في سياق يشهد حركية تنموية غير مسبوقة بالأقاليم الجنوبية للمملكة، يبرز مشروع الطريق السريع تيزنيت–الداخلة كأحد أكبر الأوراش المهيكلة التي تُجسّد فعلياً الرؤية الملكية الهادفة إلى جعل الصحراء المغربية قطباً استراتيجياً للتواصل، والاندماج الاقتصادي، وتحسين ظروف العيش. فالمحور الطرقي الممتد على 1055 كيلومتراً، وبكلفة تناهز تسعة مليارات درهم، لم يعد مجرد مشروع بنية تحتية، بل تحوّل إلى رافعة تنموية ضخمة تربط شمال المملكة بجنوبها وبعمقها الإفريقي، وتفتح آفاقاً جديدة أمام الاستثمار وحركية الأشخاص والبضائع.
المميز في هذا الورش ليس فقط حجمه أو امتداده الجغرافي، بل السرعة القياسية في التنفيذ التي بصمت عليها وزارة التجهيز والماء، من خلال حكامة دقيقة، وضبط صارم للصفقات، وتنسيق ميداني مستمر مكّن من تجاوز عدد من الإكراهات المرتبطة بطبيعة التضاريس والمناخ والمسافات الشاسعة. فقد تحولت الوزارة إلى فاعل محوري في ضمان احترام الآجال، عبر تتبع يومي لمواقع الأشغال، واعتماد حلول تقنية مبتكرة ومواد بناء ذات جودة عالية تستجيب للمعايير الدولية في السلامة والمتانة.
ويندرج المشروع ضمن تصور استراتيجي واسع يروم تثنية وتوسيع الطريق الوطنية رقم 1 عبر محورين رئيسيين:
تيزنيت – العيون من جهة، و العيون – الداخلة من جهة أخرى، وهو ما سيمنح الأقاليم الجنوبية بنية طرقية متكاملة تخفّض زمن التنقل، وترفع الجاذبية الاقتصادية، وتقوّي دور المغرب كمعبر تجاري ولوجستي نحو إفريقيا جنوب الصحراء. كما يشكّل هذا المحور العمود الفقري لشبكة طرقية مستقبلية ستسمح بإطلاق مناطق لوجستية وصناعية، وتعزيز سلاسل التوريد، وتسهيل حركة المبادلات بين الموانئ والأسواق الوطنية والإفريقية.
وبقدر ما يعكس المشروع دينامية الدولة في تفعيل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، فإنه يبرز أيضاً فعالية المقاربة الحكومية التي تولي أهمية قصوى للبنيات التحتية ذات الأثر المباشر على التنمية. فقد نجحت الوزارة في تحويل تحديات التشييد على مدى آلاف الكيلومترات إلى فرصة لتطوير خبرة وطنية في بناء الطرق السريعة بالبيئات الصحراوية، ما يجعل من هذا المشروع مرجعاً هندسياً ومؤسساتياً يمكن البناء عليه لتسريع أوراش أخرى مستقبلاً.
إن الطريق السريع تيزنيت–الداخلة ليس مجرد “بنية تحتية” جديدة، بل هو رسالة واضحة بأن المغرب يمضي بثبات في ترسيخ جهاته الجنوبية كقاطرة للتنمية وفضاء واعد للتكامل الاقتصادي الإفريقي، وبأن مسلسل الاستثمار في هذه الربوع يتم وفق رؤية استراتيجية، وبإيقاع إنجاز يواكب طموحات المملكة وتطلعات ساكنتها.
