Friday 13 June 2025
سياسة

قناة العيون الجهوية تسلط الضوء على مأساة المغاربة المطرودين من الجزائر

قناة العيون الجهوية تسلط الضوء على مأساة المغاربة المطرودين من الجزائر الرئيس السابق الجزائري هواري بومدين ومشاهد للمغاربة‭ ‬المقيمين‭ ‬بالجزائر‭ ‬عام ‭ ‬1975‭
سلطت‭ ‬قناة‭ ‬العيون‭ ‬الجهوية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬برنامج‭ ‬«مع‭ ‬الناس»‭ ‬الذي‭ ‬يعده‭ ‬الزميل‭ ‬محمود‭ ‬عياش،‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬المأساة‭ ‬الإنسانية‭ ‬لطرد‭ ‬المغاربة‭ ‬المقيمين‭ ‬بالجزائر‭ ‬عام‭ ‬1975،‭ ‬والتي‭ ‬عرفت‭ ‬آنذاك‭ ‬بـ‭ ‬«المسيرة‭ ‬السوداء»‭ ‬ردا‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬الملك‭ ‬الراحل‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬بالدعوة‭ ‬الى‭ ‬تنظيم‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬لاسترجاع‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬من‭ ‬المستعمر‭ ‬الإسباني‭ . ‬الحلقة‭ ‬عرفت‭ ‬مشاركة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬محمد‭ ‬لكبيري،‭ ‬محامي‭ ‬وعضو‭ ‬جمعية‭ ‬المغاربة‭ ‬ضحايا‭ ‬الطرد‭ ‬التعسفي‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬وجمال‭ ‬العثماني،‭ ‬أحد‭ ‬ضحايا‭ ‬الطرد‭ ‬التعسفي‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭.‬
 
 «‬‭ ‬المسيرة‭ ‬السوداء‮» ‬‭.. ‬ردا‭ ‬على‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬
في‭ ‬بداية‭ ‬الحلقة‭ ‬أكد‭ ‬محمد‭ ‬لكبيري،‭ ‬محامي،‭ ‬عضو‭ ‬جمعية‭ ‬المغاربة‭ ‬ضحايا‭ ‬الطرد‭ ‬التعسفي‭ ‬من‭ ‬الجزائر،‭ ‬أنه‭ ‬يستحضر‭ ‬ذكرى‭ ‬الطرد‭ ‬التعسفي‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬بألم‭ ‬وأسف‭ ‬شديد،‭ ‬مشيرا‭ ‬بأن‭ ‬الطرد‭ ‬التعسفي‭ ‬للمغاربة،‭ ‬جاء‭ ‬ردا‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬الملك‭ ‬الراحل‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬تنظيم‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬لاسترجاع‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬لم‭ ‬تستسغ‭ ‬الأمر‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬اعتقادها‭ ‬أن‭ ‬طرد‭ ‬المغاربة‭ ‬سيؤثر‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬تنظيم‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء،‭ ‬لكن‭ ‬كانت‭ ‬حساباتها‭ ‬خاطئة‭.‬
 
محمد لكبيري

وأكد‭ ‬لكبيري‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬آنذاك‭ ‬يعد‭ ‬جريمة‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يسلم‭ ‬منها‭ ‬لا‭ ‬الشيوخ‭ ‬ولا‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تزامنت‭ ‬مع‭ ‬عيد‭ ‬الأضحى‭ ‬المبارك‭ ‬وحلول‭ ‬فصل‭ ‬الشتاء،‭ ‬إذ‭ ‬تم‭ ‬الطرد‭ ‬في‭ ‬دجنبر‭ ‬1975،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬هذه‭ ‬المأساة‭ ‬الإنسانية،‭  ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬إخراج‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬المدارس‭ ‬والمرضى‭ ‬من‭ ‬المستشفيات،‭ ‬والعمال‭ ‬من‭ ‬مقرات‭ ‬عملهم‭ ‬ومن‭ ‬أوراش‭ ‬البناء،‭ ‬وتفريق‭ ‬الأزواج‭ ‬عن‭ ‬زوجاتهم‭ ‬الجزائريات‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تجميعهم‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬خاصة‭ ‬وبعدها‭ ‬تم‭ ‬استقدامهم‭ ‬الى‭ ‬مخافر‭ ‬الشرطة‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬هويتهم،‭ ‬وتم‭ ‬ترحيلهم‭ ‬بعدها‭ ‬ليلا‭ ‬الى‭ ‬الحدود‭ ‬الجزائرية‭ ‬–‭ ‬المغربية‭.‬

