Monday 3 November 2025
Advertisement
سياسة

محمد الطيار: بعد قرار مجلس الأمن الأخير.. هل ما زال لتصنيف جبهة البوليساريو كحركة إرهابية من جدوى؟

محمد الطيار: بعد قرار مجلس الأمن الأخير.. هل ما زال لتصنيف جبهة البوليساريو كحركة إرهابية من جدوى؟ محمد الطيار

رفض القرار الأممي: خروج عن الشرعية الدولية

يمثل إعلان جبهة البوليساريو، وبشكل رسمي، رفضها لقرار مجلس الأمن، تحديا مباشرا للشرعية الدولية، ويعني أنها خرجت نهائيا من المسار السياسي الذي تشرف عليه الأمم المتحدة.
فبرفضها قرارا أمميا ملزما، تفقد الجبهة آخر مبرراتها كطرف سياسي، لتتحول إلى جماعة متمردة تعمل خارج القانون الدولي  . استمرارها في استخدام العنف وتهديد المدنيين ورفضها الانخراط في الحل السياسي، يضعها ضمن المعايير التي تعتمدها الأمم المتحدة لتصنيف التنظيمات الإرهابية.

 

الجزائر كدولة راعية لكيان متمرد

بما أن البوليساريو تتحرك فوق التراب الجزائري، فإن رفضها للقرار يضع الجزائر في موقع الدولة الراعية لكيان مسلح متمرد، وهو ما سيزيد من الضغوط الدولية عليها.
هذا التطور يمنح المغرب مبررًا قويًا لتكثيف تحركاته القانونية والدبلوماسية من أجل إدراج البوليساريو ضمن قوائم الإرهاب، وتوثيق جرائمها ضد المدنيين في تندوف والمنطقة العازلة، وفي المناطق التي استهدفت فيها المدنيين داخل الصحراء المغربية.

 

قرار مجلس الأمن: نهاية مرحلة وبداية أخرى

قرار مجلس الأمن الأخير جاء ليكرس واقعا جديدا في مسار النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية. فمنذ أكثر من عقدين، والمغرب يدعو إلى حل سياسي واقعي قائم على مبادرة الحكم الذاتي.
اليوم، لم يعد المجلس يذكر خيار “الاستفتاء”، ولم يعد يتعامل مع البوليساريو كطرف سياسي، بل حصر مسار الحل في مبادرة المغرب وحدها باعتبارها الإطار الجاد والوحيد للتفاوض.
هذا التحول لا يخص المغرب فحسب، فقد كرس الإسقاط الفعلي للصفة السياسية والقانونية التي كانت الجبهة تحاول الاحتماء بها.

 

من فقدان الشرعية السياسية إلى خطر الإرهاب

لقد فقدت البوليساريو عمليا أي صفة سياسية، وأصبحت مجموعة مسلحة تتحرك خارج الشرعية الدولية، ما يجعل النقاش حول تصنيفها كتنظيم إرهابي أكثر من مبرر.
وحين تفقد جماعة مسلحة غطاءها السياسي، فإنها تتحول بالضرورة إلى كيان ذي طبيعة أمنية.
هذا ما حصل مع البوليساريو، التي انتقلت من الخطاب السياسي إلى منطق التهديد والابتزاز، عبر شن هجمات على طول الجدار الأمني، وتبني عمليات ضد المدنيين، واختطاف مهاجرين أفارقة، وتهريب السلاح والبشر والمخدرات بالتنسيق مع تنظيمات في الساحل.

 

شبكات الإرهاب الإقليمي وعلاقات البوليساريو

المعطيات الميدانية تؤكد أن الجبهة باتت جزءا من الجريمة المنظمة وعنصرا  أساسيا في شبكة الإرهاب الإقليمي الممتدة بين شمال مالي وجنوب الجزائر. ترتبط تنظيميا بما يسمى “نصرة الإسلام والمسلمين”، وتنسق في نفس الوقت عملياتها مع عناصر من تنظيم القاعدة و“تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى” أو ما يعرف بولاية الساحل التابعة لتنظيم داعش   .هذا الترابط البنيوي يجعل منها فاعلا أمنيا خطرا على استقرار المنطقة بأكملها.

 

التصنيف الإرهابي: ضرورة وطنية قبل أن يكون مطلبًا دوليًا

تصنيف البوليساريو كحركة إرهابية ليس مسألة دعائية، فهو ضرورة استراتيجية وطنية.
فالمغرب، الذي يحظى بتقدير عالمي في مكافحة الإرهاب، ملزم بالدفاع عن أمنه القومي بنفس الأدوات القانونية التي تستعملها الدول المتقدمة. هذا التصنيف، حين يتحقق، سيحمي المغرب من كل محاولة للمساواة بين دولة ذات سيادة وميليشيا مسلحة، وسيسمح بتجريم تمويل الجبهة أو التعامل معها دوليا، كما سيعزز مصداقية الرواية المغربية في المحافل الأممية.

 

ذاكرة الصحراء المغربية: البعد الإنساني والحقوقي

لا يمكن الحديث عن الإرهاب دون استحضار ذاكرة الضحايا المغاربة  في بلدات وبوادي الصحراء المغربية  ، خاصة في المنطقة الشرقية من الصحراء المغربية،   فقد عانت عائلات مغربية من الخطف والقتل، وتعرض مدنيون للترحيل القسري نحو مخيمات تندوف، واختطاف المسافرين وتدمير المزارع والواحات.                  
إن ذاكرة المغاربة الجماعية، خصوصا في الشرق الصحراوي، ليست مجرد سرد لمعاناة الماضي، فهي وثيقة إدانة أخلاقية وقانونية ضد جبهة مارست أبشع صور الإرهاب المنظم تحت غطاء سياسي زائف                              .
إنصاف هؤلاء الضحايا لن يتحقق إلا حين يعترف العالم بأن البوليساريو ليست حركة ذات مطالب سياسية، بل تنظيم إرهابي بامتياز.

 

القرار الأممي كفرصة لتصعيد المسار القانوني

قرار مجلس الأمن الأخير لا يمثل نهاية المسار، فهو بداية مرحلة جديدة.  
فبما أنه أقر عمليا أن الحكم الذاتي هو الأساس الوحيد للتفاوض، فإنه بالمقابل نزع الشرعية عن أي عمل مسلح أو تهديد بالسلاح                         .
وبالتالي، فإن أي استمرار من طرف الجبهة في العمل العسكري أو في التحريض يدخل في نطاق الإرهاب الدولي وليس “النضال السياسي”.

 

نحو تصنيف رسمي للبوليساريو كتنظيم إرهابي

على المغرب، ومعه المجتمع الدولي، أن يستثمرا هذا التحول القانوني لتقديم ملف متكامل إلى الهيئات الأممية والجهوية من أجل تصنيف رسمي لجبهة البوليساريو كحركة إرهابية.
فبعد هذا القرار التاريخي، لم يعد السؤال هو: هل يمكن التفاوض مع البوليساريو؟ بل أصبح السؤال: كيف يمكن محاسبتها على جرائمها؟

التصنيف من أجل سلام حقيقي ودائم

في الولايات المتحدة تم تقديم مشروع قانون باسم Polisario Front Terrorist  Designation Act   يرى أن البوليساريو تستوفي شروط التصنيف كمنظمة إرهابية، ويطلب بمقتضاه أن يصدر وزير الخزانة الأميركي تقييما لذلك .

وعلى هذا الأساس فتصنيف الجبهة كحركة إرهابية ليس عملا ضد السلم والاستقرار في المنطقة، فهو الطريق الواضح نحو سلام حقيقي ودائم. ومن شأنه ان  يحرر المسار السياسي من الابتزاز بشكل نهائي، ويعيد الاعتبار لضحايا الإرهاب، ويؤكد للعالم أن المغرب دولة تحارب الإرهاب أينما كان، حتى حين يتخفى خلف شعارات سياسية كاذبة.

 

د. محمد الطيار/باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية رئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية