الأربعاء 24 إبريل 2024
فن وثقافة

الناقد إبراهيم الخطيب في مدارات : التشرذم أدى إلى خفوت صوت المثقف وغاب النقاش السياسي الحقيقي

الناقد إبراهيم الخطيب في مدارات : التشرذم أدى إلى خفوت صوت المثقف وغاب النقاش السياسي الحقيقي إبراهيم الخطيب، و الإعلامي عبد الإله التهاني(يسارا)

حل الناقد والمترجم الأدبي المغربي الكبير إبراهيم الخطيب، ضيفا في برنامج "مدارات" ليلة الثلاثاء 17 مارس 2021، الذي يعده ويقدمه الإعلامي عبد الإله التهاني. حيث تناول برنامج حوار في الثقافة والمجتمع المسار الطويل للناقد إبراهيم الخطيب، سواء في إنتاجاته النقدية حول الأدب الروائي والقصصي المغربي، أو رصيده المتميز في الترجمة الأدبية، ولاسيما ترجماته النقدية لكتابات النقاد الشكلانيين الروس، وكتابات الناقد والمفكر الفرنسي رولان بارت، وهي الترجمات التي تعكس انفتاحه المبكر، على النظريات والمدارس الجديدة للنقد الأدبي في الثقافة الغربية.

وتناول الزميل الإعلامي عبد الإله التهاني مع الناقد إبراهيم الخطيب ترجماته لروايات الكاتب الإسباني الشهير خوان غويتيسولو، وقصص الكاتب الأمريكي بول بولز، واللذين عاشا في المغرب زمنا طويلا، واستلهما من بيئته العديد من المشاهد في رؤيتهما الأدبية.

في سياق متصل تحدث ضيف "مدارات" عن نشأته ودراسته في تطوان، والملامح الأولى لوعيه الأدبي والفكري، والمقروءات الأساسية التي تركت أثرا في نفسه، مرورا بخلفيات اهتمامه بالإنتاج الأدبي للكاتب التطواني التهامي الوزاني، وشخصيته المتميزة. وتوقف الناقد إبراهيم الخطيب في ذات اللقاء الإذاعي، عند رسائله المتبادلة مع الأديب الإسباني خوان غويتيسولو، والتي أعدها للنشر ، مدليا بانطباعاته حول شغفه بالمسرح والسينما والموسيقى الكلاسيكية، وذكرياته عن رواد عن النقد السينمائي في المغرب.

ناقد وأديب يشرف الساحة الثقافية مغربيا وعربيا

في تقديمه للناقد والمترجم الأدبي إبراهيم الخطيب قال الزميل عبد الإله التهاني"هو واحد من أقطاب الدراسات الفكرية في الساحة المغربية والعربية، الذي راكم مسارا غنيا ومتجددا بمختلف مستوياته التعبيرية...ميزة الناقد إبراهيم الخطيب أنه كان من السباقين في الإنفتاح على إنجاز ترجمات رصينة بكتابات نقدية لأسماء وازنة..على امتداد أزيد من 40 سنة عزز حضوره في المشهد الثقافي بإصداراته ومساهماته المنتظمة في المنابر الإعلامية والمجلات الفكرية والملتقيات والمنتديات الفكرية والثقافية..وجعلته عناوين إصداراته في طليعة الأسماء التي شرفت الساحة الثقافية مغربيا وعربيا".

وعن إصداراته التي أغنت الخزانة الثقافية ذكر الزميل التهاني بعضا من عناوين مؤلفاته وترجماته منها على سبيل المثال لا الحصر، "نصوص الشكلانيين الروس" و"المرايا والمتاهات" و "النقد والحقيقة" و"الدنو من المعتصم" و "البستان" و "الأربعينية" و "من الريف إلى طنجة" و "مديح العتمة".

زمن البدايات وملامح جيل الناقد إبرايهم الخطيب

عن تعليمه الإبتدائي قال ضيف حوار في الثقافة والمجتمع "ولدت في مدينة تطوان، وتلقيت دراستي الإبتدائية بمدرسة الأهلية التي كانت قريبة من بيتنا، وكان والدي مدرسا بنفس المدرسة، حيث درسنا النحو ومنظومة العقائد لابن عشير، ومنظومة الأخلاق لابن الوردي". وانتقل التلميذ إبراهيم للثانوي حيث "بدأ وعيي يتفتح على القراءة، وكنت أمر يوميا في طريقي على خمس مكتبات من بينهم مكتبة النصر التي كانت تتوصل بأغلب المجلات والكتب التي تطبع وتنشر في القاهرة بمصر، وكانت الفرصة مواتية للإطلاع على الكتب والمجلات بالمجان، وانطلق تفتحي على الثقافة المصرية التي كانت حديثة العهد في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي".

