Monday 7 July 2025
سياسة

إدريس الكنبوري: مسلسل" المصالحة " مع المعتقلين بجرائم إرهابية يقتضي هذه الخطوات لفك الألغام

إدريس الكنبوري:  مسلسل" المصالحة " مع المعتقلين بجرائم إرهابية  يقتضي هذه الخطوات لفك الألغام

فتحت مندوبية السجون ومجلس اليزمي والرابطة المحمدية للعلماء مسلسل" المصالحة " مع المعتقلين بجرائم إرهابية مما أثمر عن العفو عن بعضهم. هذه العملية خلقت تساؤلات داخل المجتمع بشكل جعل "أنفاس بريس" تحاور الدكتور الدكتور إدريس الكنبوري،باحث في الفكر الديني والجماعات الإسلامية والإرهاب،قصد تنوير الرأي العام.

+فتحت مندوبية السجون والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والرابطة المحمدية للعلماء مسلسل" المصالحة " مع المعتقلين بجرائم إرهابية مما أثمر عن العفو عن بعضهم. السؤال: هل هذه الأجهزة مؤهلة لفتح المصالحة مع الجهاديين؟

++ يجب القول بأن فكرة الحوار مع المعتقلين السلفيين في السجون المغربية هي فكرة قديمة وليست وليدة اليوم، فقبل سنوات عدة أصدر المجلس العلمي الأعلى توصية خلال إحدى دوراته بضرورة الحوار مع التيار المتطرف في السجون، وأنا شخصيا سبق أن دعوت في عدة مقالات وبرامج إلى أهمية الحوار لحل معضلة السلفية الجهادية في الوقت الذي لم يكن أحد قد تبنى هذه الفكرة بما في ذلك المجلس العلمي الأعلى. لماذا؟ لأن المعتقلين السلفيين لديهم خصوصية، فهم معتقلون من أجل قناعات وأفكار، وطبعا من أجل جرائم بالنسبة لعدد منهم، وهؤلاء ليسوا مجرمين عاديين يمكن أن يعودوا إلى الحياة الاجتماعية بعد الاعتقال بشكل طبيعي وأن يتخلوا عن سجلهم الإجرامي إذا كانوا من المجرمين المحترفين، أو أن يندمجوا في الحياة الاجتماعية والعائلية بشكل طبيعي إذا كانوا من المجرمين الخطاة، ولكن السلفيين أشخاص تبنوا أفكارهم عن طواعية واختيار، وغالبيتهم تعرف المصير الذي ينتظرها، إما الشهادة أو الموت، لأن هذا هو تفكير أي شخص جهادي متطرف، والاعتقال لا يكون نهاية المسار بالنسبة له بل قد يكون بداية جديدة له، وقد يصبح أكثر تشددا داخل السجن كما حصل في العديد من التجاوب. لا يجب أن ننسى على سبيل المثال أن التيارات التكفيرية في مصر خرجت من السجن، وأن السجن هو الذي أنضج تلك الأفكار المتطرفة أكثر. ولذلك فإن هؤلاء المعتقلين السلفيين مهما طال بهم الزمن سوف يغادرون السجن بعد انتهاء مدة الحكم، وآنذاك ستواجه الدولة جيشا من المتطرفين، ولن تكون قد استفادت من اعتقالهم من الناحية العملية. ذلك أن السجن لا ينبغي بالنسبة لهذه الفئة أن يكون فقط فضاء للعقاب، بل يجب أن يكون فضاء للتوبة والتراجع وإعادة الاندماج. من هنا كانت الدعوة إلى الحوار.

أما بالنسبة لمبادرة المصالحة التي أقدمت عليها المندوبية مع شركائها، فهي في الحقيقة مبادرة تندرج ضمن مسلسل واسع، امتد لسنوات، فقد كانت هناك جلسات للحوار مع بعض المعتقلين من طرف علماء تابعين للمجلس العلمي الأعلى، كما كانت هناك اتصالات مستمرة بين رجال المخابرات وبين عدد من المعتقلين، وكانت هناك مبادرة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سابقا، والتي طرحها قبل سنوات لفائدة السجناء السلفيين الراغبين في الاستفادة من العفو الملكي والإفراج، وكانت تنص على مجموعة من المعايير والشروط من بينها التخلي عن العنف والإيمان بالثوابت الدينية للمملكة، وقد توصل المجلس في ضوء ذلك بعدد كبير من الرسائل من المعتقلين يعلنون فيها موافقتهم على تلك الشروط، كما لا يجب أن ننسى عددا من المراجعات التي قام بها بعض المعتقلين، وأنا أسميها مراجعات لأن أصحابها يعترفون فيها بتراجعهم عن أفكارهم السابقة، دون أن تكون مراجعات شاملة على غرار ما حصل في مصر أو ليبيا أو السودان مثلا. إذن، مبادرة المندوبية وجدت أرضا محروثة كما يقال، لأن عددا من السجناء كانوا مستعدين سلفا لأي مصالحة يمكن أن تطرح، بعد سنوات من السجن والمحنة وبعد التجارب التي ذكرتها. زد على ذلك أن هذه المبادرة ما كان لها أن تنجح لولا مباركة الأجهزة الأمنية، إذ لا بد أن هناك ضوء أخضر للتدخل في الملف، وهذا ما أثمر فكرة المصالحة، التي هي في الحقيقة أول مبادرة من نوعها تحمل هذا الإسم.

لكن الأمر الذي يثير نوعا من التساؤل هو لماذا لم يتم إشراك المجلس العلمي الأعلى. المعروف أن المجلس هو أعلى مؤسسة دينية في البلاد، ويرأسه الملك بصفته أميرا للمؤمنين، وهم المؤسسة المؤتمنة على كل ما هو ديني في المغرب. ومشاركة المجلس كان يمكن أن تمنح تلك المصالحة الشرعية الدينية الرسمية، بل أنا أعتقد أن المبادرة كان يجب أن تأتي من المجلس وليس من المندوبية، لأن المندوبية مهمتها تقنية وهي الإشراف على السجناء وما يتعلق بظروف الاعتقال وما إليه، وهي ليست مؤسسة علمية أو دينية أو ثقافية.

كما أتساءل حول دوافع إقصاء السجناء السابقين الذين استفادوا من العفو الملكي ولديهم تجربة مع السجناء ورصيد معرفي، وهم من يسمون بالشيوخ، فهؤلاء بحكم خبرتهم كان يمكن أن يلعبوا دورا مهما وكان يمكن أن يقلصوا المسافة بين المعتقلين وبين الدولة.

+ وعلى أي أساس تمت المصالحة؟

++ حسب بلاغ المندوبية فإن المصالحة كان لديها ثلاثة جوانب، مصالحة مع الذات ومصالحة مع النص ومصالحة مع المجتمع. وقد خضع المستفيدون لدورات تدريبية في هذه المجالات، من الناحية النفسية والدينية والاجتماعية، لكن ما لا أفهمه هو ما المقصود في بلاغ المندوبية بالمصالحة مع النص، وما هو المقصود بالنص؟ هل هو القرآن أم السنة أم هما معا أم أدبيات الحركات الجهادية أم الفكر الأشعري والفقه المالكي أم ماذا؟ هناك غموض في ما يتعلق بهذه المسألة. وما يزيد الأمر تعقيدا أن الرأي العام، والخبراء، لم يطلعوا على هذه المصالحة ليعرفوا المقصود من ذلك المفهوم، وحبذا لو نشرت وقائع تلك الجلسات لنعرف من خلالها ما حصل. ثم إن قضية النص تطرح علينا تساؤلات كثيرة: هل جميع المعتقلين السلفيين هم من الذين يستطيعون التعامل مع النص من الناحية المعرفية والشرعية ويستطيعون أن يفهموا معنى المصالحة مع النص؟ وهل هذه المصالحة تعني الموافقة على العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والتصوف؟ وهل الموافقة على التصوف شرط ضروري؟. إن مثل هذا الفهم للمصالحة سوف يؤدي بنا إلى مشكلات كبيرة مستقبلا، وقد سبق لي أن طرحت هذه القضية في مقال لي قبل سنوات، وقلت آنذاك بأنه من غير المنطقي والمعقول لا من الناحية الحقوقية ولا من الناحية الشرعية فرض مذهب معين على المواطن، خصوصا إذا كان ذلك بالإكراه والإلزام، فنحن اليوم لدينا المتشيعون ولدينا المسيحيون المغاربة والملحدون، وكل هؤلاء يطالبون بحقهم في الاعتقاد، فكيف يمكن أن ترغم شخصا معينا على اتباع المذهب الأشعري أو المالكية أو التصوف، الذي ينظر إليه السلفيون وغيرهم كثيرون على أنه مجموعة من الخرافات البالية القديمة، ولذلك قلت في ذلك المقال وفي أكثر من لقاء إنه يجب منح المواطن حرية التدين واختيار ما يريد، لكن المهم رفض العنف والإيمان بالقواسم المشتركة التي تمثلها المواطنة.

+ وما هي الضمانات حتى لا يعود هؤلاء للتحريض على الأعمال الإرهابية والجهادية على غرار حالات سابقة لمعفى عنهم لم يتراجعوا عن فكرهم الجهادي؟

++ صحيح، إن قضية الضمانات تطرح عدة مشكلات. بلاغ المندوبية يقول إن المفرج عنهم سوف تتم مراقبتهم وتتبع أحوالهم حتى بعد الإدماج، ويمكن تبرير ذلك بأن المستفيدين من المصالحة هم قليلون، أي 13 شخصا، لكن ماذا لو تم توسيع المبادرة مستقبلا واستفاد العشرات أو المئات من المصالحة، كيف يمكن مراقبة كل هذا العدد؟ . إننا نعرف أن هناك أشخاصا كانوا معتقلين في ملف السلفية الجهادية وتم الإفراج عنهم، لكنهم التحقوا بتنظيمات جهادية مسلحة في سوريا، مثل تنظيم داعش، ولكن غالبية المعتقلين المفرج عنهم لم تسجل بينهم حالات عود لاعتناق الفكر المتطرف. وأعتقد أن المندوبية كان تدرك هذه المشكلة لذلك تحدثت عن الإدماج وعن المتابعة بعد الإدماج، لأن الذين التحقوا بالجماعات المسلحة في سوريا لم يتم إدماجهم، ولكن السؤال المثار هنا هو: لماذا نتحدث عن إدماج هذه الفئة الأخيرة فقط بينما هناك معتقلون مفرج عنهم في السنوات الماضية لم يستفيدوا من الإدماج؟. ويبدو لي أن عدم دخول المجلس العلمي الأعلى على خط المبادرة يعود إلى هذه التساؤلات، فقد يكون هناك تخوف من حصول أخطاء، ورغبة في عدم إلصاق الأخطاء التي يمكن أن تحصل بالمجلس، لأن هذا سوف يقلل من هيبته ويظهره في مظهر المجلس الذي فشل في ملف السلفيين.

 +وهل تم إشراك عائلات الضحايا بدورهم في هذا النقاش حول المصالحة؟

++ حسب علمي لم يتم إشراك عائلات الضحايا، ولكن لا يجب أن ننسى أن قضية عائلات الضحايا لا ترتبط بالملف الكامل للسلفيين الجهاديين، بل بجزء صغير جدا منهم هو منفذو عمليات 16 ماي الإرهابية في الدار البيضاء عام 2003، أما باقي المعتقلين، وهم كثيرون، فملفاتهم غير مرتبطة بأي عائلة، لأنهم إما في خانة الذين كانوا يخططون لعمليات إرهابية ولم يقوموا به بسبب تدخل الأجهزة الأمنية، وإما من العائدين من سوريا والعراق والشيشان وغيرها من بؤر التوتر، أو من الذين كانوا يخططون للالتحاق بالجماعات المسلحة في سوريا، أو من الذين كانوا يزورون المواقع الجهادية على شبكة الانترنت، أو غير ذلك، وهؤلاء كلهم لا علاقة لهم بملفات عائلية معينة.