الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد السلام المساوي: المغرب لم يكن أبدا بلد شعارات

عبد السلام المساوي: المغرب لم يكن أبدا بلد شعارات عبد السلام المساوي
حينما كان يوقع المغرب على اتفاق عودة العلاقات ، كان يعلم أن السير في علاقة دبلوماسية مع إسرائيل يشبه السير على خط رفيع أو التحرك وسط صحراء مليئة بالألغام ، حيث يصبح السير بدون سقوط أو حدوث انفجار في طريق العلاقة معجزة في حد نفسها، لكنه مطلب في الآن معا . ومع ذلك أصر المغرب على المضي قدما في سعيه ليس فقط لإنهاء صراع طويل لقضية وحدتنا الوطنية، بل للبقاء في قلب القضية الفلسطينية، بما يملكه المغرب من أواصر دينية وتاريخية ولغوية وعرقية مع جزء كبير من شعب الدولة العبرية.
ومن المؤسف أن البعض قد حاول استغلال عودة العلاقات المغربية بإسرائيل، الترويج لشائعات تحاول النيل من هذا الموقف المغربي الصلب الداعم للقضية الفلسطينية، والإيحاء بأن المغرب ومن خلال هذا الاتفاق قايض فلسطين بوحدته الوطنية، وهذا تدليس واضح يصدر عن جهات داخلية وخارجية لها أجندات سياسية لا تعبأ بمسي الفلسطينيين، طبعا المغرب ليس في حاجة إلى دحض مثل هذه الترهات، فتاريخ المغرب لا يدع مجالا للشك أن الدولة المغربية ملكا وشعبا ستظل كعهدها داعما رئيسيا للأشقاء الفلسطينيين، وأن اتفاق عودة العلاقات لن يكون بأي حال من الأحوال على حساب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف من المغرب أو غيره . وكما قال محمد السادس ان موقف المغرب حيال فلسطين لم يتغير، وانه يضع مسألة أراضيه والقضية الفلسطينية على المستوى ذاته.
والذين يزايدون على بلدنا جماعات في الداخل أو أولياء نعمتهم في الخارج ، لم يتخذوا أي إجراءات صارمة، باستثناء تصريحات صوتية تتبخر في الهواء، فتركيا التي نصبت نفسها لم تغلق سفارتها وقنصلياتها بإسرائيل، ولم تستدع سفيرها للتشاور، ولم تطرد السفير الإسرائيلي من بلدها ، لكي تنسجم مع عنف خطابها، والجزائر التي دفعتها عقيدة العداء ضد المغرب إلى التحول فجأة إلى دولة مقاومة ، فقط لأن المغرب عقد اتفاقا لعودة العلاقات مع إسرائيل، لم تتجاوز مواقفها الإنشاء والشفوي في قنوات إعلام عسكر المرادية.
وكنا سنشعر بالخجل والحرج حقا لو سمعنا أن الجزائر أو تركيا أو ايران التي تزايد علينا في كل شيء أرسلت فيلقا عسكريا، أو طائرة عسكرية مليئة بالأسلحة لغزة لرد العدوان الإسرائيلي.
لكن لا شيء حدث، ما حدث حقا أن الملك محمد السادس منذ انفجار الأزمة ، قبل يومين، أعطى تعليماته لوزارة الخارجية بتذكير إسرائيل بمواقف المغرب الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، وأمر بإرسال مساعدات طبية وغذائية إلى المقدسيين وسكان غزة ، ويخوض في الكواليس صراعا مريرا مع الوقت لإسكات صوت المدافع و الدمار ، الذي يخدم فقط تجار القضية والمتلاعبين بها دوليا وداخل أوطانهم .
قدم المغرب لمحبيه دليلا إضافيا جديدا على أن تصوره لقضية فلسطين هو التصور الاستثنائي والأكثر إنسانية والأكثر قرنا للقول بالفعل من خلال إرسال مساعدات إنسانية عاجلة غالى الأهل في غزة الذين يجدون أنفسهم اليوم بين سندان ما تريد حماس فعله ، وبين ما تقرر إسرائيل تطبيقه.
المغرب لم يكن أبدا بلد شعارات، ولم يكن مثل بلدان مجاورة لنا بلدا يزايد بالقول على مأساة الفلسطينيين ويريد لها الاستمرار فقط لكي يجد ما يغنيه من الشعارات.
