الخميس 28 مارس 2024
مجتمع

السوق الأسبوعي المغربي صورة لفسيفسائية مجتمع مركب سمته التنوع الاجتماعي

السوق الأسبوعي المغربي صورة لفسيفسائية مجتمع مركب سمته التنوع الاجتماعي الأستاذ عمر الإيبوركي
يعتبر السوق المغربي كمجال ثقافي تتفاعل فيه مجموعة من الأفراد، والأفكار والتصورات، والتمثلات، فهو مجال رمزي أكثر منه مادي رغم التبادلات التجارية والبضائعية. وكما تتركز النشاطات في العالم القروي بالسوق، فإن المدن المغربية أيضا تعرف هذه الأسواق الأسبوعية التي تأخذ أسمائها من اليوم الذي تقام فيه، لوجود نسبة كبيرة من سكان المدن لها جذور قروية تحن إلى السوق، رغم وجود المجمعات التجارية الدائمة.
فالمقاربة الأنثربولوجية للسوق تنطلق من مسلمة التنوع الاجتماعي بوصفها السّمة المميزة للتنظيم الاجتماعي العام للمجتمع المغربي. فكأن السوق يختزل لنا مجموعة من المكونات الثقافية والإجتماعية والإقتصادية والمجالية، هذا التنوع يتجلى في تعدد النشاطات، وفي تقسيم الشغل على مستوى الإثنيات، والنوع. فالحِرف الممارسة داخل السوق الأسبوعي ترتبط أساسا بمجالات قبلية محددة، كالحدادة والجزارة، وبيع الخضر، والحبوب، و الأثواب ...إلى غيرها من النشاطات المتنوعة التي قد تجمع عناصر يطبعها التمايز، بالإضافة الى المنتوجات اليدوية المحلية التي تشكل تراثا لاماديا يتم تسويقه بمناسبة هذا النشاط  الأسبوعي.                                                                 
 كان السوق المغربي مجمعا لكل العلاقات التقليدية، فهو مكان تواجد السلطة، فهو مقر القائد، أو أحد أعوانه من الخلفاء والشيوخ الذين يَفْصِلُونَ بين الناس فيما يقع بينهم من خلافات ونزاعات فردية أو جماعية على مستوى القبيلة. كما يتواجد فيه شيوخ القبيلة وممثل الجماعة أيضا لتطبيق الأحكام العرفية، و شرعنة بعض العلاقات الإجتماعية من زواج، وطقوس عرفية قديمة كالأخوة بين العشائر(الطاطا)، والفصل في الميراث مثلا.  هذا هو السوق المغربي التقليدي، فهو مجال اجتماعي وقانوني، واقتصادي، بحيث كان جامعا لكل هذه النشاطات والرموز الاجتماعية، قبل اكتساح التمدين وقيام المؤسسات العصرية التي تتخصص في هذه الوظائف مثل الإدارات التي ما تزال مرافقها تبنى إلى جوار السوق في الوسط القروي. 
ويعتبر السوق في نظر المتسوّق هو حشد من الناس يتكلم لغة المنافسة، والتقاط الأخبار وجمعها عبر المناطق، وأداة لنشرها (وظيفة البراح في السوق) فهو قناة أساسية للتواصل، وتبادل الخدمات كالعقود الزراعية، والتوافقات القبلية المرتبطة بطبيعة النشاط القروي.    
وقد اهتمت الدراسات الأنثربولوجية بالسوق المغربي وجاءت مقاربة عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي "كليفورد غيرتز" لسوق مدينة صفرو كنموذج من الأسواق المغربية لينطلق من مسلمة التنوع الاجتماعي كسمة مميزة للمجتمع المغربي واعتباره - أي السوق- يختزل هذه الصورة بوصفه تعبيرا ثقافيا له طابع خاص به. وقد قام بدراسته على أساس ميداني آخذا بعين الاعتبار تاريخ السوق ومحيطه البيئي، وتنظيمه الاجتماعي والاقتصادي، ونسقه الثقافي، وطبيعة التواصل والتفاعل بين الأفراد...                     
هذه المكونات كلها تجتمع في السّوق كبنية ثقافية تكشف لنا مجموعة من الممارسات والطقوس التي ترمز إلى طبيعة المجتمع القبلي المحلي المادية منها واللامادية. فهو مجال تراتبي بامتياز يعكس نوعية الفئات الاجتماعية حسب الأنشطة، والمعتقدات، وآليات الترفيه والفرجة وتلك هي الصورة الفسيفسائية لمجتمع مركب سمته التنوع الاجتماعي.
 
الكاتب والباحث السوسيولوجي/ الأستاذ عمر الإيبوركي