استيقظ العالم صبيحة يوم الجمعة 13 يونيو 2025 على خبر هجوم الجيش الإسرائيلي على إيران ، هجوم اعتبر من قبل المحللين استباقي ودقيق ومتكامل لضرب برنامج إيران النووي ، استند إلى معلومات استخبارية نوعية من نتائجه اغتيال قادة الحرس الثوري ، اللواء محمد باقري (رئيس أركان القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية)، واللواء غلام علي رشيد (قائد المقر المركزي للرسول الأعظم)، واللواء حسين سلامي (قائد الحرس الثوري الإسلامي)، وثلة من العلماء والمواطنين هذا الهجوم شاركت فيه طائرات مقاتلة أمريكية الصنع من طراز إف-35 وإف-15 وإف-16 يصل عددها إلى 200 طائرة مقاتلة ؛ استهدفت مواقع نووية و عسكرية وعشرات المواقع في أنحاء إيران ، من أجل الحد من البرنامج النووي وقدرات إيران العسكرية و الصاروخية البعيدة المدى..
من نتائج هذا التدخل :
أضرار واضحة على المفاعل النووي الإيراني «نطنز» أحد أبرز المفاعلات النووية والتي يقال أنها من أهم مواقع التخصيب اليورانيوم ، عبر الصور المتداولة من خلال الشاشات التي تنقل الحدث، يظهر حجم الضرر الواضح على كثير من المباني ...إن استهداف إسرائيل خلال الضربات الجوية المكثفة مواقع لتخصيب اليورانيوم، والذي اعترفت إيران بتعرضه لأضرار يمكن أن يكون لتأثير الضربات على مخزونه ،ما جعل الوكالة الدولية للطاقة الذرية تشكك في احتمالية تسرب اشعاعي يؤثر على الحياة والسكان في إيران والدول المجاورة لها .
الرسالة الواضحة أن الأضرار لم تكن استراتيجية فقط وإنما مكنت اسرائيل من اغتيال كبار قادة عسكريين ونخبة من العلماء النوويين، وهذه الضربة محاولة لتفكيك النخبة الحاكمة عسكريًا وتقنيًا والقضاء على النبوغ العلمي الذي تدعيه طهران.
إيران على الخط ؟
كانت الضربات الإسرائيلية على المواقع العسكرية والنووية الإيرانية متعددة وحساسة وغير مسبوقة، ويعتبر هذا الفعل الحربي أكبر هجوم على إيران منذ الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينات القرن الماضي. وكما كان متوقعاً ردّت طهران بسرعة، رغم استمرار الهجمات الإسرائيلية على أراضيها، رد فعل من أجل العزة وإعادة الإعتبار للذات المنكسرة ، هذا الحادث يُعيد الصراع المتفاقم لتشكيل الديناميات الإقليمية، وتجد إيران نفسها الآن أمام طريق صعب بما في ذلك إعلانها تعليق مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، معلنةً عدم مشاركتها في الجولة السادسة من المحادثات المقررة يوم الأحد 15 يونيو 2025 مع استمرار طهران في نفى مسؤوليتها وأنها لا نية لها في تطوير برنامجها النووي عسكريا.
