Wednesday 10 December 2025
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: عندما تتطاول وسائل التواصل الاجتماعي على المجال الحصري للبحث العلمي؟!!

محمد عزيز الوكيلي: عندما تتطاول وسائل التواصل الاجتماعي على المجال الحصري للبحث العلمي؟!! محمد عزيز الوكيلي
حتى يكتمل العنوان أعلاه، ربما كان جديراً بي أن أضيف تعبيراً واصفاً من قبيل: "فتلك مصيبة عظمى"، أو تعبير: "فانتظر الساعة"... كوصف قادحٍ لما ينتج بالبداهة عن انتقال مجالات البحث العلمي إلى التداول بين أيدي الأُمّيين علمياً، وبالتالي إلى الابتذال، والعلم بالذات كما نعلم جميعاً، لا يقبل الابتذال مطلقاً، وبأي شكل من الأشكال، وبأيِّ مبرر من المبررات!!
 
النموذج، الذي أودّ الحديث عنه هنا، يتعلق مرة أخرى بالجسم الفضائي الذي أطلق عليه "العلماء الحقيقيون"، تمييزاً عن علمائنا، اسم: 3إي/أطلس "3i/atlas"، والذي قالوا إنه أتى من خارج منظومتنا الشمسية، وبالتالي فهو مسافر "عبر كوكبي" interstellaire، ورفضوا أن يُصنِّفوه مُذَنَّباً بعد أن لاحظوا أنه يتخذ سلوكاً لا يشبه في شيء سلوك المذنبات التي أَلِفْنا ظهورَها في منظومتنا الشمسية، وتَحَدّث بعضُهم عن احتمال أن يكون جسماً شديدَ القِدَم آتياً إلينا من عُمق السنين، سواء من داخل مجرتنا أو من مجرة أخرى تَقْرُب من مجرّتنا أو تَبعُد، وأطلقوا في شأنه عدة احتمالات، أو بالأحرى فرضيات، مبنية على ذلك السلوك الغريب وغير المعتاد والمخالف لكل توقعاتهم، من بينها أنه قد يكون حاملاً لرسالة فضائية كونية يُفترض أن نلتقطَها نحن ونستوعبَها ونتصرف مستقبلاً على ضوئها... 
 
وذهب بعضهم، وأقصد دائما "العلماء حقّاً"، إلى القول إنه قد يكون مركبةً فضائية بالغة التطور، تتقمّص شكلاً صخرياً وتنتحل بذلك صفةَ مُذَنّب، على سبيل التماهي والتخفّي، واستنتج هؤلاء ذلك من صدور موجات متنظِمة من داخل ذلك الزائر الغريب، تَبيّن لهم بعد تحليلها بواسطة الذكاء الاصناعي أنها تحمل أشكالا هندسية أشبه ما تكون باللغات القديمة التي زخرت بها نقوش الحضارات الأرضية الغابرة، كتلك التي عثروا عليها بين آثار حضارات المايا، والأنكا، وبعض المآثر السومرية، التي يعتقد بعض العلماء أنها صادرة عن كائنات فضائية نزلت إلى الأرض في زمن من الأزمنة الغابرة، وأنّ تلك الكائنات، ربما هي المسؤولة عن بناء الأهرامات في كل من مصر وأمريكا اللاتينية، وخاصة في البيرو والمكسيك ونحوهما، حيث تم العثور على نقوش تثبت وجود حضارات كانت قد بلغت شأواً من التقدم لم نحققه نحن بَعد(!!!)، حتى أن بعض تلك النقوش الحجرية قدّمت رسوما عن عمليات جراحية لزرع الأعضاء، أخذ عنها علماء عصرنا طُرُقاً عبقريةً وثوريةً في محاربة ظاهرة "رفض أجسام المرضى استقبال الأعضاء المزروعة"، وذلك بحقن المريض المستقبِل بمصل مأخوذ من دم "امرأة حامل في طور الوحم"، على اعتبار أن أعراض الوحم تنجم عن رفض جسم المرأة الحامل للجنين عند بدء تكوّنه داخل رحمها، وأن جسمها ينتج مصلاً دمويا يقلص أعراض رفضها البيولوجي للجنين، وهذه الطريقة الفَذّة لم تكن معروفة لدى أخصائيي زرع الأعضاء في عصرنا، وقد أخذوها بعد ذلك عن تلك المنقوشات وأخضعوها لتجارب سريرية ناجحة (**) !!!. 
 
لا بأس... فقد أخذني موضوع الجسم الفضائي إلى أمرٍ آخرَ مختلفٍ، ولكنه ذي صلة به من حيث ارتباطُه بتطور الحضارات، ويحمل إلينا معطيات تجعلنا نعيد النظر في درجة تطوُّرنا مقارنة بالحضارات الغابرة، وهذا مجال يحاول علماء عصرنا تجاهله، أو إزاحته جانباً، لأنه يُوَلِّد لديهم حرجاً شديداً، من منطلق اعتقادهم بأننا اليومَ أكثرُ تقدماً وتطوُّراً من كل الحضارات السابقة... وقد اتضح بفضل تلك الآثار والمنقوشات وغيرها أن هذا الاعتقاد غيرُ سليمٍ البتّة (!!!).
 