ومن حسن الصدف التي صقلت موهبة التلميذ إبراهيم الخطيب ومنحته فرصة تعلم اللغات الأجنبية أوضح ضيف الزميل التهاني قائلا: " كنا نتلقى دروسنا باللغة العربية والإسبانية، وكذلك اللغة الفرنسية التي درسها لنا أساتذة جزائريين، واكتسبت إزدواجية في اللغة الإسبانية والفرنسية"

جدل ونقاش بين المجددين والمحافظين

"في الرباط لم أكن أعرف جميع الصحافيين والمثقفين، ولكن مجالستي للبعض منهم (خالد الجامعي وعبد الجبار السحيمي) منحتني فرصة نقاش الأوضاع الثقافية والسياسية، لأن الوضع كان حاملا لتغيرات كبيرة في البلد، وكان لابد من الإنحياز لجهة دون أخرى من خلال الثقافة، المتمثلة في الجيل الجديد الذي يقرأ بلغات متجددة..أعتبر الحداثة شيء ضروري لتحريك المياه الراكضة بوسائل جديدة" يقول الناقد إبراهيم الخطيب.

حديث في النقد

وعن تكوينه النقدي أوضح بأن " تكويننا النقدي في بداية السبعينيات كان يعتمد على الثقافة الوافدة من الشرق (مصر و لبنان) وكان تأثير مصر جليا خلال الفترة الناصرية..لكن مع مرور الوقت بدأ يظهر أن هناك سيطرة إيديولوجية تتخلل النقد الأدبي..هذه الحدة لا تفتح الأبواب لأي تحديث نقدي" .

واستحضر الأديب المترجم يوم قدم له " خالد الجامعي كتاب (نظرية الأدب)، ولم أكن حينها أعرف النقاد الشكلانيين الروس، قرأت الكتاب وتأثرت بتحليلاته، فبادرت إلى اقتناء نسخة شخصية وشرعت في قراءته وتحديد النصوص التي يجب البداية بها للتقرب من الشكلانيين الروس، وكان مقالي الأول الذي نشرته بمجلة أقلام، حيث فتح لي الباب وبالتالي حاولت تقريب إنتاجهم النقدي إلى الثقافة المغربية".

وبخصوص رائد البنيوية الناقد والمفكر الفرنسي رولان بارت قال الضيف "رولان بارت كان له حضور قوي في الجامعة، وكانت محاضراته تستقطب عدد هائل من الطلبة والمستمعين." وأفاد بأن "محاضرته حول إيميل زولا، لا يمكن تصور عدد الحاضرين لها وهو يتحدث عن إيميل زولا، من وجهة نظر تحليلة (البنيوية)". وعن ترجمة كتاب هذا الأخير "النقد والحقيقة" أوضح بأن "الكاتب محمد برادة راجع معي ترجمتي لكتاب النقد والحقيقة..ما أثار انتباهي أن الأمر يتعلق بالنقد الجامعي التخصصي حيث أراد تغيير تقاليد الجامعة الغربية.." على اعتبار أن "النقد الجديد يهتم بالنصوص أكثر من السياقات التاريخية والظروف المحيطة بالنصوص". وقال مستطردا "لقد وجدت في الكتاب فرصة لتوجيه الدراسة الجامعية للأدب لفتح نافذة جديدة لتطوير الدراسة الأدبية في الجامعة".

عن اهتمامه بشخصية المثقف التطواني التهامي الوزاني

"اهتمامي بالتهامي الوزاني بدأ منذ صباي، لأن المدرسة الأهلية التي كنت أدرس بها كان الرجل مديرها، وأتذكر أثناء قيامه بمهامه الإدارية كنا نخرج لتحيته وكان البعض منا يتمسح بجلبابه الذي تفوح منه رائحة العطر والبخور والعطور الشرقية" يقول ضيف برنامج "مدارات". واستحضر يوم اقترح "على اتحاد كتاب المغرب في عهد الكاتب أحمد اليابوري، ورقة ثقافية تروم تنظيم ندوة حول أعمال التهامي الوزاني، وانطلقنا في تهييء الندوة بتكليف من رئيس اتحاد كتاب المغرب بتنسيق مع المجلس البلدي لتطوان، حيث تم جمع كل المداخلات وأصدرناها في كتاب خلال فترة الرئيس الشاعر محمد الأشعري".

لقاء مع خوان غويتيسولو

وكانت لضيف "مدارات" فرصة للحديث عن إلمامه بالثقافة الإسبانية وصلاته الأدبية بالكاتب الإسباني الشهير خوان غويتيسولو على مستوى ترجماته الأدبية "تعرفت على الرجل أوائل الثمانينات في حفل استقبال الملحق الثقافي الإسباني بالرباط بالمكتبة الإسبانية، كان اتسقبالا رائعا..وبعدها سلمني خوان غويتيسولو رقم هاتفه بمدينة مراكش، واستمرت علاقتنا واتصالاتنا سواء بواسطة الهاتف أو عن طريق الرسائل التي كانت تحوي مطارحات وتأملات فكرية" وأضاف موضحا بأن "الرجل يعيتبر آخر المورسكيين، الذي اهتم بالثقافة العربي والإسلامي اهتماما كبيرا" في هذا السياق استشهد الأديب والناقد إبراهيم الخطيب بكتاب (من السكة إلى مكة) الذي خصصه صديقه خوان غويتيسولو للدراسات السوسيولوجية والثقافية سواء في المغرب أو إيران أو تركيا وتونس والجزائر...على اعتبار أنه "مقتنع بأن العالم العربي والإسلامي لابد من الإهتمام بهما".

