Tuesday 3 June 2025
كتاب الرأي

ابراهيم ابهوش: كلميم وادنون ...بوصلة أخنوش نحو 2026... من ينجح في قيادة المشهد السياسي بالصحراء المغربية ؟

ابراهيم ابهوش: كلميم وادنون ...بوصلة أخنوش نحو 2026... من ينجح في قيادة المشهد السياسي بالصحراء المغربية ؟ ابراهيم ابهوش

فتح مسار الإنجازات في مرحلته الثالثة الباب أمام تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة حزب الأحرار على إعادة التموقع في جهة كلميم وادنون بصفة خاصة، وفي باقي الأقاليم الجنوبية عامة، لا سيما في ظل المعطيات السياسية الحالية التي تجعل المرحلة أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه.

اعتراف رئيس الحكومة عزيز أخنوش بأن المشاريع المنجزة في الجهة هي مشاريع ملكية، وليست إنجازات حزبية مستقلة، يطرح علامات استفهام حول الدور الحقيقي للحزب في التنمية المحلية، بينما لم تتمكن رئيسة الجهة، امباركة بوعيدة، من تقديم أي جديد بخصوص الحصيلة السياسية على أرض الواقع، مكتفية بإعادة تدوير خطابات سابقة دون تفعيل ملموس يعزز الثقة الشعبية في قيادتها.

حليفها في الحزب نفسه، النائب البرلماني عن دائرة سيدي إفني والوزير مصطفى بيتاس، بدا الطرف الأقوى في هذه المعادلة السياسية، مدعومًا بحضور وازن لأبناء عمومته المناصرين له، من بينهم شخصيات سياسية بارزة مثل حسن الدرهم، رجل الأعمال الباعمراني وصاحب المسار النيابي الطويل في العيون الساقية الحمراء، وعبد الله أوبركا، المستثمر في قطاع المحروقات والصيد البحري ومعامل تصبير السمك، وإبراهيم بوليد، الرئيس السابق للمجلس الإقليمي لسيدي إفني، الذي شكل حضوره المفاجئ وانضمامه لحزب الأحرار نقطة تحول في الحسابات السياسية بالجهة.

هذا الزخم السياسي يعزز التكهنات حول إمكانية تحالف بيتاس مع ابن عمومته محمد أبودرار، المعارض القوي وعضو مجلس الجهة عن حزب الاتحاد الاشتراكي، في خطوة قد تعيد ترتيب التوازنات السياسية في كلميم وادنون، عبر تحالف قبائل أيت باعمران مع مختلف المكونات القبلية والحزبية بالجهة، في علاقة وامتداد نحو باقي الأقاليم الجنوبية المشكِّلة للجهات الثلاث.

حضور أسماء وازنة من القبيلة في لقاء "مسار الإنجازات" يوحي بأن بيتاس يستعد لقيادة الجهة، عبر رسم خارطة طريق تنموية جديدة تضع الأولوية للتفاعل المباشر مع المواطنين وتعزيز المشاريع التنموية المستدامة، بعد سنوات من التهميش السياسي الذي عانت منه الجهة منذ الاستقلال. هذا ما كشفت عنه التحركات السياسية الأخيرة التي تشير إلى توافق محتمل بين بيتاس ورشيد التامك، رئيس المجلس الإقليمي لأسا الزاك، المعروف بشخصيته السياسية القوية ونفوذه الواسع في المنطقة، مما قد يمنح بيتاس دعمًا إضافيًا في سعيه نحو رئاسة الجهة.

في المقابل، قد تجد الأحزاب المنافسة، خصوصًا الأصالة والمعاصرة والاستقلال، نفسها في موقف صعب إذا تمكن بيتاس من حشد دعم واسع داخل الجهة، ما قد يؤدي إلى خسارتها مواقع استراتيجية في الانتخابات المقبلة.

يبدو أن حزب الأحرار يعيد رسم وجوده في الصحراء عبر رهانات سياسية مختلفة، حيث يشير المشهد إلى تعزيز حضوره على مستويات متعددة، من بينها جهة العيون الساقية الحمراء، التي قد تشهد تنافسًا قويًا، خاصة في ظل الحديث عن دعم حسن الدرهم، صاحب الامتداد السياسي الواسع في المنطقة.