ونعود إلى زائرنا الفضائي، وتحديداً إلى ظهوره في وسائل التواصل الاجتماعي، التي نعلم جميعاً أنها من إنتاج وتنشيط أناس يمكن وصفهم بأي نعتٍ آخَرَ ماعدا أن يكونوا علماء، لأن العلماء لديهم مجالاتهم الحصرية، من مراكز ومعاهد، ومن مجلاّت شديدة التخصص، يتداولون من خلالها اكتشافاتهم وفرضياتهم ونظرياتهم بعيداً عنا، نحن "الأميون" مقارنةً بتخصصاتهم العلمية الدقيقة، والخاضعة لأشدّ المعايير صرامةً، فماذا كانت النتيجة؟!.
 
لقد بدأنا نُطالع يومياً، وعلى مدار الساعات، فرضيات ونظريات وتخمينات واحتمالات وتوقُّعات لا علاقة لها بالعلم من قريب أو بعيد، فسمعنا وقرأنا وشاهدنا ظهور ذلك الجسم في صور، لا نعرف من أين أتى بها هؤلاء المُتطاوِلون، تُقدِّمُ لنا تكويناً معدنياً ميكانيكياً لذلك الزائر الفضائي، وتدّعي أنّ "لاناسا" وغيرها من مراكز الرصد والسبر تأكدت من مصدره الفضائي ومن ركّابه أو ساكنيه، وزعموا تارةً أن طوله يزيد عن طول خريطة الولايات المتحدة الأمريكية، وأن قطره لا يقل عن أحد عشر كيلومتراً، وقال بعضهم أربعين كلم، وجعلوا له تارةً أخرى ذَنَباً تابعاً قالوا إنّ طوله يبلغ أكثر من مليون كيلومتر... وبناءً على ذلك لم يجد بعضهم حرجاً في ربطه بعلامات الساعة، وبقرب ظهور الدجال (أيُّ دجّال؟!!) وبالتالي الظهور الوشيك للمهدي المنتظر (وأيُّ مهدي هذا أيضاً؟!!)... وهَلُمَّ عَبَثاً وخُرافيةً!!.
 
وبطبيعة أحوالنا البئيسة، وجد بعضُ سلفيينا كعادتهم الفرصةَ سانحةً لإعادة بعث أسطواناتهم المشروخة حول نهاية الزمان، وظهور الدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، وهذه رغم كونها حقيقة قرآنية فإن القول بظهورها الآن هو عين المعضلة... حتى أن بعض هؤلاء أقسم أن هذه الكائنات بدأت تخرج وتظهر فعلاً من فُوّهة أرضية موجودة في الأنطركتيكا، بالقطب الشمالي... وأن "لاناسا" وباقي المراكز وعلماء الفضاء العاملين بها تيقّنوا من وقوع ذلك، وإنما حرصوا على إخفائه عنا، نحن الأميون، مخافة انتشار الفتن... وما خَفِيَ كان أعظم... وهل بعد هذا العبث الفكري والمفاهيمي مِن فِتَن؟!!.
 
المعضلة قائمة، الآن، وتأثيرها المباشر وغير المباشر في تشكيل العقل الجمعي لا مفر منه، عن طريق إقناعه بأن هناك أمراً جللاً يخفيه عنا العلماء العالمون بحقائقه وتفاصيله، ووسائل التواصل الاجتماعي وللااجتماعي ماضية في سلوكها المرتبك تنشر المزيد من الجهل باسم العلم، والمزيد من الارتباك الفكري والمفاهيمي باسم متابعة الأبحاث العلمية... إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا !!.
 
الصُّوَر، كل الصُّوَر، التي تعرضها علينا وسائل التواصل الاجتماعي بخصوص ذلك الجسم الفضائي ليست حقيقية، وإنما أُنجِزَ بعضُها بتقنيات الذكاء الصناعي، وبعضُها الآخر كان نتاج "خيالٍ لاعِلميٍّ" يستفز ذكاءَنا، ويُمَطْرِق رؤوسَنا بمعطياته المتناقضة والمتنافرة، والتي لا صلة لها حتماً بأبحاث ودراسات ومتابعات علماء لاناسا وغيرها من مراكز البحث العلمي ومَراصِدِه ومَسابِرِه، الذين أخلدوا هم الآخَرون إلى صمت القبور لحاجات في نفوسهم يقضونها على حساب إدراكِنا ووعيِنا بما يدور حولنا من غريب الأحداث والظواهر وكأننا قاصرون، أو كأننا كائنات دونية قَدَرُها أن تستقبل الأحداث وتتأثر بها لا أن تُسهِم في صناعتها... ولله في خلقه شؤونٌ وحِكَم!!!.


محمد عزيز الوكيلي/ إطار اربوي متقاعد