حديث عن "بستان" الكاتب الأمريكي بول بولز

"بدأ شغفي باللغة الإنجليزية بالرباط بعدما التحقت بالمدرسة الأمريكية لتعلم اللغة الإنجليزية، وقضيت سنتين ببلجيكا بعدما إلتحقت بمدرسة تعلم الترجمة تحت إشراف مشرفين يتابعون الترجمات، وكان عندي اهتمام دائم بالكاتب الأمريكي بول بولز، كونه استمد العديد من قصصه ورواياته من البيئة المغربية بعد أن جال بربوع المغرب"، يوضح إبراهيم الخطيب الذي أكد على أن كتاب (البستان) "إخترت فيه قصصا من واقع المغرب ومحكيات أصدقاء الكاتب حول الحياة العادية في المغرب"

حديث في السرد و الترجمة

على اعتبار أنه صوت منتج للنقد بغزارة قال الناقد إبراهيم الخطيب "صحيح أن الكتب التي أترجمها تعرف طريقها للطبع والنشر، لكن مقالاتي ظلت منتشرة ومتفرقة في العديد من المجلات والمنابر الإعلامية، ولم أتمكن من جمعها ونشرها، منها كثير من نصوص النقد الروائي..في الحقيقة الترجمات تجد الناشر والتعويض موجود "، وأكد على أنه "لم أنشر كتابتي الشعرية والتي كانت عبارة عن محاولات في فاس، ولست متخصصا في القصة القصيرة ولكني كتبت ثلاثة قصص مستمدة من شخصيات مثل قصة زوجة التهامي الوزاني (امرأة في ضوء القمر) وقصة عن الطريس (الزعيم) وقصة عن وفاة الشاعر المجاطي (موت الشاعر).

وبخصوص المسرح قال " نشرت في البداية بمجلات حول المسرح المغربي وكتبت عن الطيب الصديقي وعن مسرح نبيل لحلو، وعن الوضع السياسي في مصر والمسرح القومي المصري، لكنني لم أواصل الإهتمام، رغم أنني شاهدت الكثير من مسرحيات الهواة والإحترافي". واستطرد قائلا: "كنت تحدتث في مقالة عن اهتمامي بالسينما منذ طفولتي، حيث كان بجوار حينا في تطوان قاعة سينما المنصور تعرض أفلاما مصرية وهندية ، ومنذ صباي اهتممت بالسينما وكنت كثير الدخول لمشاهدة الأفلام..وتعرفت على قاعات سينمائية أخرى كانت تعرض أفلاما أوروبية مترجمة باللغة الإسبانية في مرحلة الثانوي".

لكن ضيف مدارات سيعزز حضوره سينمائيا بعد انتقاله لمدينة الرباط "كنت حريضا على متابعة النقاش الذي يدور بعد نهاية الأفلام التي يعرضها النادي السينمائي في حضرة الناقد السينمائي نور الدين الصايل" وشدد على أنه "عرفت السينما في تطوان ولكن عرفت أن الفيلم يمكن أن يتم تحليله في الرباط يحضور نور الدين الصايل".

حديث في السياسة و "صمت المثقف"

الناقد والمترجم إبراهيم الخطيب من المثقفين الذين ناصروا الحرية والعقلانية والحداثة لكنه بقي حذرا من السياسة كاصطفاف مذهبي ـ يقول الزميل عبد الإله التهاني ـ حيث أوضح الضيف قائلا: "بطبيعة الحال دائما كان الهدف ليس القطيعة مع السياسة ، لكن تحقيق مسافة البعد والإهتمام بالثقافة باعتبارها مؤسسة للتفكير السياسي..لم أكن قط عضوا في أي حزب..علاقتي مع عبد اللطيف اللعبي أو السرفاتي لم يكن الهدف منها هو الإقتراب من السياسة أكثر من الثقافة".

وأشار الناقد إبراهيم الخطيب إلى "أن هناك فتورا في مجال النقاش الثقافي بسبب عوامل وتراكمات عديدة، فعدد من المجلات اختفت تماما كما هو الحال بالنسبة لدور النشر التي كانت تنشط لكنها اختفت كذلك رغم تطور وسائل الطباعة، وخفتت حدة الصراعات الإيديولوجية لم تعد هي المهيمن، أصبحت الثقافة عنصر أساسي في تفكير الناس..."

وعن صمت المثقف أوضح بأنه "في فترات سابقة كان المثقف يقود النقاش السياسي، ومع مرور الوقت خفت حدة النقاش وأصبح كل واحد يهتم بقطاعه ومجاله الخاص"، وشدد على أن "التشرذم هو الذي أدى إلى خفوت صوت المثقف" واستغرب بسبب غياب النقاش "داخل الأحزاب لم تعد هناك نقاشات سياسية حقيقية".