أما في جهة الداخلة وادي الذهب، فيُعد الخطاط ينجا رقمًا سياسيًا صعبًا، إذا أعيد انتخابه رئيسًا لمجلس الجهة عن حزب الاستقلال، ما يجعل أي تحركات لحزب الأحرار هناك محفوفة بتحديات كبيرة في ظل نفوذ ينجا، وهو ما يؤشر إلى ظهور تحالفات واستقطابات حزبية لنفس الوجوه البارزة، ولكن بألوان سياسية مختلفة، كما هو الحال في التموقع المستقبلي لعائلة الجماني، والخطاط ينجا، وآخرين على مستوى جهة الداخلة.

في الوقت الراهن، يحافظ حزب الاستقلال على موقعه القوي في جهة العيون الساقية الحمراء، حيث يظل مولاي حمدي ولد الرشيد شخصية سياسية بارزة في المنطقة، يشغل منصب رئيس جماعة العيون منذ سنوات، ويُعد من أبرز القيادات داخل الحزب. نفوذه السياسي والإداري يجعل من الصعب زعزعة مكانته في تدبير المرحلة الحالية، خاصة مع امتلاكه شبكة علاقات قوية داخل المجالس المنتخبة.

رهان حزب الأحرار على التوسع في الصحراء يضعه أمام تحديات كبيرة، فهل سيتمكن من الوصول إلى توافقات مع ولد الرشيد حول رئاسة مجلس المستشارين والجهات والجماعات الترابية؟ يظل هذا السؤال مفتوحًا، إذ إن أي اتفاق سياسي بين الطرفين قد يعيد تشكيل المشهد الانتخابي في المنطقة. أما إذا قرر الأحرار خوض المنافسة بشكل مستقل، فقد يجد نفسه في مواجهة مباشرة مع حزب الاستقلال، الذي يتمتع بقاعدة شعبية راسخة في الجهة.

المسألة لا تقتصر على المنافسة الحزبية فقط، بل تتطلب إشراك مختلف قبائل الصحراء في المشهد السياسي لضمان تمثيل متوازن لمختلف الأطياف، وهو ما قد يسهل عملية تنزيل الحكم الذاتي بشكل أكثر سلاسة، ويؤسس لإشراك فعلي للقوى المحلية في صناعة القرار السياسي، كمدخل أساسي لضمان استقرار طويل الأمد في المنطقة. خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية التي بدأت الأحزاب تستعد لها بقوة، لدرجة أن كل حزب بات يعلن أنه سيقود المرحلة المقبلة، رغم أن ملامح هذه المرحلة لم تتضح بعد.

المشهد السياسي يزداد تعقيدًا مع اقتراب الانتخابات، حيث تسود حالة من الترقب حول قدرة مصطفى بيتاس على إنقاذ ماء وجه حزب الأحرار بجهة كلميم وادنون وتعويض الفراغ الذي خلّفه رحيل عبد الوهاب بلفقيه عن حزب الأصالة والمعاصرة، والذي كان أحد صانعي التوازنات السياسية الكبرى في المنطقة.

ومع ذلك، لا تزال التحالفات السياسية غير واضحة. فهل سيتمكن الأحرار من تحقيق حضور قوي في الانتخابات المقبلة؟ أم أن تحركات المعارضة بقيادة أبودرار ستعيد تشكيل المشهد؟ وهل يكفي الدعم السياسي الذي يحظى به بيتاس لضمان مقعده القيادي في الجهة؟ أم أن ثقة المواطنين لا تزال بحاجة إلى بناء حقيقي قائم على إجراءات ملموسة؟

هل سيكون تحالف بيتاس، التامك، وأبودرار ورقة رابحة تعيد ترتيب المعادلات السياسية وتفتح الطريق أمام امباركة بوعيدة لتولي حقيبة وزارية؟ أم أن المتغيرات ستفرض نفسها بطريقة غير متوقعة؟

الانتخابات القادمة ستكون اختبارًا حاسمًا لهذه التوازنات الجديدة، حيث ستتضح طبيعة التحالفات ومدى قدرة القوى السياسية على إعادة تشكيل المشهد بما يخدم مصالحها في جهة تمتلك مؤهلات تنموية كبيرة، لكنها في حاجة إلى كفاءات سياسية قادرة على إدارتها بفعالية.