المغرب يعرف جيدا قيمة تلك الأرض، ويعرف ماهيتها الأولى باعتبارها أرض سلام اختارتها العناية الربانية للديانات السماوية الثلاث لكي تكون التقاء المؤمنين على الأرض.
وفي بلاد أمير المؤمنين الكل يعرف أن الأولوية هي لوقف هدر الدم الفلسطيني ، والأولوية هي لوقف هدر دم المؤمنين من أي ديانة كانت، والأولوية هي لعودة السلام إلى أرض السلام ، والأولوية هي مساعدة الفقراء والمحتاجين والمرضى في غزة على مواجهة هاته اللعبة الدموية بهم ، التي تقودها غيران من خلف ستار وتطبقها حماس لأنها ما تبقى لها، ويذهب ضحيتها الأبرياء من المدنيين هنا وهناك الذين يدفعون دماءهم ثمن هاته اللعبة القاتلة والمرعبة .
المغرب وسط كل هذا الدمار، وكل هذا اللعب بالشعارات والأناشيد موقفه واضح : شعبه متضامن مع الأهل في غزة ، دولته تقدم المساعدات الضرورية للأهل هناك ، قلبه وعقله وتصوره مع حل الدولتين ومع السلام العادل والشامل ومع كل المبادرات الرامية لوقف القتل والعنف وسيلان الدماء في تلك الأرض الطاهرة ، وهو يترك للبلدان التي لا تعرف إلا المزايدات أن تواصل المزايدة لأنها لا تملك عداها ، ويترك للتيارات المتطرفة أن تفرح بكل ميت جديد في تلك الأرض الحزينة لأنه بلد محب للحياة ، ويترك للكاذبين على فلسطين التي أضاعوها منذ النكبة بل وقبل النكبة بوقت طويل ، أن يضيعوا مزيدا من الوقت في المظاهرات الصاخبة التي لم تعد تقنع أحدا بجديتها ، والتي كانت سببا من أسباب هذا الهوان الذي تحياه هاته القضية منذ سنوات .
باختصار المغرب مرة أخرى ، بفضل ملكه كان في مستوى اللحظة وأخرس الذين يزايدون على حب فلسطين وفي حب القدس داخل البلد الذي يرأس لجنة القدس والذي يعرف جيدا معنى عودة السلام ذات يوم إلى أرض القدس .
لا أحد يمكن أن يزايد على الدولة المغربية بخصوص القضية الفلسطينية ، كما أنه لا أحد لديه الحق لإعطاء المغرب والمغاربة دروسا في الدفاع عن القدس ، فمنذ عهد الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني إلى اليوم مع خلفهما محمد السادس ، تقدم بلادنا دعما لامشروطا لفلسطين وتجسد في كل أزمة معنى الوقوف إلى جانب القدس والمقدسيين، منذ اتفاقية كامب ديفيد، مرورا باتفاقية أوسلو ولجنة القدس ووكالة بيت المال .... وفي ظل هذا الموقف التاريخي الثابت للدولة المغربية تجاه القضية الفلسطينية ما فتئ رموز الدولة المغربية، سيما الملك محمد السادس يقوم بكل الجهود الممكنة لإيجاد حل عادل ودائم يحفظ لأشقائنا الفلسطينيين حقهم المشروع في إقامة دولة مستقلة.
وحتى حينما وافق المغرب على توقيع إعادة العلاقات مع إسرائيل باحتضان أمريكي ، فإن بلاغ الديوان الملكي كان واضحا لا لبس فيه، مشددا على أن التدابير التي تقوم على استئناف الاتصالات والعلاقات الدبلوماسية والرسمية مع إسرائيل يجب أن تكون على المستوى المناسب، بمعنى أن الاتفاق ليس شيكا على بياض، ويمكن في أي لحظة إعادة النظر فيه، حسب إيقاع الأطراف الأخرى ومدى احترام التزاماتها.
ولذلك أصرت البلاغات الملكية على الأقل في مناسبتين، أحداهما موجهة إلى القيادة الفلسطينية وأخرى إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، التأكيد للإسرائيليين والفلسطينيين على السواء على موقفنا الثابت الذي يساند الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والدفاع عن الوضع الخاص لمدينة القدس الشريف، وحماية طابعها الإسلامي وحرمة المسجد الأقصى، والتشبث بالحل السياسي لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس مفاوضات السلام المباشرة بين الطرفين، وعلى قاعدة قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي وحل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية والمستدامة وذات السيادة، وعاصمتها القدس الشريف.