لذلك يأتي الهجوم الإيراني على إسرائيل14 يونيو 2025 باعتباره الهجوم الثاني بعد هجوم 13 أبريل 2024، والذي شكل بداية معادلة جديدة من التنافس والصراع في منطقة الشرق الأوسط. وتقوم هذه المعادلة على حسابات خاصة لكل الأطراف الإقليمية الفاعلة وكذلك القوى الدولية في صياغة التفاعلات السياسية والأمنية والعسكرية على كافة المستويات في المنطقة.لذلك نسجل الملاحظات التالية:
أولا: خروج إيران من عباءة “حروب الظل” والبحث عن الرد الملائم من أجل الكرامة مما يجعلها تفكر في هجوم ثاني و المباشر على إسرائيل منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، في الانتقال من “حروب الظل” إلى الحروب المكشوفة والعلنية. وعليه؛ فإن طهران وتل أبيب تخوضان حرباً طويلة وعنيفة اتخذت الآن طابعا مباشرا بعدما كانت عن طريق الوكلاء .حركة حماس حزب الله جنوب لبنان الحوثيين في اليمن والقائمة قد تطول ... مما يعيد ترتيب قواعد الإشتباك بعدما كانت طهران تترك هذه المهمة لحلفائها وأذرعها في المنطقة؛ مما يوفر لها مكانة للمناورة باعتبارها قوة إقليمية أساسية. والسؤال الجوهري كيف زرعت وحدات كوماندوز إسرائيلية أنظمة أسلحة دقيقة بالقرب من منظومات صواريخ أرض-جو إيرانية. عند بدء الهجوم الجوي الإسرائيلي؟ كيف تم إطلاق هذه الصواريخ في وقت واحد نحو أهداف محددة و بدقة عالية؟
والسؤال الموالي : كيف تمكنت هذه العملية من تدمير الدفاعات الجوية الإيرانية؟ هل "الموساد" زرع أنظمة هجومية وتكنولوجيا متطورة داخل مركبات، التي استخدمت لتدمير الدفاعات الجوية الإيرانية بمجرد بدء الهجوم؟
والسؤال الأخير إذا كانت العملية قد تمت بالطائرات المُسيّرة المفخخة التي تم إدخالها مسبقًا للقاعدة العسكرية لاستهداف منصات صواريخ أرض-أرض قرب طهران إذن هناك اختراق مكشوف ؟ من يسائل الشعب الإيراني الذي ضحى بالغالي من أجل مستقبله؟.
ثانيا: لابد من التذكير أنه بعد انهيار نظام الأسد في سوريا واغتيال أهم قيادات حزب الله في جنوب لبنان وقيادات حماس وكسر المقاومة والإجهاز على البنية التحتية لم يعد بمقدور طهران أو أي قوة أخرى أن تفرض معادلة جديدة على إسرائيل ، بل الهجوم المباشر سوف يُواجه بقواعد اشتباك جديدة، يأتي في مقدمتها الهجوم المباشر على الأراضي الإيرانية . وهو هدف سعت تل أبيب لتحقيقه بعد واقعة 07 أكتوبر 2023 وهو ما استمر لمرات والآن بالواضح ابتداء من تاريخ 13 يونيو 2025.
ثالثا: هل استطاعت إيران أن تتجاوز “الخطوط الحمراء” من خلال هجومها المباشر على إسرائيل كما سبق لها الرد على اغتيال قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، عندما هاجمت قاعدة “عين الأسد” في بغداد، التي كانت تضم قوات أمريكية وقوات من حلف دول شمال الأطلسي في يناير 2021. هل بمقدور إيران أن تستمر في الرد بعدما أقحمتها إسرائيل في هذه الحرب المباشرة؟
رابعا: هل بمقدور إيران أن تستثمر سياسياً وتعمل على تعزيز علاقاتها مع دول الجوار وخاصة الدول الإسلامية والعربية في هجومها على إسرائيل فمنذ توقيع اتفاق عودة العلاقات السعودية الإيرانية بوسَاطة صينية في مارس 2023 تحاول إيران كسب هذا الرهان من خلال استثمار التعاطف القوميين وبعض التيارات اليسارية المتقاربة مع قوى الإسلام السياسي والتي تدعي الوفاء لخط المقاومة والممانعة.
خامسا: لم يعد بمقدور طهران أن تفاوض من أجل الحصول على مكاسب سواء مع الإدارة الأمريكية من خلال تقديم نفسها باعتبارها الدولة المؤثرة في التفاعلات السياسية والأمنية بالمنطقة. فرغم قدرات إيران باعتبارها المحرك والمحفز لكثير من المسارات الأمنية في مضيقي هرمز وباب المندب، لم تعد طهران قادرة على التأثير بما قد يدفع في اتجاه إبرام صفقة بين طهران وواشنطن من أجل ربح الوقت في بقاء تماسك الجبهة الداخلية واستثمار عداء الغرب والقضاء على كل حركة تحررية حقيقية ضد نظام ولاية الفقيه. فرغم هجومها على إسرائيل لم يعد بمقدورها أن تُقدم نفسها “كوكيل إقليمي” فاعل، خاصةً مع حليفتيها روسيا والصين فأقصى ما تقدمه هذه الدول صياغة بيانات أكثر تفهماً للهجوم الإيراني على إسرائيل، من المحتمل أن يصبح التضامن الإيراني الروسي الصيني في خبر كان ولايُسمح من جديد في خلق مساحة للتعاون .
