الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

نجمي في "مدارات" التهاني: الثقافة المغربية ليست ترفا، إنها نسغ جوهري في دوحة المغرب العظيم (2/3)

نجمي في "مدارات" التهاني: الثقافة المغربية ليست ترفا، إنها نسغ جوهري في دوحة المغرب العظيم (2/3) الشاعر حسن نجمي (يمينا) والزميل عبد الإله التهاني

كانت أولى الحلقات التي دشن بها الزميل عبد الإله التهاني برنامج "مدارات" المتخصص في حوار الثقافة والمجتمع، قد استضاف فيها الكاتب والشاعر والإعلامي حسن نجمي الذي نحت مساره الثقافي والإعلامي والجامعي على نحو رصين وجاد ومنتظم العطاء والإسهام، حيث ظل يزاوج بين الكتابة الأدبية والممارسة الصحفية اليومية والبحث الجامعي"، وقد تمت إعادة بث هذه الحلقة مساء يوم الأحد 2 غشت 2020 على أمواج الإذاعة الوطنية.

"أنفاس بريس" تابعت مع المستمعين(ات) حلقة "مدارات"، وتنشر مضمونها عبر ثلاث حلقات متتابعة تعميما للفائدة.

 

تأثير الثقافتين العربية والغربية في مخيال نجمي

بتواضع الكبار يتحدث الشاعر والكاتب حسن نجمي في هذا الجانب قائلا: "لكي يكون الكاتب، كاتبا حقيقيا، (ولا أزعم أني كاتب حقيقي، أتطلع لأكون كذلك)، لا ينبغي أن يظل محليا، ينبغي أن يوسع الآفاق، وأن يتعلم من التجارب الإنسانية في الكتابة وفي الإبداع وفي الإنتاج الجمالي والفكري". موضحا "أحسست في لحظة من لحظات التحول والتطور وتعميق خبرتي وتجربتي الجمالية، أن الاكتفاء بالمرجعية العربية المشرقية وحدها لا يمكن أن تسعف النص الأدبي (الشعري والسردي) المكتوب بالعربية، في المغرب على التطور".

لذلك يصر حسن نجمي على أنه "يجب أن ننفتح على مرجعيات إنسانية. ربما كانت هناك أجيال في الماضي من شعرائنا المغاربة الرواد يجيدون اللغة العربية وحدها. الآن الأجيال الجديدة في الكتابة الأدبية المغربية تجيد لغات متعددة.. هناك من يتقن الألمانية ومن يتقن اللغة الإيطالية، ومن يتقن الإنجليزية والإسبانية... وهذا ينعكس اليوم على النص الأدبي في المغرب المكتوب باللغة العربية بالإيجاب.. أصبحنا اليوم أمام أجيال جديدة تنتج نصوصا شعرية وسردية ذات قيمة عالية، وفي كثير من النماذج الأدبية المغربية هناك تفوق واضح، على ما ينتجه معظم أشقائنا في المشرق العربي. لا أقول هذا من باب الشوفينية ولا من باب المفاضلة".

ويستطرد في حديثه من شرفة "مدارات" الأدبية مؤكدا أن "إخوتنا في المشرق العربي أصبحوا اليوم يعترفون ويحسون بقيمة النص الأدبي المغربي وبتميزه. وبالتالي تطور الكتابة المغربية شعرا وسردا في حاجة إلى هذا الانفتاح على الجغرافيات الشعرية والأدبية الإنسانية. لذلك عندما أقرأ لكتاب كبار سواء من الأرجنتين أو فرنسا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال، ومن الصين واليابان وأمريكا الشمالية ومن إفريقيا أيضا.. عندما تكتشف هؤلاء وتقرأ لهم بعمق، تتعلم منهم، تتعلم من تقنيات جديدة في الكتابة، تتعلم من أنواع مختلفة من المتخيل الأدبي الإنساني.. كل هذه القراءات تمد كتاباتنا بنسغ جديد وبقشعريرة جديدة، وتمنحنا لمسة مختلفة مثل ما يفعل الآخرون في اللغات الأخرى وفي الجغرافيات الأخرى. عندما يقرأوننا ويقرأون العالم العربي ويقرأون النص العربي الذي ينتجه العرب من الخليج إلى المحيط أيضا يكتشفون قارة أدبية مختلفة، لكنها بدون شك تخدمهم وتسعفهم في تطوير كتابتهم وفي العثور على آفاق جديدة.."

ليخلص الشاعر إلى أن "المقارنات والأسفار التي يقوم بها الكاتب في مختلف الجغرافيات الأدبية معناه أنه يتسلح... معناه أنني أتعلم كثيرا من قراءاتي لشعراء ولكتاب أساسيين في مختلف اللغات الأخرى من خلال اللغة العربية إذا كانت هناك من ترجمات جيدة.."

 

نجمي وسؤال التدبير الثقافي بالمغرب

يعتبر رئيس اتحاد كتاب المغرب سابقا، في حديثه عن السياسات الثقافية بالمغرب أن "الجهد والمنجز الثقافي الكبير الذي ينجز في الساحة الوطنية المغربية يقوم به المجتمع المدني. لا أقول بأن الدولة لا تفعل شيئا في المجال الثقافي، لكن ربما الدولة والحكومة وصناع القرار الثقافي في المغرب مدعوون أكثر لدعم مبادرات المجتمع الثقافي، ربما لأن المجتمع المدني الثقافي في الممارسة الثقافية انطلق قبل العمل الحكومي في هذا المجال".

في السياق التاريخي للفعل الثقافي بالمغرب أوضح حسن نجمي قائلا: "المجتمع المدني بدأ في ممارسته الثقافية المنظمة قبل أن تخلق وزارة مكلفة بالشؤون الثقافية سنة 1968.. كان المغرب أول مرة يشكل في حكومته قطاعا ثقافيا رسميا".

واستحضر نجمي إشراقات ولادة هيئات المجتمع المدني الثقافي والإعلامي قبل أن تخلق الحكومة المغربية قطاعها الثقافي الرسمي قائلا: "من قبل كان اتحاد كتاب المغرب قد تأسس في بداية الستينيات. وتأسست النقابة الوطنية للصحافة في سنة 1963. وتأسست المنظمات الثقافية والتربوية الأساسية سنة 1956 . ومجلة أقلام سنة 1964، ومجلة "أنفاس" سنة 1966. وتم تأسيس عدد من الصحف الأساسية في السيتينيات.. بينما أول حكومة مغربية عينت مسؤولا عن القطاع الثقافي وبصفة جزئية هو العلامة المرحوم سي محمد الفاسي الذي كان مسؤولا عن وزارة التربية الوطنية والفنون الجميلة والقطاع الثقافي ملحق بهذه الوزارة. وأحدث المغرب أول وزارة مكلفة بالشؤون الثقافية سنة 1974، مع الحاج محمد أبا حنيني".

حسن نجمي يؤمن في حديثه عن الفعل الثقافي بالمغرب بأن "ما ينجز اليوم في الحقل الثقافي، إن على المستوى الشعبي، أو على المستوى الرسمي رغم أهميته، ما زال في حاجة إلى بوصلة. ما نعيشه على مستوى التدبير الثقافي هو مجرد سياسات ثقافية ومخططات حكومية لإدارة وتدبير الشأن الثقافي الرسمي، في حين أن ما نحتاجه هو أن يقف المغرب الثقافي (في أقرب فرصة) بكل مكوناته الرسمية والشعبية  ليرسم استراتيجية ثقافية وطنية".

ويفسر رؤيته الاستراتيجية بالقول: "الاستراتيجية الثقافية، لا يمكن أن تؤسسها حكومة لوحدها، ولا حزب، ولا نقابة، ولا جمعية من الجمعيات.. لا يمكن لاستراتيجية ثقافية إلا أن تعبر عن إرادة مشتركة موحدة لكل مكونات الأمة. لأن الاستراتيجية الثقافية تمس الحقل التربوي والعلمي والثقافي والإبداعي والجمالي والتراثي أيضا. و تستوعب التوترات اللغوية والثقافية والفكرية".

 

توترات الحقل السياسي انعكاس لمعضلات ثقافية

شدد الشاعر نجمي ضيف "مدارات" على أننا اليوم: "في حاجة إلى هذه الاستراتيجية حتى نرسم المعالم المركزية الأساسية لمسار بلادنا في أفقها الثقافي، خصوصا أن معظم التوترات في الحقل السياسي اليوم في جوهرها وبطبيعتها هي معضلات وتوترات ثقافية بالأساس.. مسألة الهوية، المسألة الدينية، المسألة اللغوية، المسألة النسائية إلى غيرها من القضايا الكبرى.. هي في العمق معضلات وتوترات ثقافية، وبالتالي أنا أومن شخصيا أن الحياة الديمقراطية في المغرب لكي تتعمق ولكي تترسخ لا يمكن أن نكتفي بها بالمعنى السياسي، كانتخابات وكممارسة سياسية أساسية وضرورية ومهمة، ولكن نحن في حاجة أيضا إلى ديمقراطية ثقافية. الخيار الديمقراطي لا بد أن يأخذ بعده الثقافي لكي يضمن لبلدنا أنواع من الاستقرار، و أنواع من التضامن والتكافل الثقافي واللغوي".

لذلك ينبه الشاعر نجمي إلى أن "المواطن المغربي إذا لم يستشعر أن الثقافة الوطنية ليست مجرد كتب، بل هي تكاد تكون رديفا للحياة اليومية. لأن الثقافة هي الكتاب، نعم. وهي المعمار. وهي الطبخ. وهي اللباس والحياكة.. شكل الحديث والتخاطب بين المغربي والمغربي. هذه هي الممارسة الثقافية. كيف نغني؟ كيف نرقص؟ كيف ننظم أعراسنا وحفلاتنا وأفراحنا وأتراحنا؟ كلها تعبيرات ثقافية. لذلك فالجانب الثقافي ليس (خضرة فوق الطعام) الحياة والممارسة الثقافية والثقافة الوطنية المغربية ليست ترفا، إنها نسغ جوهري في دوحة هذا المغرب العظيم".

 

(يتبع)