ودعا‭ ‬لكبيري‭ ‬الى‭ ‬عرض‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬على‭ ‬أنظار‭ ‬الهيئات‭ ‬الدولية،‭ ‬خاصة‭ ‬محكمة‭ ‬الجنايات‭ ‬الدولية،‭ ‬لكي‭ ‬يطلع‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ ‬على‭ ‬خطورة‭ ‬الجريمة‭ ‬التي‭ ‬أقدم‭ ‬عليها‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬يتشدق‭ ‬باحترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬مضيفا‭ ‬بأن‭ ‬القضية‭ ‬عرضت‭ ‬على‭ ‬مجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬جنيف‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬وأن‭ ‬الضحايا‭ ‬سيواصلون‭ ‬طرحها‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭.‬
 
تاريخ‭ ‬الوجود‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬
وعن‭ ‬السياق‭ ‬التاريخي‭ ‬لدخول‭ ‬المغاربة‭ ‬للجزائر‭ ‬أشار‭ ‬لكبيري‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬(البلد‭ ‬المستعمر)،‭ ‬في‭ ‬العشرينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬الى‭ ‬يد‭ ‬عاملة،‭ ‬وخاصة‭ ‬اليد‭ ‬العاملة‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬الفلاحة‭ ‬وفي‭ ‬البناء‭ ‬والأشغال‭ ‬العمومية،‭ ‬فعمدت‭ ‬إلى‭ ‬استقدام‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬الشرقية‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر‭. ‬وبالتالي‭ ‬فهؤلاء‭ ‬-‭ ‬يضيف‭ ‬لكبيري‭ ‬-‭ ‬استقروا‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬منذ‭ ‬حوالي‭ ‬قرن‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭ ‬وكانت‭ ‬حياتهم‭ ‬عادية،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬المغاربة‭ ‬انخرطوا‭ ‬في‭ ‬المقاومة‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري،‭ ‬مقدما‭ ‬مثال‭ ‬والده‭ ‬الذي‭  ‬كان‭ ‬يستقبل‭ ‬المجاهدين‭ ‬بمنزله،‭ ‬مما‭ ‬جعله‭ ‬يتعرض‭ ‬لإنذارات‭ ‬واعتقالات‭ ‬متعددة‭. ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬سنوات‭ ‬على‭ ‬استقلال‭ ‬الجزائر‭ ‬بدأ‭ ‬المغاربة‭ ‬يشعرون‭ ‬بوجود‭ ‬تفرقة،‭ ‬حيث‭ ‬شرع‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬زرع‭ ‬التفرقة‭ ‬بين‭ ‬الجزائريين‭ ‬والمغاربة‭. ‬وظل‭ ‬الوضع‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الحال‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاء‭ ‬حدث‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬الذي‭ ‬أعلنه‭ ‬الملك‭ ‬الراحل‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬،‭ ‬والذي‭ ‬أثار‭ ‬حفيظة‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري،‭ ‬ققام‭ ‬بطرد‭ ‬المغاربة‭ ‬ 350‭ ‬ألف‭ ‬مواطنة‭ ‬ومواطن‭ ‬وهو‭ ‬العدد‭ ‬الذي‭ ‬يوازي‭ ‬عدد‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء‭.‬
 
