الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: مَن قال إن المرجعية الإسلامية الحزبية ستُحدِثُ التغييرَ بالبلاد؟

أحمد الحطاب: مَن قال إن المرجعية الإسلامية الحزبية ستُحدِثُ التغييرَ بالبلاد؟ أحمد الحطاب
الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية، أينما وُجِدت، وكيفما كان إدراكها لمفهوم السياسة بمعناه النبيل، هدفُها الأساسي، كباقي الأحزاب السياسية الأخرى، هو الوصول إلى السلطة. و الوصول إلى السلطة هدف مشروع تضمنه الدساتير في جميع البلدان الديمقراطية. لا أحد يُجادل في هذا الأمر.
لكن، عندمآ تدَّعي الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية أنها تُمارس السلطةَ بوصاية من الله و من أجل إعلاء كلمته، فهذا استهزاء بعقول الناس. لماذا؟ أولا، لأنه لا توجد وساطة في الأمور الدينية في الإسلام كما هو الشأن عند المسيحيين (الكنيسة) أو عند الشيعة (المرجعية الدينية). ثانيا، الدين (العبادات) أمر محصور بين الخالق و المخلوق. ثالثا، إن الله يُحاسب عباده فردا فردا، أي أنه لا يحاسب عمراً بما اقترفه زيدٌ من ذنوب.
ولهذا، فإن ادِّعاءَ الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية ليس إلا ذريعةً أو مطيَّةً يركبونها للوصول إلى السلطة و إلى ما توفِّره من امتيازات. و الواقع هو الذي يشهد على ما أقول.
وقد يقول قائل : المواطن هو الذي يصوِّت على الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية لتصل إلى السلطة. نعم و بكل تأكيد. لكن، يجب أن لا ننسى أن المواطن، عادةً، يصوِّت من أجل التغيير، أي التغيير الذي يستجيب لتطلُّعاته الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية.
وهذا هو ما حدث في بلادنا عندما صوَّت المواطنون على حزب العدالة و التنمية. أما المرجعية الإسلامية لهذا الحزب، فإنها كانت بمثابة الحافز القوي الذي دفع المواطنين للتصويت لصالحه ظانين أن هذه المرجعية هي الضامن لاستقامته وتشبثه بالقيم السامية التي ينص عليها الدين الإسلامي.
غير أن الواقع بيَّن و بوضوح أن الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية لا تختلف عن الأحزاب الأخرى إذ، بمجرد ما تصل إلى السلطة (برلمان و حكومة)، تدخل نَفَقَ النِّفاق ناسيةً أو متناسيةً أن وراءها مواطنون صوَّتوا من أجل التغيير. والواقع، كما سبق الذكر، يشهد على ذلك.
بالنسبة لبلادنا، يكفي أن نتذكر بعض الأحداث لنقفَ عند المنسوب العالي للنفاق السياسي لحزب أوصله المواطنون إلى السلطة لأن مرجعيتََه إسلامية. فلنتذكر : حصول رئيس الحكومة السابق عل تقاعد ريعي لم يدفع من أجله و لو سنتيما واحدا، إصلاح صندوقي التقاعد و المقاصة على حساب المواطنين، قضية بيليكي، التناقض الصارخ فيما يخص إعادة العلاقات مع إسرائيل، تجاوز القانون و الدستور من طرف وزيرين لم يقوما بتسجيل مَن يشتغلون بمكاتبهم في صندوق الضمان الاجتماعي، وقوف بعض الوزراء ضد المقاطعة، الانتقاد الذي يتعرَّض له الحزبُ من داخله ومن طرف بعض قياداته منبِّهين أن الحزب قد زاغ عن مبادئه، عدم إصدار موقف واضح حول الخروقات القانونية والأخلاقية لوزرائه وكبار قيادييه، ازدواجية الخطاب والمواقف أو النُّطق بلسانين حسب ما تقتضيه مصالح الحزب الضيقة، الكذب على المواطنين كلما دعت ضرورة الحفاظ على مصلحة الحزب إلى ذلك، فشل الحزب في محاربة الفساد باعتراف رئيس الحكومة السابق بقوله : عفى الله عن ما سلف، فشل الحزب في تحقيق وعوده الانتخابية، استقالة العديد من الأعضاء والقياديين من الحزب...
و خلاصة القول، حزب العدالة و التنمية يكيل بمكيالين أو يتصرف بوجهين : وجه يتماشى مع موقعه في الحكومة كقائد لها و وجه يُرضي به مُنتَخِبِيه. و في هذا الصدد، فإنه لا يختلف على الإطلاق عن الأحزاب الأخرى. إنه، على غرار هذه الأخيرة يسعى جاهدا للظفر بالسلطة و امتيازاتها المشروعة و غير المشروعة و بالتالي، فإنه فقد مصداقيتَه و بدَّد كل الآمال التي كان يعلِّقها عليه المواطنون في إحداث التغيير. إنها قمة النفاق السياسي.
و هنا، تحضرني آية من القرآن الكريم يقول فيها سبحانه و تعالى : "وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ" (البقرة، 14).