الجمعة 19 إبريل 2024
منبر أنفاس

صابرين: لن تكون هناك ديموقراطية من دون قاعدة إجتماعية موسعة حاضنة للمشروع الديموقراطي

صابرين: لن تكون هناك ديموقراطية من دون قاعدة إجتماعية موسعة حاضنة للمشروع الديموقراطي صابرين المساوي
 1_ أزمة الديموقراطية هي أزمة تمثيل.
   من الواضح أن السياسة كما تقترف في المغرب صارت عبئا على الديموقراطية بدلا من أن تكون مغذيا منعشا لها .
   يلاحظ هاروك جيمس ، المؤرخ والأستاذ بجامعة برينستون ، أنه " لم يعد هناك من ينكر أن الديموقراطية معرضة للخطر في جميع أنحاء العالم، اذ يشكك كثير من الناس في ما إذا كانت الديموقراطية تعمل لصالحهم ، أو أنها تعمل بشكل صحيح أصلا . ولا يبدو أن الانتخابات تسفر عن نتائج حقيقية ، باستثناء تعميق التصدعات السياسية ، والاجتماعية القائمة  ان أزمة الديموقراطية هي ، الى حد كبير ، أزمة تمثيل ، أو بتعبير أدق ، غياب تمثيل . " 
نحن قريبون من هذه الصورة ، سوى أن هناك فارقا جوهريا ، في الغرب تعيش الديموقراطية لحظة خطر لكن الثقافة الديموقراطية منتشرة على أوسع نطاق حتى أنها تسمح للخصوم السياسيين والمواطنين بالتكتل ضد فوز اليمين المتطرف بالأغلبية في الانتخابات ، وفي حالتنا الخطر مزدوج : ديموقراطية ناشئة مهددة بهشاشة قواعدها الاجتماعية ، وفراغ في الثقافة الديموقراطية يسمح بانتعاش ايديولوجيات غير ديموقراطية .
الى اين نسير بديموقراطية تستند إلى روافع تخترقها التصدعات ؟ جانب من الأجوبة كان واضحا في انفلاتات التعبيرات الاجتماعية الجديدة في أكثر من مدينة مغربية ، وهو أكثر وضوحا في حوادث السير التي تحدث في فضاءات التواصل الاجتماعي ، وأشكال الصحافة الجديدة ، ومن الواضح أيضا أنه كلما اهتزت روافع التأطير الديموقراطي لصالح التعبيرات العشوائية ، كلما دخلت الدولة والمجتمع في صدامات أمنية والتباسات حقوقية ، وفي لعبة كر وفر منهكة للطرفين .
هل تعي طبقتنا السياسية هذه المخاطر المحدقة بنا ؟ ربما .
هل تعمل على تدارك الوضع ؟ لست أدري
هل المستقبل الديموقراطي في بلدنا أكثر مأساوية في هذا الجانب ؟ ممكن .
هل يفرض هذا الوضع حالة استعجال واستنفار سياسي ؟ ذلك مؤكد .
القاعدة الكلاسيكية تقول : لا ديموقراطية بدون ديموقراطيين ، وفي واقعنا الحالي يمكن إضافة تحوير بسيط : لن تكون هناك لا ديموقراطية ولا ديموقراطيين من دون قاعدة اجتماعية موسعة حاضنة للمشروع الديموقراطي ، وغير ذلك سيكون الخطاب السياسي الرسمي والحزبي حول الديموقراطية ومفاتنها كمن يبني قصور الامل فوق الرمال .
 
2_ لا يمكن تصور أي تحول ديموقراطي بدون أحزاب ديموقراطية .
ان المرحلة التي تمر بها بلادنا مرحلة خاصة ودقيقة ، مرحلة انتقالية ، مرحلة يطبعها الغموض والالتباس ، الخلط وتبادل الأدوار والوظائف ...مثلما يحدث في الجمعيات او بعضها التي تبشر بنهاية السياسة وموت الاحزاب وعقم الفاعلين السياسيين التقليديين .ونؤكد أن السياسة لم تنته وان دور الاحزاب ضروري لإنجاح المشروع الديموقراطي الحداثي الذي تنشده بلادنا ، باعتبار الاحزاب ركيزة أساسية للنظام الديموقراطي ، ولا يمكن أن نتصور اي تحول ديموقراطي ، أو ديموقراطية بدون أحزاب ، فالديموقراطية كما تحققت في العالم هي ديموقراطية الاحزاب السياسية ، من هنا لا يمكن أن نؤسس ونبني مشروعا ديموقراطيا بالتشكيك في دور الاحزاب وتبخيس فعاليتها ، أو بمحاولة تجاوزها او إلغائها ...
   ان الحزب يختص ، من بين كل المؤسسات المجتمعية ( الجمعيات ، النقابات ، مؤسسات الإعلام ...) بالممارسة السياسية وتاطير المواطنين وتأهيلهم لممارسة الشأن العام ، كما يعمل على تكوين النخبة السياسية ، خدمة للمواطنين وتلبية لحاجاتهم المتنوعة والمختلفة وتحت مراقبتهم ومحاسبتهم ...وهذا أوج ما وصلت الديموقراطيات المعاصرة بعدما الحزب اذن وسيلة من وسائل ممارسة الشأن العام السياسي ، يتقاطع مع كثير من المؤسسات المجتمعية الحديثة ، من غير أن تتمكن اي منها من ان تنوب عنه في تربية المواطنين على ممارسة حق المشاركة السياسية ، وأن ذهب بعضهم عن جهل او خلط مع سبق الإصرار الى الى التبشير ببديل عن الاحزاب السياسية ، يحصرونه في جمعيات محسوبة على المجتمع المدني او ما شابهها ...
نعم هناك انسحاب من السياسة وعزوف عن الاحزاب ، مقاطعة للانتخابات وتبخيس للمؤسسات التمثيلية ...وكل هذا وليد عوامل متعددة ؛ تاريخية ، اجتماعية وثقافية ...من هنا وجب التفكير جديا في الأمر ووضع استراتيجية من شأنها أن تؤدي إلى تصالح المواطنين مع السياسة وممارسيها ، مع الانتخابات والمؤسسات التي تكون نتيجة لها...

 
3_ لا مجتمع   مدني بدون مجتمع سياسي
مباشرة بعد تشكيل حكومة التناوب تكونت معارضة من طرف جهات دعت إلى ضرورة إخلاء المكان للمجتمع المدني والخبرة التقنوقراطية ، واعتبرت أن الفريق الحكومي دون خبرة وتجربة . ان دعوة مثل هذه هي في العمق دعوة إلى استمرار حالات الاستثناء التي عشناها في الماضي ، والتراجع عن تقدمات وفتوحات حصلت في الممارسة السياسية المغربية ، وهي تقدمات لم تحصل عبثا ، بل جاءت كحصيلة لصراعات وتوافقات عرفها الواقع السياسي المغربي فكرا وممارسة ، وأن هذه الدعوة ايضا دعما لذلك التحالف التقنوقراطي الذي أسندت إليه الأمور في السابق ، والذي يسعى إلى العودة من النافذة زاعما انه مدني ...
   ويجب أن نحذر مما يقال عن المجتمع المدني ، وبالخصوص يجب الا يتحول نشطاء المجتمع المدني الى صيغة جديدة ل ( الصاب ) اي اللامنتمين الذين كانوا أداة للتمييع ، وهناك الان تحامل على الاحزاب وبالذات الاحزاب الديموقراطية وفي طليعتها الاتحاد الاشتراكي ...ولا يستبعد أن يكون الهدف هو خلق الفراغ ، والفراغ اقتل من القمع ، والقمع يمكن أن يكون مجرد فترة وتمر ، ويمكن أن يصيب الوهن مرتكبه ، أما الفراغ فهو يقتل القريحة ويستمر مفعوله عدة احقاب ، فلنحذر من من خلق الفراغ بتمييع الاحزاب السياسية والاستمرار في بلقنة الحياة السياسية ..
وفي مقابل هذا الطرح نؤكد أن العمل الجمعوي الجاد والهادف ركيزة من الركائز الأساسية لتحقيق الديموقراطية والتنمية . فالديموقراطية لا تقوم على اختيار المنتخبين فقط بل على مساهمة المجتمع كله . ان الاحزاب والنقابات والجمعيات والاعلام ...ركائز محورية للديموقراطية ، فإذا كانت الاحزاب تقرر فالجمعيات تقترح ، تراقب وتنتقد ، وتطالب بالتغيير والتصحيح ، والنقابة تدافع عن مصالح العمال.....
ان ما يجمع الحقل الجمعوي / المجتمع المدني والحقل الحزبي / المجتمع السياسي هو التكامل والتفاعل ، فلا مجتمع مدني بدون مجتمع سياسي ، ولا يمكن للاول تجاوز الثاني او الاستغناء عنه .ان المجتمع المدني لا يمثل مشروعا سياسيا ، اقتصاديا واجتماعيا ، ولا يشكل سياسة عمومية . واعتمادا على هذا نقول ؛ ان المجتمع المدني لا يمكنه أن يلغي دور الاحزاب السياسية او مساءلة أسس العمل الحزبي ، ولا يمكن اعتباره ، كما يعتبره البعض لأسباب وخلفيات مختلفة ، بديلا للعمل السياسي المنظم حزبيا...
ان الاحزاب السياسية والجمعيات المدنية يميز بينهما الاختصاص، فالحزب مختص في النشاط السياسي وكافة الأنشطة المؤطرة والمؤدية اليه ، بينما تختص الجمعيات المدنية بالفعل المدني وكل تبعاته  ، وإذا كانت حدود التمييز بين السياسي والمدني صعبة جدا ، فإن الحزب السياسي والجمعية المدنية يتكاملان ، وأن استعمل أحدهما الآخر للوصول إلى أهدافه ، وهو شيء إيجابي في حد ذاته ، لأن كليهما يحسب على التأطير المجتمعي دونم تنافر كما يحاول ان يوهمنا بذلك أعداء الممارسة الديموقراطية الحديثة
مطروح على اذن على الجمعيات المدنية  ان تسند الاحزاب التي تحترم قواعد الممارسة الديموقراطية ، مطروح عليها ان تلعب دورا أساسيا في إصلاح الامور.
ان الممارسة الديموقراطية الفاعلة والناجعة هي التي تقوم على مشاركة فعلية للمواطن ، وعندما أقول المواطن لا أقصد بشرا يشارك في الانتخابات كقطيع ، المواطن له دلالة أرقى وأسمى ، ولا يجوز الحديث عن وجود مواطن اذا كان المرء لا يعير اهتماما الذي ينشأ فيه ويتأثر منه ، بتعبير اخر هذه الثقافة التي يجب التأسيس لها في مغرب الألفية الثالثة ، تحيلنا على تحرك سياسي ، جمعوي وتربوي ، لأن المواطن ليس حالة فطرية ، المواطن لا يخلق مواطنا بصفة طبيعية ، المواطن يتم تكوينه من خلال التربية والممارسة المجتمعية والسياسية ، والمواطنة في المغرب ما زالت في حاجة لأن تقطع أشواطا هامة لتصير مفهوما له دلالة فعلية كاملة ، وعلينا ان نقوم بعملية بيداغوجية بكل معنى الكلمة في هذا الشأن .