تنكر‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬لتضحيات‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استقلال‭ ‬الجزائر‭ ‬
وأشار‭ ‬لكبيري‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬تنكر‭ ‬لتضحيات‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استقلال‭ ‬الجزائر،‭ ‬مقدما‭ ‬مثال‭ ‬النداء‭ ‬الذي‭ ‬أطلقه‭ ‬الملك‭ ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭  ‬سنة‭ ‬1956‭ ‬للمغاربة‭  ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬الكفاح‭ ‬المسلح‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري،‭ ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬ذلك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬بتلبية‭ ‬نداء‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬الخامس،‭ ‬وتم‭ ‬تجنيدهم،‭ ‬حيث‭ ‬انطلقوا‭ ‬الى‭ ‬القطر‭ ‬الجزائري‭ ‬لمكافحة‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري‭ . ‬لقد‭ ‬ظل‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬تاريخه‭ ‬يمد‭ ‬يده‭ ‬للجزائر‭ ‬منذ‭ ‬الملك‭ ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭ ‬مرورا‭ ‬بالملك‭ ‬الراحل‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬ووصولا‭ ‬الى‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬بينما‭ ‬ظلت‭ ‬الجزائر‭ ‬تقابل‭ ‬ذلك‭ ‬بالشرور‭ ‬والمؤامرات‭ ‬وأبرزها‭ ‬السعي‭ ‬الى‭ ‬تقسيم‭ ‬المغرب‭ ‬وطرد‭ ‬المغاربة‭  ‬المقيمين‭ ‬بالجزائر‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬للقيم‭ ‬الدينية‭ ‬والإنسانية‭ ‬وما‭ ‬قدمه‭  ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬تضحيات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استقلال‭ ‬الجزائر‭. ‬

في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭  ‬-‭ ‬يحكي‭ ‬لكبيري‭ ‬-‭ ‬ساد‭ ‬الخوف‭ ‬والرعب‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬المغاربة‭ ‬وكان‭ ‬الكل‭ ‬يترقب‭ ‬دوره‭  ‬في‭ ‬الطرد‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تحل‭ ‬الشاحنات‭ ‬أمام‭ ‬بيوتهم‭ ‬ويطلب‭ ‬من‭ ‬رب‭ ‬الأسرة‭ ‬مغادرة‭ ‬البيت‭ ‬مع‭ ‬ترك‭ ‬جميع‭ ‬حاجياتهم‭ ‬وأموالهم‭ ‬وملابسهم‭ ‬وركوب‭ ‬الشاحنات‭. ‬

تم‭ ‬تجميعهم‭ ‬في‭ ‬نقاط‭ ‬في‭ ‬الدوائر‭ ‬ريثما‭ ‬ينقلون‭ ‬ليلا‭ ‬الى‭ ‬مفوضية‭ ‬الشرطة‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬وهران‭ ‬لإحصائهم‭ ‬وأخذ‭ ‬هويتهم‭ ‬ثم‭  ‬نقلوا‭ ‬بعدها‭ ‬ليلا‭ ‬عبر‭ ‬الحافلات‭ ‬الى‭ ‬الشريط‭ ‬الحدودي‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬رميهم‭ ‬هناك‭.‬

‭‬للأسف‭  ‬-‭ ‬يقول‭ ‬لكبيري‭ ‬–‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬متطورة‭ ‬مثل‭ ‬العصر‭ ‬الحالي،‭ ‬مما‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬توثيق‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬وفضح‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬حل‭ ‬فقط‭ ‬الصليب‭ ‬الأحمر‭ ‬الدولي‭ ‬لتقديم‭ ‬المساعدة‭ ‬للضحايا‭.
التمييز‭ ‬ضد‭ ‬المغاربة‭ ‬
استعان‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬–‭ ‬بحسب‭ ‬لكبيري‭ ‬–‭ ‬بنظام‭ ‬للحالة‭ ‬المدنية‭ ‬ينبني‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬المواطن‭ ‬الجزائري‭ ‬والمواطن‭ ‬المغربي‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يعتمده‭ ‬المستعمر‭ ‬الفرنسي‭ ‬،‭ ‬مما‭ ‬يؤكد‭ ‬نيته‭ ‬المسبقة‭ ‬بطرد‭ ‬المغاربة‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬تركوا‭ ‬دون‭ ‬أسماء‭ ‬عائلية‭ .‬

كانت‭ ‬عملية‭ ‬الطرد‭ ‬جد‭ ‬بشعة‭ ‬-‭ ‬يضيف‭ ‬-‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬تضرر‭ ‬منها‭ ‬حتى‭ ‬بعض‭ ‬المواطنين‭ ‬الجزائريين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬طرد‭ ‬الأزواج‭ ‬المغاربة‭ ‬وترك‭ ‬زوجاتهن‭ ‬الجزائريات‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح‭. ‬وواصل‭ ‬حديثه‭ ‬بالقول: «يدعون‭ ‬أنه‭ ‬استشهد‭ ‬مليون‭ ‬ونصف‭ ‬جزائري‭ ‬في‭ ‬الثورة‭ ‬الجزائرية،‭ ‬بينما‭ ‬نصف‭ ‬الشهداء‭ ‬من‭ ‬المغاربة‭ ‬،‭ ‬ونحن‭ ‬كدفاع‭ ‬لجمعية‭ ‬الضحايا‭ ‬نناشد‭ ‬السلطات‭ ‬الفرنسية‭  ‬مدنا‭  ‬بالأرشيف‭ ‬المتعلق‭ ‬بالشهداء‭ ‬ومعطوبي‭ ‬الحرب‭ ‬والمختفين‭ ‬قسريا‭ ‬الذين‭ ‬ينحدرون‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ..‬»‭.‬

حتى‭ ‬الايرادات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتقاضاها‭ ‬المغاربة‭  ‬من‭ ‬الضمان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تم‭ ‬السطو‭ ‬عليها‭ ‬بعد‭ ‬إتلاف‭ ‬ملفات‭ ‬الضحايا،‭ ‬بما‭ ‬فيهم‭ ‬الإيراد‭ ‬الخاص‭ ‬بوالد‭ ‬لكبيري‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتقاضاه‭ ‬بعد‭ ‬تعرضه‭ ‬لحادث‭ ‬شغل‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬للجزائر‭ .‬
مصادرة‭ ‬أملاك‭ ‬المطرودين.‭ ‬
 
أكد‭ ‬لكبيري‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬ينكر‭ ‬وقوع‭ ‬هذه‭ ‬المأساة‭ ‬اعترف‭ ‬ضمنيا‭ ‬عندما‭ ‬أصدر‭ ‬سنة‭ ‬2010‭‬مرسوما‭ ‬وزاريا‭ ‬يقضي‭ ‬بضم‭ ‬ممتلكات‭ ‬المغاربة‭ ‬الى‭ ‬الدولة‭ ‬الجزائرية،‭ ‬مطالبا‭ ‬جميع‭ ‬الجمعيات‭ ‬الحقوقية‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الوطني‭ ‬أو‭ ‬الدولي‭ ‬بتنسيق‭ ‬جهودها‭ ‬لمطالبة‭ ‬الدولة‭ ‬الجزائرية‭ ‬بالاعتذار‭ ‬الى‭ ‬المغرب‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬والى‭ ‬الضحايا‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة،‭ ‬كما‭ ‬ناشد‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬بعرض‭ ‬القضية‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬الجنايات‭ ‬الدولية‭ ‬وتكليف‭ ‬محامين‭ ‬دوليين‭ ‬لتبني‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬ن‭ ‬والذي‭ ‬قد‭ ‬ينجم‭ ‬عنه‭ ‬تعيين‭ ‬خبراء‭ ‬لتقويم‭ ‬هذا‭ ‬حجم‭ ‬الضرر‭  ‬الذي‭ ‬لحق‭ ‬الضحايا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬مطالبة‭  ‬الدولة‭ ‬الجزائرية‭  ‬بجبر‭ ‬الضرر‭.‬
 
جمال العثماني

من‭ ‬جهته‭ ‬أشار‭ ‬جمال‭ ‬العثماني،‭ ‬أحد‭ ‬ضحايا‭ ‬الطرد‭ ‬التعسفي‭ ‬أن‭ ‬طرد‭ ‬المغاربة‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬ظروف‭  ‬لا‭ ‬أخلاقية‭ ‬ولا‭ ‬إنسانية،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬منحهم‭ ‬ولو‭ ‬مهلة‭ ‬لجمع‭ ‬أمتعتهم‭ ‬وحقائبهم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬عناصر‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬انتهكوا‭ ‬حرمات‭ ‬المنازل‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬يحترموا‭ ‬لا‭ ‬النساء‭ ‬الحوامل‭ ‬ولا‭ ‬المرضعات‭ ‬ولا‭ ‬الأطفال،‭ ‬وللشيوخ‭ ‬ولا‭ ‬المرضى،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬كون‭ ‬عملية‭ ‬الطرد‭ ‬تزامنت‭ ‬مع‭ ‬أيام‭ ‬عيد‭ ‬الأضحى‭.‬

