الأربعاء 24 إبريل 2024
فن وثقافة

الكاتب والمبدع المسرحي محمد بهجاجي يسترجع ذاكرته في "زمن الحكي" (1)

الكاتب والمبدع المسرحي محمد بهجاجي يسترجع ذاكرته في "زمن الحكي" (1) محمد بهجاجي، و الإعلامي الزميل الصافي الناصري
بثت الإذاعة الوطنية لقاء مطولا أجراه الإعلامي الزميل الصافي الناصري مع الكاتب المسرحي والصحفي محمد بهجاجي، ضمن برنامجه "زَمَنُ اَلْحَكْيِ" عبر ثلاثة حلقات تناول من خلالها تجارب المسرح المغربي ولحظات من الحياة الثقافية الوطنية كما عاشها ضيف برنامجه، ابتداء من سبعينيات القرن الماضي وانتهاء بأثره في جمعية الرواد وعبر مسرح اليوم فضلا عن إصداراته وعمله الصحفي ومسؤوليته باتحاد كتاب المغرب ثم من خلال عمله كمستشار في ديوان وزيرة الثقافة الفنانة ثريا جبران .
في بداية حديثه أشار المبدع محمد بهجاجي إلى أنه "فتح عينيه سنة 1957، في درب السلطان بالدار البيضاء المتضمن داخله لأحياء (درب بوشنتوف ودرب الكبير ودرب الفقراء ودرب السبليون...)"، في هذا المحيط سيجد بهجاجي نفسه "محظوظا بأن يعيش في منطقة تشكل ذاكرة حقيقية لمدينة الدار البيضاء وللمغرب المعاصر".
يسترجع محمد بهجاجي ذاكرته منتشيا بالقول: "كانت هناك خطوط متوازية ومتقاطعة بين ما يفيد ذاكرة المقاومة. كنا على أمتار قليلة من شارع الفداء، وسينما الكواكب التي احتضنت لقاءات نقابية وحزبية أساسية أثناء تشكيل الحياة الوطنية ما بعد الاستقلال..". ويضيف في حديثه لزمن الحكي قائلا: "وأنا أوصف جغرافيا المكان كنت أيضا على بعد أمتار محدودة من دار الشباب بوشنتوف، بمعنى أن المنطقة تمثل لي بروافدها شاشات حقيقية".
يتسع حظ الطفل واليافع محمد بهجاجي ليشمل الزنقة 26 و 28 "زنقة الفنان المطرب محمد الحياني الذي كام يطل علينا في الزمن الطفولي وكنا نعتز بوجوده مع بداية تألقه سنة 1964، حيث بدأ نجمه يصعد بأغنية (مَنْ ضَيْ بْهَاكْ) ومن تمة الانتشار الواسع مع الأغاني الأخرى المعروفة مثل (رَاحِلَةْ)". ثم ينتقل للحديث عن زنقة الممثلة القديرة ثريا جبران ليكتفي بهذين الإسمين مؤكدا على أن "درب السلطان كان عبارة عن شاشة، وكان أيضا مكتبة بفضل دار الشباب بوشنتوف التي كانت تحمل اسم النادي الثقافي حيث كنت أطلع على الكتب الأساسية التي ساهمت في تشكيل وعي الأول". حسب قوله
وعن الخطوة الأولى نحو دار الشباب بوشنتوف أوضح ضيف "زمن الحكي" بأنه دخل لـ "دار الشباب وأنا طفل سنة 1972/1972، والتحقت في سنة 1973 بجمعية الرواد تحت إدارة الشاعر والمسرحي الدكتور محمد فرح". وأكد قائلا: "إذا كان لي من شيء أفخر به هو أن الحظ الآخر أنني التحقت بدار الشباب بوشنتوف في سياق ثقافي واجتماعي أساسي بداية السبعينيات، حيث كانت مرحلة تنامى فيها الوعي الوطني وتجسد الجانب التربوي. وكانت آنذاك فورة تأسيس الجمعيات الثقافية التي تزخر بالأنشطة"، وداخل هذا المناخ صقل محمد بهجاجي موهبته الثقافية والتربوية الذي اتسم بـ "مبدأ التطوع والعمل الجماعي (فرق مسرح الهواة) من خلال مجلس دار الشباب الذي يتكون من ممثلي الجمعيات الثقافية (هيئة تنفيذية)"، وشدد على أن دار الشباب "كانت تعتبر مثل باقي الروافد الثقافية والتربوية وكانت تساهم في تنمية الحس الوطني وفي تعزيز الوعي الثقافي".
في هذه الأجواء سمح الحظ لمحمد بهجاجي أن يحضر لأول ندوة ثقافية شعرية نظمها فرع اتحاد كتاب المغرب حيث أشار بأنه "لن أنسى صور رواد العمل الثقافي الوطني مثل الشاعر محمد عنيبة الحمري، والقاص والروائي أحمد البكري السباعي وغيرهم من الأسماء التي ستظل راسخة في الذهن وبالتالي تفتح أمامك الأفق".
وبنفس دار الشباب يتذكر بألق أنه "سجل لأول مرة في الخزانة، حيث تمكن من أن يفتح نافذة ويطل منها على خشبة مسرح المؤسسة، وهناك وجدت الشباب يتدربون وهكذا وأنا طفل اكتشفت المسرح أول مرة"، وفي حديثه عن الرواد بدار الشباب قال: "كنت وأنا طفل ويافع ألتقي وأجد أسماء تدخل وتخرج من باب المؤسسة، مثل الفنان عبد العظيم الشناوي بهالته آنذاك، والعصامي المتعدد المواهب حوري الحسين، والمسرحي محمد التسولي...".
