الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

الجوهري: الذكرى 7 لوفاة محمد البسطاوي..ماء الحياة الذي تبخر لابد أن يعود.

الجوهري: الذكرى 7 لوفاة محمد البسطاوي..ماء الحياة الذي تبخر لابد أن يعود. عبد الإله الجوهري
"الماء لا يترك البحر يا عماه، يتبخر ثم يعود في الشتاء، يعود أنهارا وجداول، ولكنه يعود".
عبارة لطالما رددتها "يعاد" ابنة أخ "سعيد" بطل "المتشائل"، الرواية الأكثر جاذبية وسخرية لإميل حبيبي، وهي عبارة دالة، مبنى ومعنى، ومؤكدة على أن عناصر الحياة الحقة لا تتبخر وإنما تعود بأشكال وصيغ مختلفة.
مات محمد البسطاوي، وماء الحياة الذي تبخر لا بد ان يعود،
لابد ان يعود بشكل من الأشكال، يعود بأدواره العديدة المتعددة، بمواقفه الفنية المبدعة، بأسامة وهاشم وفاطمة الزهراء البهية، بالحب الذي منح للفن والوطن صبحا وعشيا.
مات محمد البسطاوي، وماء الحياة الذي تبخر لا بد أن يعود.
شاهدت افلامه بفاس وفضاءات مغربية مختلفة، وانا شاب سينيفيلي مرح يسعى وقتها اكتشاف مفاهيم الحياة. هذا قبل ان اتعرف عليه بورزازات، و اعاشره واكتشف معه عمق الحب والوفاء، واتشرب منه دلالات عشق المسرح والشعر والسينما، واحترام الفنانين و العلماء العظماء.
مات محمد البسطاوي، وماء الحياة الذي تبخر لابد ان يعود، هو الفنان النقي الوفي المنتصر لمعاني الجمال، جمال الخشبات المسرحية والشاشات التلفزية والسينمائية، من خلال عشرات الأدوار، في مسرحيات وأفلام مغربية وأجنبية: "حكايات بلا حدود"، و"اللجنة"، و"بوغابة"، و"النشبة"، و"الباب المسدود"، و"كنوز الأطلس"، و"باي باي سويرتي"، و"جوهرة بنت الحبس"، و"عطش"، و"طيف نزار"، و"الصوت الخفي"، و"أكادير إكسبرس" و"جوق العميين"، أدوار منحها من روحه ودمه نسغ القوة والديمومة ومعنى البقاء.
تفوق البسطاوي في كل هذه الأعمال على محمد، ومحمد انتصر على البسطاوي، ورغم ذلك ظل محمد هو البسطاوي والبسطاوي هو محمد، ابن الشعب، الحلم الصادق الناضر في القلوب والعقول المغربية الأصيلة.
لم يختر محمد البسطاوي، أن يسكن حيا راقيا، في دارة جميلة بحديقة غناء. بل اختار أن يعيش في قلب الناس البسطاء، هناك حيث الأمل والحب الصادق المعطاء. عاش بسيطا رغم الشهرة الطاغية، والنجومية المطلقة.
مات محمد البسطاوي، وماء الحياة الذي تبخر لابد أن يعود.
لن أنسى وفاءه لفنه ومسؤولياته الإبداعية. لن أنسى وقوفه أمام كاميرتي في فيلم " ماء و دم " بكل تواضع وأريحية، لينفخ في الشريط من خلال دوره روحا ومصداقية.
مات محمد البسطاوي وماء الحياة الذي تبخر لابد ان يعود
من قبره هناك، ستظل روحه تطاردنا، تنفخ عشق الخلق والخلود في نفوسنا، وتدعونا للحب والحوار والاحتكام الخلاق للمخيلة الضاجة بالأسئلة التي تقودنا رأسا نحو المعرفة، والمعرفة التي تقودنا بكل ثبات نحو الأسئلة.
شكرا يا محمد، يا سيد الخلود، ويا البسطاوي، يا نبض العشق، يا سيد القبض على زناد الخلق. حتما سنضطر للتسليم بأشلاء جسدك، لكن روحك وعطاؤك، بل حضورك وطيفك لن يبرحوا ابدا أماكننا؛ أماكنك التي كنت تهواها حد الجنون: خشبات المسرح، وشاشات التلفزيون، والسينما.
فأرقد بسلام لأننا نحبك، وسنحبك، الى ما لا نهاية.....
 
عبد الإله الجوهري، ناقد ومخرج سينمائي