كان‭ ‬هاجس‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬–‭ ‬يقول‭ ‬العثماني‭ ‬–‭ ‬هو‭ ‬السعي‭ ‬الى‭ ‬إغراق‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬اجتماعية،‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬الجهة‭ ‬الشرقية،‭  ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬طرد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬45‭ ‬ألف‭ ‬عائلة‭ ‬مغربية‭ ‬في‭ ‬مدة‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬30‭ ‬يوما،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬العائلات‭ ‬كانت‭ ‬تقيم‭ ‬بطريقة‭ ‬شرعية‭. ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬–‭ ‬يضيف‭ ‬-‭ ‬فقد‭ ‬تمكن‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬معالجة‭ ‬الأزمة‭ ‬والخروج‭ ‬منها‭ ‬بسلاسة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬المغربية‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬احتواء‭ ‬الأزمة‭ ‬وإدماج‭ ‬المطرودين‭ ‬بتوظيف‭ ‬معظمهم‭ ‬ومنحهم‭ ‬منازل‭ ‬تأويهم‭ ‬في‭ ‬بوعرفة‭ ‬والدريوش‭ ‬وغيرها‭. ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬الذاكرة‭ ‬تظل‭ ‬حية‭ ‬ضد‭ ‬النسيان،‭ ‬وهذه‭ ‬جريمة‭ ‬ضد‭ ‬الانسانية‭ ‬وتتنافى‭ ‬مع‭ ‬القيم‭ ‬الدينية‭ ‬والإنسانية‭ ‬،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬المغاربة‭ ‬قدموا‭ ‬الكثير‭  ‬للثورة‭ ‬الجزائرية،‭ ‬فمنهم‭ ‬شهداء،‭ ‬ومنهم‭ ‬أئمة‭ ‬كانوا‭ ‬يحفظون‭ ‬الأطفال‭ ‬القرآن‭.. ‬داعيا‭ ‬الى‭ ‬طرح‭ ‬القضية‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬الجنايات‭ ‬الدولية‭ ‬،‭ ‬باعتبارها‭ ‬قضية‭ ‬جنائية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قضية‭ ‬سياسية‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬يطالها‭ ‬التقادم‭.‬
 
انتهاك‭ ‬القيم‭ ‬والأعراف‭ ‬الدينية‭ ‬والإنسانية‭ ‬
كما‭ ‬تطرق‭ ‬جمال‭ ‬العثماني،‭ ‬الى‭ ‬المعاناة‭ ‬التي‭ ‬عاشتها‭ ‬والدته‭ ‬«حنا‭ ‬يامنة»‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬عمرها‭ ‬82‭ ‬سنة‭ ‬آنذاك‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬لايزال‭ ‬طفلا،‭ ‬حيث‭ ‬تعرضت‭ ‬للتنكيل‭ ‬وأخرجت‭ ‬من‭ ‬منزلها‭ ‬رفقة‭ ‬أبنائها‭ ‬بلا‭ ‬رحمة‭ ‬ولا‭ ‬شفقة،‭ ‬مما‭ ‬تسبب‭ ‬في‭  ‬انهيارها‭ ‬نفسيا‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬عمرها،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تعد‭  ‬تفرق‭ ‬بين‭ ‬منزلها‭ ‬في‭ ‬وجدة‭ ‬ومنزلها‭ ‬في‭ ‬حمام‭ ‬بوحجر‭ ‬بالجزائر‭.‬

وأشار‭ ‬العثماني‭ ‬أن‭ ‬والدته‭ ‬كانت‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬جيدة‭ ‬بفضل‭ ‬ممتلكات‭ ‬والده‭ ‬الحاج‭ ‬قويدر‭ ‬بالجزائر،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬شخصية‭ ‬معروفة‭ ‬بمدينة‭ ‬حمام‭ ‬بوحجر،‭ ‬كما‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬ذاق‭ ‬مرارة‭ ‬السجون‭ ‬الجزائرية‭. ‬ودعا‭ ‬العثماني‭ ‬الى‭ ‬عدم‭  ‬حصر‭  ‬الضرر‭ ‬الذي‭ ‬لحق‭ ‬المطرودين‭ ‬في‭ ‬الضرر‭ ‬المادي‭ ‬،‭ ‬إذ‭ ‬نجمت‭ ‬عنه‭ ‬أيضا‭ ‬تداعيات‭ ‬نفسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬خطيرة،‭ ‬وتسبب‭ ‬في‭ ‬تمزيق‭ ‬الأسر‭ ‬والعائلات،‭ ‬مضيفا‭ ‬بأنه‭ ‬قرر‭ ‬اللجوء‭ ‬الى‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬المأساة‭ ‬للتخفيف‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬هذه‭ ‬المعاناة،‭ ‬فكان‭ ‬كتابه‭  ‬بعنوان‭ ‬«تخاريف‭ ‬حنا‭ ‬مينة»‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬صورة‭ ‬والدته‭ ‬في‭ ‬واجهته‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬مغدورة‭ ‬عاشها‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬وهو‭ ‬طفل‭ ‬صغير‭..‬»‭ ‬فما‭ ‬معنى‭  ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬والدي‭ ‬لمدة‭  ‬30‭ ‬أو‭ ‬40‭ ‬سنة‭ ‬لمراكمة‭ ‬ثروته‭ ‬ويجرد‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬المطاف،‭ ‬ويطرد‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬حاملا‭ ‬معه‭ ‬حقيبة‭ ‬فقط،‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬لا‭ ‬أخلاقية‭ ‬ولا‭ ‬إنسانية‭..‬»‭  ‬

كما‭ ‬أدلى‭ ‬بصور‭ ‬لمغاربة‭ ‬مطرودين،‭ ‬منهم‭ ‬أئمة‭ ‬وشهداء‭ ‬وأرامل‭ ‬الشهداء‭ ‬ومعطوبي‭ ‬الحرب‭ ‬،‭ ‬مشيرا‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬أزقة‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬تحمل‭ ‬أسماء‭ ‬شهداء‭ ‬مغاربة‭ ‬،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يشفع‭ ‬لهم‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬حيث‭ ‬طردوا‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭. ‬«الجزائر‭ ‬تحمل‭ ‬حقدا‭ ‬دفينا‭ ‬ضد‭ ‬المغرب،‭ ‬فكلما‭ ‬حقق‭ ‬المغرب‭ ‬انجازا‭ ‬معينا،‭ ‬كلما‭ ‬تضاعف‭ ‬عدائها‭ ‬ضده‭.. ‬وكيفما‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬،‭ ‬فتبقى‭ ‬أكبر‭ ‬جريمة‭ ‬ارتكبوها‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬المغرب‭ ‬هي‭ ‬قضية‭ ‬المغاربة‭ ‬المطرودين‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ..‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقاس‭ ‬بالأموال‭ ‬فقط‭ ‬حجم‭ ‬الضرر‭ ‬الذي‭ ‬لحق‭ ‬الضحايا‭.. ‬لدينا‭ ‬حالة‭ ‬لمغربي‭ ‬ظل‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬عائلته‭ ‬لمدة‭ ‬47‭ ‬سنة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬والده‭ ‬في‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬كما‭ ‬عثر‭ ‬على‭ ‬والدته‭ ‬بالجزائر‭ ‬وفي‭ ‬متزوجة‭ ‬من‭ ‬رجل‭ ‬آخر‭ ‬ورزقت‭ ‬معه‭ ‬بأبناء‭ ‬آخرين،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬طردوا‭ ‬والده‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يخبروا‭ ‬عائلته‭..‬‭.‬
 
الزميل‭ ‬محمود‭ ‬عياش