وبامتعاض يستطرد قائلا: "دار الشباب اليوم فقدت بريقها وقوة أدائها التربوي والثقافي حين تداخلت أشياء أخرى في المشهد الثقافي، لن ننسى أن فترة السبعينيات هي غير الآن حيث كنا نؤمن بالتطوع وبالعمل الجماعي من أجل البناء ومن أجل الفكرة المشتركة ثقافيا وفنيا وإبداعيا...".
ويفسر ضيف "زمن الحكي" هذا التراجع كون أنه "منذ الثمانينات والتسعينات حصل معطى ثقافي جديد يتمثل في الفردانية، وبدل مفهوم التطوع في المسرح أو غيره أصبح الحديث عن المقابل، وعوض المشترك أضحت الفردانية، هذه العوامل أفقدت دار الشباب دورها خاصة أن السياسة الثقافية العمومية فقدت الإعتبار. ووقع الخلل في التخطيط الثقافي بدون رؤيا شاملة". وفي سياق متصل استغرب محمد بهجاجي كون أن "دور الشباب تحت إشراف قطاع الشباب والرياضة (عالم منفصل) ودور الثقافة تحت إشراف قطاع الثقافة، والمراكز والمركبات الثقافية تحت إشراف الجماعات المحلية وقطاع وزارة الداخلية"، وأكد على أنه يجب أن "نعطي قيمة للثقافة وأن لا تبقى تابعة لقطاع الثقافة، لأنها استثمار في الرأسمال البشري والمادي لا بد أن تكون خاضعة لوجهة حكومية".
وعن الأسماء من رواد المسرح المغربي ذكر الضيف "المسرحي محمد التسولي الذي تلقى تدريبه بمراكز مصالح الشبيبة والرياضة منذ الخمسينيات، والفنان عبد العظيم الشناوي، والدكتور محمد فرح، والممثل حميد نجاح، وثريا جبران، وسالم لكويندي، ومحمد الأزهر والمسكيني الصغير وإبراهيم وردة، ومحمد مسكين، ومحمد بلعيسي، ومحمد الكغاط، وعبد القادر عبابو، وعبد العزيز الزيادي، و محمد شهرمان...وأسماء كثيرة يعتبرها خارطة المسرح المغربي".
وعن شخصية المبدع العصامي المتعدد المواهب حري الحسين قال: "يحضرني كل شيء، وكل التفاصيل حينما قدمنا مسرحية "الحرباء" بالمهرجان الوطني لمسرح الهواة في مدينة وجدة سنة 1977، ومن الحكايات الجميلة التي سردها في "زمن الحكي" قال بهجاجي:
"في سنة 1974 حيث كان حري الحسين لازال في فرقة (العروبة) مع محمد العلوي، شارك في قراءات شعرية بدار الشباب (كان يكتب الشعر ويرسم ويقدم لوحات تشكيلية بالإضافة لعمله الأساسي كمؤلف مسرحي)، وكان سني لا يتجاوز بالكاد 14 سنة، قرأ قصيدته الشعرية" وخلال المناقشة قلت له: "هذا شعر غامض، والمجتمع في حاجة إلى (كذا)، لم نفهم أي شيء.."، أخذ حري السحين يضحك، لكن عضو من الفرقة أخجله قولي على اعتبار أن حري الحسين كان نجما آنذاك فقال لي: "لماذا تسيء للرجل وهو مسرحي كبير؟ فأحسست بالغبن، ولما خرجنا جاء عندي الحسين وطلب مني أن أحتسي معه قهوة مباشرة في شارع الفداء بساحة السراغنة خاطبني قائلا: "من اليوم أنت صديق لي". ومنذ ذلك الحين اختارني أن أكون معه في مسرحية "الحرباء" ومن يومها وأنا معه". الأساسي في تجربة حري الحسين (العصامي) ـ يقول بهجاجي ـ أن الرجل كان "متعدد المواهب، وتشهد عليه أعماله المسرحية".
فيما يخص تجربة المسرح الفردي أوضح ضيف "زمن الحكي" أن حري الحسين قدم "الحرباء" منخرطا في تجربة المسرح الفردي، حيث كانت البداية مشتركة، وكانت مسرحية "الزيارة" لعبد الكبير الشداتي، ومسرحية "الزغننة" لمحمد تيمور التي قدمها في مهرجان مسرح الهواة سنة 1976 في أكادير، ومسرحية "الوجه في المرآة" لعبد الحق الزروالي، ومسرحية "الحرباء". وهذه هي الخريطة الأولى للمسرح الفردي. وبعد ذلك عاد الحسين حري وزملائه للمسرح بشكله الجماعي وبقي الزروالي يسير على هذا الخط الفني والجمالي، طبعا لا يكتفي، يخرج من حين لآخر بأعمال يشارك فيها ممثلون كثر.
عن مأساة انتحاره سنة 1986 امتزج فيها القلق بالضغط الاجتماعي "قبل انتحاره رحل ليستقر عند أصدقائه بالمحمدية، كان متفرغا يعيش بمنحة وزارة الشبيبة والرياضة وبعروضه الناجحة ( لم يكن له دخل قار)، وبالإضافة للقلق في فترات 1984و 1985و 1986 التي كانت تعرف انحباسا على المستوى المسرحي، ولم يكن هناك اختيار أو بديل، وليست هناك قرارات (غياب مسطرة الدعم أو تدخل عمومي في مجال المسرح) فحصل ما حصل، توفي وهو ماجل في رعيان شبابه (40 سنة) وفي أوج عطائه، كان رحمه الله ملتزما بعمل مسرحي كل موسم، فنان أصيل وعصامي، كان قريبا من اليسار بحيث شارك في المؤتمر الإقليمي لحزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية سنة 1986 بالدار البيضاء وكان يداوم الحضور على الأنشطة والفعاليات الحزبية".