الخميس 18 إبريل 2024
فن وثقافة

بالمدرسة العليا للفنون الجميلة.. بوجمعة أشفري يعيد تشكيل "كائناته الرمادية" في حضرة "العين والنسيان"

بالمدرسة العليا للفنون الجميلة.. بوجمعة أشفري يعيد تشكيل "كائناته الرمادية" في حضرة "العين والنسيان" لحسن زينون، حسن نرايس وبوجمعة أشفري (وفي الخلفية أحمد جاريد والطيب العلمي العدلوني)

حينما يكون اليوم يوم جمعة (19 مارس 2021)، والمحتفى به اسمه: بوجمعة، فلا شك أن الزمن سيرسم مكره الجميل في رقعة سيرورته، خاصة وأن المكان مكان رسم بامتياز: المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء.

 

لفيف من الصديقات والأصدقاء تجمعهم المحبة الصادقة، لا مكان للمجاملات الزائفة، أو البروتوكولات "الخاوية". في فضاء مشرع على شميسة دافئة، ناوش الحضور من فنانين ومبدعين ونقاد، وبحضور وازن لطلبة وطالبات المدرسة الذين يعشقون الفن في أبهى صوره الحداثية، بوجمعة أشفري من خلال إصداره الأخير في البحث الجمالي: "العين والنسيان – تأملات جمالية في تجارب فنية".

 

 

كان النقاش عميقا أداره بحكمة الباحث الجمالي الدكتور عبد الله الشيخ. وعبر قراءة أعمق للكتاب، أنجزها المفكر إدريس كثير، أصبح فضاء المدرسة مفعما بحب الفن والجمال، خاصة وأن الفنان سعيد كيحيا (مدير المدرسة العليا للفنون الجميلة) قد فتح للحاضرين قلبه، قبل أن يفتح لهم فضاء المدرسة ويتيح هذه الفرصة الجميلة في زمن عزّ فيه اللقاء.

 

في استهلال الكتاب يعود بوجمعة إلى "الرمادي" الذي طالما اشتغل عليه في مشروعه الشعري، لكنه هذه المرّة يضعه تحت عين (لا) ترى. إنها عين النسيان، فالرمادي كما يقول: «فجيعة الألوان». ولعلّ الرمادي المنفلت عن الضوء كما عن العتمة، هو وحده من يصاحب النسيان في رحلته ضد الموت.

 

 

النسيان هنا هو كل ما تراه العين، كلّ ما يظهر ويتشكّل أمامها، كل ما يبدأ، ثم يصير. هكذا يقدم بوجمعة أشفري قراءته الجمالية للمنجز البصري لمجموعة من الفنانات العالميات، ولا يتخلى في قراءته عن "الرمادي"، والذي بالمناسبة كان قطبا أيقونيا في غلاف الكتاب. فحين يقرأ أعمال ماري جوزي غْوا يقول: "في الرمادي يُعادُ تشكيل الكائنات، أو ما تبقىّ من الكائنات بعد التلاشي، (...) في الرمادي لا أحد يموت"...

 

ومع رائدة العروض الأدائية الصارخة، وصاحبة بيرفورمانس الجسد، مارينا أبراموفيتش يصبح الجسد نقيضا للموت، الجسد الذي يفكر فيما بعد الموت. تنتفي الحدود حينما تضع مارينا جميع المتناقضات في سلة واحدة، ما دام الجسد مسكنها جميعا، لذلك اشتغلت الفنانة على تحرير رغباته، على وضعه في صورة «بداية الوجود». ومع قراءة بوجمعة لمرئيات مارينا أبراموفيتش تتناسل في الذهن أسئلة لا تبحث عن أجوبة بقدر ما تستعذب لذة السؤال: مَنْ تستهدفُ مارينا بتجاربها المابعد حداثية؟ الأنا؟ الآخر؟ هما معا؟ أم الفراغ؟

 

 

خلال ترحال رائع في تجربة الجسد، تشد لغة بوجمعة أشفري الرحال نحو ملامسة الأشياء والظواهر، فتغدو لغة لمْسٍ، أكثر منها لغة صوت. تسعى اللغة على ركوب إحدى أقوى الجوارح صلة بالمرئي، إنها اليد. تلك اليد التي تفكر وتخلق، مثل يد الفنانة إكرام القباج: "وما سؤال الخلق في نهاية المطاف سوى سؤال اليد.. اليد التي تمارس فعل الخلق منذ أن أصابتها لوثة التفكير، لحظة الوقوف على عتبة الوجود"...

 

شكرا الشاعر والباحث الجمالي بوجمعة أشفري، الذي وهبنا بصنيعه هذا لحظات تذوقنا فيها جمال الفن المخلوق بأيدٍ وقلوبٍ أنثوية.

 

شكرا عالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي التي رفرفت روحها على مقربة من رؤوسنا في ذلك الفضاء الجميل...

 

شكرا لحضور بهي لفنانين تشكيليين وسينمائيين وشعراء ونقاد وصديقات وأصدقاء: لحسن زينون، محمد الشوبي، أحمد رشيدي، حسن نرايس، أحمد لطف الله، كمال أندلوس، الطيب العلمي العدلوني، أحمد جاريد، عمر العسري، كريم صلاحي، محمد حميمصة، زينب روميلي، مصطفى البيزادي، عبد الرزاق دوالنجاح؛ وطالبات وطلبة السنة الثانية والثالثة والرابعة بالمدرسة العليا للفنون الجميلة.

 

 

ملحوظة:

يضم كتاب "العين والنسيان" بين دفتيه:

- استهلال.. عينٌ (لا) ترى

1) مارينا أبراموفيتش.. وجها لوجه أمام اللحم

2) جوزي ماري غْوَا.. كائنات لا تُحتمل خفتها

3) كِيِين سُوهلال.. ماذا لو كان القمر جبنا أخضر

4) إكرام قباج.. حجرٌ وجهي ولن أعشق غير الحجر

5) نينار إسبر.. جسدٌ يتحدى تاريخ الفضاء العمومي

6) كوليت دوبلي.. رعشاتُ ما يُشبهُ اليوميات

7) آني كوركيدجيان.. كأني أولدُ من جديد

8) كنزة بنجلون.. المُونوكروم، من الوجود إلى العدم

9) ليلى الشرقاوي.. غَياباتُ الخطوط والظلال

 

وهو مهدى إلى روح عالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي...