الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الله سدراتي:  فن احيدوس والحاجة إلى حمايته كمنظومة فكرية وجمالية واضحة 

عبد الله سدراتي:  فن احيدوس والحاجة إلى حمايته كمنظومة فكرية وجمالية واضحة  عبد الله سدراتي
خلف كثير من الأقنعة السياسية بدأ يتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود، حيث لاحظنا أن الجميع تقريبا بدأ يتلذذ بالوجبات السريعة كتابة، وفنا، وحتى سياسة، وكما يقال جبر الخواطر أعطى للبعض صكا بأن يملك مقومات تجعله يبحر في محيطات الكتابة والفن، والإعلام، جميل أن تضرب الدف وتقرع الطبل وتصطك القرقبات ، بعيدا عن الخوض في مهنة المتاعب وتبعاتها المتعددة والمتشعبة.
 
فإذا كانت ممارسة الفن مدخلا لممارسة الهروب، فيمكن في حالة " شباب تزويت كسلوك شاذ وممارسة غير مقبولة " أن نفكر في هروب مختلف؛ هروب مما اعتقده الناس واقعا جماليا وعملا إبداعيا إلى واقع أوروبي هو أقصى ما صار يطمح إليه الفنان، فك الإرتباط مع الجماعة المرجعية والتحلل ممايمكن أن يؤمن به الفنان من مبادئ الدفاع عن الرسالة والإنتصار للقيم والوفاء بالعهد، إذا كان كل ذلك متاحا فعن أي فنان ناشئ نتحدث ؟ لا يجب أن ينسينا الواقع البئيس وقتامة الوضع الذي يعيشه المغربي في دياره، التفكير في علاقة الفن بالمبادئ والأخلاق والجمال، إذا استطعنا تنحية إندفاعيتنا قليلا وإلجام عاطفتنا التي يئست من واقعنا الذي لا يرتفع، وحاولنا التفكير خارج السلم الرأسمالي، فلا نستطيع أن نهلل لأن شبابنا نشأوا على مداعبة أدوات " أحيدوس "، إستطاعوا رميها في شوارع باريس، واستطاعوا التخلص من لباسهم " المقنع "، ولسان حالهم يقول: إن "أحيدوس " لا يصنع منك إنسانا ، فالشيء الوحيد الذي يمنحه لك، هو تأشيرة الدخول إلى الفردوس الأوروبي، فهل إنتهى زمن الفن بهروب الفنان؟ أم أن كل شيء أصبح مباحا مادام العصر ينطق لغة الأورو بقوة ؟ لقد صدق من قال:
لاتحسبوا رقصي بينكم طربا  إن الطير يرقص مذبوحا من الألم 
دعك في النقر، والقرع، واصطكاك القرقبات ، ونظرا لقلة الدراسات والكتابات حول فن أحيدوس الذي في حد ذاته إعلام وإيصال رسالة نبيلة فإنه من الصعب معرفة تاريخ هذا الفن ونشأته وتطوره عبر الزمن، إلا أنه أصبح من المؤكد أنه كان دائما مقترنا بحياة سكان منطقتي " دادس - مكون " اللتان حافظتا عليه من الإندثار والإنقراض ولم يكن هذا ليتحقق إلا لكونه جزء لا يتجزء من حياة هؤلاء الناس وإنغماسه في نمط عيشهم وثراتهم لا بل في شخصيتهم ومعتقاداتهم حتى أن الأجيال توارثته أبا عن جد بوفاء وصدق، بل ساهم كل جيل في إغنائه وإثرائه وتطوره حسب ما يملك من خبرة وتجربة في الحياة، ففي وقت غير بعيد لم يعرف هذا الفن سوى في تأثيث المواسم والحفلات والتدشين والإحتفاء فقط ، وهذا خطأ فادح ووسمة عار لأنه من الواجب الذي يجب أن يسعى إليه كل واحد منا قدر المستطاع هو أن يدرس هذا الفن كمنظومة فكرية وجمالية واضحة، منظومة ثقافية تقرأ الإنسان في شموليته، وفي آفاقه وأبعاده ومستوياته الفكرية المتعددة والمتشعبة من خلال الإنتاج  والإبداع وفن العيش.
٠
وقد ظهرت منذ مدة مجموعات فنية أبرزته كشكل يعبر عن تميز هذه المنطقة الجميلة، وحاولت تطويره بإدخال تجديدات على مستوى الأدوات والإيقاعات لسد الفراغ الفني في هذا المجال وقلة  الدعم، و
بالتالي المساهمة  في إستمرار هذا الفن الشعبي والراقي  والحفاظ عليه من الإندثار .

لقد آن الأوان لذوي الميدان والإختصاص من أبناء هذه المنطقة حماية هذا التراث الجمالي في ظل الروافد المتعددة والمنفتحة على العالم المعاصر ، وبذل كل الجهد لكتابة هذا الفن والعناية بكلماته في ظل الرقمنة التي تطغى على العالم في
هذا الوقت العصيب الذي انجذب فيه الإنسان نحو البحث عن الذات المفقودة في ظل زخم الحياة وإكراهاتها ، حفاظا على الذاكرة الأمازيغية كموروث ثقافي وكقيم إنسانية عريقة بما تحمله الكلمة من حمولة.
 
عبد الله سدراتي/ قلعة مكونة