت إلى خسائر كبيرة في الأرواح بالعالم أجمع، حتى اندلعت حرب وجود Guerre d’existence بين روسيا وجارتها أوكرانيا.
 
هذه الحرب الروسية الأوكرانية الهوجاء فرضت نفسها على العالم أجمع، حيث أن تداعياتها لن تستثني أحدا في حال تعثر تسويتها، خصوصا وأنها اندلعت والعالم لم يتنفس الصعداء أملا في تحسن الأحوال المعيشية وتحرك عجلة التنمية، من جراء كورونا وما خلفت من مآسي اجتماعية وخسائر بشرية واقتصادية.
 
ومما لاشك فيه أنه في حال عدم التوصل إلى تسوية منصفة لطرفي النزاع، فمن المرجح أن العالم سيتمر في المآسي ولن يعد كما كان سابقا، إذ ستتفاقم الخسائر المادية للدول والمجتمعات وسيتراجع النمو الاقتصادي العالمي وسترتفع معدلات التضخم ثم تندلع الاحتجاجات من جديد بحثا عن العدالة الاجتماعية والعيش الكريم. والنتيجة الحتمية أن العالم سيتغير وسيتشكل على أسس جديدة، ليس بعد "كورونا" فحسب، بل بعد أوكرانيا أيضا.
 
في خضم وضع مرتبك كهذا من المنطقي أن تكون له تأثيرات على مناطق عديدة. فما هي آثار هذه الحرب؟ وما انعكاساتها على الاقتصاد المغربي ؟
من أبرز آثار وتبعات هذه الحرب، هي الآثار الاقتصادية والسياسية على الدول النامية التي ستتأثر نتيجة ارتباك الأسواق العالمية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وبخاصة الدول التي تستورد القمح والشعير والذرة وزيت عباد الشمس من روسيا وأوكرانيا.
 
ومن المعروف أن المادة الغذائية الأساسية في الدول النامية مثل المغرب هي القمح والشعير. ومن المعروف أيضا أن الأمن الداخلي لهذه الدول مرتبط بسعر رغيف الخبز، وهناك مئات الأمثلة لاحتجاجات وتغيرات سياسية في دول العالم النامي كانت ناتجة معظمها عن رفع أسعار الخبز أو رفع أسعار الطاقة.
 
ويعتبر المغرب ثالث مستهلك للقمح في أفريقيا، بعد مصر والجزائر، حيث يستورد بشكل سنوي كميات مهمة من الحبوب من مجموعة من الدول التي تربطه بها اتفاقات تجارية، في مجال الفلاحة، من قبيل روسيا، أوكرانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، الاتحاد الأوروبي والأرجنتين.
 
مما سبق يتضح أن المغرب ليس بمنأى عن تداعيات الصراع الوجودي بين كييف وموسكو، إذ سيتأثر هو الآخر، على غرار عدد من البلدان النامية، من هذه الحرب التي لا تبقي ولا تذر، لاسيما في هذه الظرفية التي ما تزال الكثير من الدول تلملم جراحها الناتجة عن تداعيات جائحة كورونا، وما خلفته من آثار في مختلف المجالات.
 
كورونا وأوكرانيا وضعت أمن المغرب الغذائي على المحك، إذ سيتأثر بشكل كبير نتيجة لارتفاع أثمان النفط والغاز وكذلك المواد الفلاحية التي يستوردها وفي مقدمتها القمح، الذي يأتي جزء منه من أوكرانيا، حيث يشتد النزاع الحالي.
وينضاف إلى ذلك تحدي التغيرات المناخية وتوالي سنوات الجفاف وتدهور التربة، تسارع وتيرة الزحف العمراني على أخصب الأراضي الفلاحية وأكثرها ملاءمة مناخية (المحور الممتد من القنيطرة إلى الجديدة)، مما يضاعف سنويا المساحات المفقودة ويفقد المدن المغربية أمنها وسيادتها الغذائية، ويتسبب في ارتفاع أسعار الخضر وغلاء المعيشة وتضرر الفئات الاجتماعية الفقيرة.
 
ومن الأهمية بمكان التأكيد أن المغرب لم يكن في تاريخه معتمدا إلى هذا الحد على استيراد القمح كما هو عليه الحال في الوقت الحاضر، حيث كان الإنتاج المحلي في بعض الدول مثل المغرب وتونس ومصر ولبنان والسودان يسد معظم حاجة السوق أو القسم الأكبر منها. غير أن إهمال زراعات استراتيجية كالقمح أدى إلى تدهور هذا الإنتاج وزاد من الاعتماد على الخارج بشكل دراماتيكي.
 
وفي الوقت الذي يتم فيه إهمال زراعة القمح وزراعات استراتيجية أخرى، فإن الاهتمام الزراعي في المغرب يتركز على زراعات تصديرية لبعض أنواع الخضار والفواكه، تأتي بالعملات الصعبة لفائدة كبار الفلاحين والمستثمرين الخواص.
وهكذا كشفت جائحة كورونا والصراع الدائر في أوروبا عن الحاجة إلى رؤية مستقبلية مغايرة، تضع الأمن الغذائي على سلم الأولويات الوطنية، لوقف نزيف فاتورة الغذاء، ووضع حد للارتفاع الكبير في أسعار المواد المستوردة، في بلد متواضع الموارد. لكنه يمتلك إمكانيات تؤهله لتحقيق أمنه الغذائي، في حال وظف مساحته الزراعية لإنتاجه، في نطاق عصري باستخدام التكنولوجيا في الزراعة، ودعم الفلاحين بالأسمدة، وحسن استغلال كل قطرة ماء، والحد من الزحف للمدن على الأراضي الخصبة، والتضييق على السماسرة الانتهازيين الذين لا يعنيهم إلا المردود المادي وقتل أحلام الفلاحين.
 
وعلى غرار ما حققه المغرب في مجال الطاقات المتجددة لتحقيق الاكتفاء الذاتي طاقيا، يتعين تنويع الانتاج الفلاحي من خلال التركيز أكثر على انتاج الحبوب داخليا، من خلال حسن استغلال أراضي البور، خاصة وأنها تستهلك بشكل كبير وأساسي في المغرب، ولا تحتاج للكثير من المياه، بعيدا عن التركيز على إنتاج وتصدير الحوامض والفراولة مثلا، حتى يتمكن المغرب من تحقيق الاكتفاء الذاتي والسيادة الغذائية.
 
وختاما، العالم حاليا في عنق الزجاجة وكل دولة وتكتل يبحث له عن مخرج لكي ينجوا بأقل ضرر من أزمة الغذاء المتفاقمة التي ستظل درسا وعبرة لمن يأتي بعدها. المطلوب الآن في المغرب هو العمل على أن يكون غذاؤنا من نتاج أرضنا وعرق أبنائنا. وكما تقول قصيدة للإمام الشافعي.
 
ما حكَّ جلدكَ مثلُ ظفركَ … فَتَوَلَّ أنْتَ جَميعَ أمركْ
وإذا قصدْتَ لحاجَة....... فاقْصِدْ لمعترفٍ بقدْرِك