سادسا: هل بمقدور السلاح الإيراني أن يعمل على تحقيق الأهداف المرجوة ، خاصةً لدى أذرع وحلفاء طهران في المنطقة، بما في ذلك تزويد إيران روسيا بمئات الطائرات المُسيّرة وصواريخ كروز والصواريخ البالستية ضد أوكرانيا ورغم كل ذلك يدرك الخبراء رغم امتلاك إيران لطائرات مُسيّرة فإنها لم تستطيع عبور كل هذه المسافات حتى يتم إسقاطها على حدود إسرائيل. رغم ما تعلنه إيران عن إسقاط طائرتين إسرائيليتين من طراز F 35 وهو ما تنفيه إسرائيل بقوة، فيما عد خبراء ومحللين إسقاط هذه الطائرة تحديدا سابقة لم تحدث من قبل خاصة وأنها تعد فخر الصناعة الأمريكية ولم تسقط في أي حرب سابقة. لكن التاريخ الكفيل بإظهار الحقيقة وقوة الأسلحة؟
نتنياهو والاستثمار في الحرب :
يعمل جاهدا بنيامين نتنياهو لاستدامة الحرب سواء على غزة وكذلك مع إيران من أجل كسب النظام الغربي المتعاطف مسبقا مع إسرائيل ، الغرض عنده لا يتعلق بالأسرى الإسرائيليين أو بالقضاء على حركة حماس حيث استحالة تحقيقه. إذ إن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يعد لديه أي خيارات للبقاء في السلطة، غير استمرار الحرب إلى ما لا نهاية، سواء عبر جبهة جنوب لبنان دون أفق واضح. مستغلا دعم تيار الصهيونية الدينية، الذي يمثلها اليمين المتطرف ،بات مصير نتنياهو وتيار الصهيونية الدينية مرتبطًا بعضه ببعض إلى حد بعيد. ويفتح هذا الارتباط بابًا أمام سؤال جوهري حول مستقبل اليمين المتطرف وتيار الصهيونية الدينية في إسرائيل، وخياراته في حال تمكن أعداء نتنياهو من إسقاطه.فحبل المشنقة السياسية يقترب من عنق نتنياهو مع تعدّد أعدائه في الداخل والخارج، ولا أبالغ القول ظهور حركة من الأحرار في البرلمانات الغربية والجامعات تندد بهذه الإجرام الغير المبرر .
الحرب أنقدت نتنياهو لكنه سيصطدم هذه المرة بواقع مختلف عما اعتاده من الداخل الإسرائيلي وحلفائه في الإدارة الأميركية على حد سواء. الحرب مع إيران لها كلفة أكثر فتوسع دائرة الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي والغرب عموما ، تقتيل المدنيين من قبل الجيش المحتل في كل مكان يشي بمستقبل مظلم يوحي بقرب نهاية زمن نتنياهو المتطرف القاتل .الحرب بين إسرائيل وإيران يمكن تلخيص جولتها الأولى في تدمير البنية التحتية العسكرية لإيران من قبل قواة إسرائيلية أمريكية ، بالمقابل هناك هجوم إيراني بصواريخ باليستية تضرب تل أبيب وما جاورها بشكل عشوائي .هذا التصعيد العسكري غير المسبوق بين الجانبين ينذر بحرب كبرى في المنطقة قد تمتد في الأيام القادمة، في زمن الحرب والضربة العسكرية الإسرائيلية والرد الإيراني، جعلت الجمهور وكأن العالم في متابعة كرة القدم بين مشجع لقوى الغدر والظلام والأخر لقوى الاحتلال والإبادة ،والضحية هو الإنسان والسلم واستقرار المنطقة، هذا يؤدي حتما إلى إغراق الشرق الأوسط في حالة جديدة من عدم اليقين.
ماذا تكبدت إسرائيل في الرد الإيراني؟
أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي إطلاق عملية عسكرية موسعة للرد على الهجمات الإسرائيلية، حيث أطلقت إيران نحو 200 صاروخ باليستي من قوتها الصاروخية التي تعد من الأقوى في منطقة الشرق الأوسط، بهدف تدمير مراكز قوة عسكرية إسرائيلية. الغارة الإيرانية استهدفت مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب ومناطق مختلفة ، بينما أعلنت إسرائيل رسميا إصابة 160 شخص ومقتل 3أفراد لكن في الحرب خدعة من نصدق؟؟ لقد دعت إسرائيل سكانها إلى ضرورة البقاء في الملاجيء لفترة طويلة والالتزام بقواعد السلامة، بينما تستمر هي الآخرى في ضرباتها وقصفها الجوي على العاصمة الإيرانية طهران في حرب مفتوحة بينما تترك إيران مواطنيها للعراء حتى يكونوا دريعة في هذه الحرب القذرة .
رغم المسافة الجغرافية الكبيرة بين إسرائيل وإيران التي تُصَعب من عمليات التوغل البري، إلا أن إسرائيل كشفت عن عملية جاسوسية موسعة قادها الموساد الإسرائيلي سمحت بكشف إيران من الداخل والعمل على تسهيل استهداف القيادات الإيرانية والحرس الثوري الإيراني و القادة العسكريين والعلماء.في المقابل، إذا كانت إيران قد دخلت الحرب ، فهل جناحها الاستخباراتي له القدرة على الحصول على معلومات تتعلق بإسرائيل وأماكن قادتها وطريقة إدارتها وأسلحتها وبرنامجها النووي كما هو حال الموساد .لكن حكومة بنيامين نتنياهو قد تصر على استمرار القصف ، من خلال “هندسة ردها العسكري” بمجموعة من المحددات حتى لا تنزلق المنطقة إلى حرب إقليمية. من خلال ترسيخ المحددات التالية:
أولا: توصيل رسالة للعالم عموما ولدول المنطقة خصوصا بقوة قدراتها العسكرية والاستخباراتية .وهذا يبرز سياسة “الغموض الاستراتيجي” الذي تتعامل به تل أبيب مع الملفات التي تتعلق بإيران.
ثاني: تعريض البرنامج النووي الإيراني للخطر، فالضربة في نطنز النووي، الذي يضم أكثر من 500 ألف جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم، هي رسالة بأن إسرائيل قد تكون قادرة على تدمير المفاعلات النووية في هذه المنطقة.
ثالثا: استمرار دفء العلاقات مع الغرب الحامي لإسرائيل يشجعها أنها تعمل على تحقيق التوازن الإقليمي وهذا ما تريده واشنطن. بشرط عدم انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية، وهذا ما يدفع إلى البحث عن تسويات من أجل القضية الفلسطينية لسحب البساط من يدي إيران .
في الختم :
من المؤكد أننا أمام رسائل متبادلة بالمُسيّرات والصواريخ والطائرات الحربية بين إسرائيل وإيران، وهي حرب غير متكافئة لكن تظل الأطراف الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، عنصراً فاعلاً في تقديرات الموقف الذي يذكي الحرب بين طرفي الصراع الإسرائيلي الإيراني. وهذا ما يجعل من ترامب قائدا للعالم لمرحلة جديدة وهذا سينعكس على الأمن والسلم الدوليين.
مما يفرض على العالم الحر أن ينخرط في المناخ الفكري والفلسفي الراهن ، الذي طبع النصف الثاني من القرن العــشرين، والقرن 21 من خلال الدفاع عن القيم الثقافــية المناهضة لما سُمي بالإيديولوجــيات الشمولية؛ والتفاعل مع كل اتــجاه نقــدي، داخل الفلسفة المُعاصرة، الذي يؤسس لأهم المفاهيـم المؤســسة لفكر الإختلاف ، وهذه مسيرة تحتاج لجهد ومجتهدين .
عبدالغني السلماني، باحث وأكاديمي