Monday 16 June 2025
كتاب الرأي

علي بوزردة: السي الجواهري يندد بـ «نهب العقول» المغربية.. تشخيص مؤلم، لكن لماذا بالضبط؟

علي بوزردة: السي الجواهري يندد بـ «نهب العقول» المغربية.. تشخيص مؤلم، لكن لماذا بالضبط؟ علي بوزردة
في المغرب، بدأت مسألة الأطر والكفاءات تثير قلقًا جديًا على جميع المستويات. وليس من قبيل الصدفة أن يثير والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، مؤخرًا خلال ندوة في جامعة الأخوين، موضوعًا بالغ الأهمية: هجرة الأدمغة.
 
قال الجواهري: «في بنك المغرب، خلال سنتين فقط، غادرنا نحو الخارج عشرون مهندسًا، نعم، عشرون مهندسًا»، مندّدًا بما وصفه بـ«النهب المنظم» للكفاءات من طرف الشركات ومراكز البحث الغربية.
 
لم يذكر السي الجواهري صراحة أسماء الشركات ولا الدول «المفترسة»، لكن الجميع يعلم أن ألمانيا وكندا وفرنسا والولايات المتحدة تتصدر القائمة.
 
ولا يسعنا إلا أن نأسف لخسارة هؤلاء المهندسين ذوي الكفاءة العالية، الذين غادروا «في صمت» نحو آفاق يعتبرونها «أكثر رحمة». تعويضهم، خصوصًا في مناصب استراتيجية كبنك المغرب، أمر بالغ الصعوبة، بل يكاد يكون مستحيلاً على المدى القصير.
 
ما تجرأ السيد الجواهري على قوله بصوت عالٍ، هو ما يهمس به كثيرون منذ سنوات: المغرب يستثمر بكثافة في تكوين نخبته، وفي النهاية، تستفيد الدول الغربية منها دون أن تدفع أي ثمن. الثمرة تُقطف ناضجة، دون جهد، دون تكلفة، ودون التزام.
 
هل هو أمر فاضح؟ نعم. غير أخلاقي؟ أيضًا. لكن، الأهم من ذلك، أنه ظالم ومدمر على المدى الطويل بالنسبة لبلد في طريق النمو كالمغرب .
 
لكن قد آن الأوان لمعالجة هذه القضية ببرودة أعصاب، دون طابوهات ولا مجاملات. فعندما يطرح الصحفيون أسئلة «مزعجة»، تبدأ ردود الفعل الدفاعية وكأن الغاية إخفاء الشمس بالغربال.
 
الهجرة: قرار وجودي مؤلم
السؤال الجوهري هو: لماذا يقرر أطرنا الشباب — من مهندسين وأطباء وأساتذة ومبرمجين وطيارين ومختصين في الاتصالات، وقريبًا خبراء في الذكاء الاصطناعي — أن يتركوا كل شيء خلفهم: العمل، العائلة، الأصدقاء، الوطن، من أجل مغامرة غامضة في الخارج؟
 
ليس قرارًا سهلاً. غالبًا ما يكون وجوديًا ومؤلمًا، ويشبه القفز في الفراغ. فخلف الوعود الوردية بالتوظيف في الخارج، لا شيء يضمن الاندماج الكامل في بيئة ثقافية واجتماعية وإنسانية جديدة.
 
بل إن العديد منهم لا يحققون أحلامهم بعد الهجرة، ولا حتى يسترجعون المكانة التي كانوا يتمتعون بها في وطنهم.
حتى الأكثر عزيمة من بين هؤلاء المغتربين لا يفرون من هذا الداء الكوني: الغربة والحنين إلى الوطن، إلى شمس المغرب، إلى ثقافته وتقاليده الضاربة في أعماق التاريخ.
 
«ولد من نتينا؟»
هذا السؤال القديم، الذي يعرفه المرشحون للوظائف في بعض المؤسسات، كان يُلمّح إلى أنه يجب أن تكون من «أصل طيب» لتحظى بمنصب مهم، خصوصًا في عالم المال والأعمال، حيث يسود منطق السلطة المطلقة للمال.
يبدو أن تلك الحقبة قد ولّت، وإن بقيت بعض رواسبها إلى اليوم.
 
لكن، هل تم إنجاز دراسة سوسيولوجية جدية حول هذا الظاهرة الواسعة؟ أليس من دور المندوبية السامية للتخطيط، التي تنشر تقارير معمّقة بشكل دوري، أن تتناول بالنقاش هذه «الهجرة الصامتة»؟
 
نعم، من المهم أن نرى النصف المملوء من الكأس. لكن الأهم هو أن نصغي إلى أولئك الذين قضوا 20 سنة في الدراسة والتضحيات، ويطمحون إلى ظروف عمل كريمة: الشفافية، العدالة، الترقية الاجتماعية، التحفيز المادي والمعنوي، وأخيرًا الاعتراف بالاستحقاق. وفوق كل ذلك، مستقبل أفضل لأبنائهم، خصوصًا من حيث الولوج إلى مدارس النخبة، والخدمات الصحية، والاستقرار.
 
في مثل هذه الحالات، تظل مسألة الديمقراطية وحرية التعبير مهمة، لكنها لا تبدو العامل الحاسم في اتخاذ قرار الرحيل.
 
عندما يتقاضى مدير عام راتبًا يساوي 10 أو 20 أو حتى 30 مرة راتب إطار بنفس المؤسسة، مع امتيازات ظاهرة وخفية، أي رسالة نوجهها للشباب الحاصلين على الشهادات العليا؟
 
لم تعد لدى الشباب المغربي صبر الانتظار عقودًا دون أفق. يريدون التقدم في السلم المهني في وقت معقول، وإن لم يتحقق ذلك، يغادرون بكل بساطة.
 
وماذا عن المحسوبية؟ ماذا عن وزير التعليم «التقنوقراطي ظاهريًا» الذي لم يستطع الإجابة عن أسئلة بسيطة حول الذكاء الاصطناعي، طرحتها عليه أطفال خلال جلسة برلمان الطفل؟
 
لحسن الحظ أن العار (الشوهة) لا يقتل، كما يقول المثل الفرنسي…
 
عن موقع Article19.ma