Tuesday 3 June 2025
مجتمع

عبد اللطيف أعمو: الطابع الخفي والمُتداخل لظاهرة الفساد يجعل  من المقاربات الوقائية لمكافحتها أمرا معقدا

عبد اللطيف أعمو: الطابع الخفي والمُتداخل لظاهرة الفساد يجعل  من المقاربات الوقائية لمكافحتها أمرا معقدا عبد اللطيف أعمو، نقيب للمحامين وبرلماني سابق 
يُسلّط النقيب عبد اللطيف أعمو، النقيب والبرلماني السابق، الضوء على تنامي ظاهرة الفساد في المغرب، مستعرضًا دلالاتها الخطيرة وانعكاساتها على الثقة في المؤسسات. كما يتوقف الحوار عند فضيحة بيع الشواهد الجامعية كمؤشر على اختلالات عميقة تهدد منظومة القيم والمساواة.  ويقارب الحقوقي أعمو ، في حواره، محدودية نجاعة أجهزة الرقابة رغم تعددها، ويؤكد تعقد المقاربة الوقائية في ظل تغلغل الفساد وتنوع تمظهراته.
وفي ما يلي نص الحوار:
 
 
أثيرت‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬قضية‭ ‬بيع‭ ‬الشواهد‭ ‬الجامعية،‭ ‬ومعها‭ ‬تثار‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرّة‭ ‬قضية‭ ‬البيع‭ ‬والشراء،‭ ‬في‭ ‬الانتخابات،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬المستشفيات،‭ ‬وفي‭ ‬المناصب،‭ ‬وفي‭ ‬المدارس‭ ‬وغيرها،‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬اللّهفة‭ ‬واللّهطة‭ ‬عملتان‭ ‬للفساد‭ ‬المُتفشي‭ ‬في‭ ‬كلّ‭ ‬شيء،‭ ‬بشكل‭ ‬يسيء‭ ‬للبلاد،‭ ‬ويضرب‭ ‬التعاقد‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭. ‬ما‭ ‬دلالات‭ ‬ذلك‭ ‬وكيف‭ ‬تقرأ‭ ‬ما‭ ‬يحصل؟‭.‬‮ ‬
في‭ ‬إطار‭ ‬تعزيز‭ ‬الشفافية‭ ‬والحكامة‭ ‬الجيدة‮ ‬تصدر‭ ‬دوريا‭ ‬تقارير‭ ‬دولية‭ ‬ووطنية‭ ‬لرصد‭ ‬واقع‭ ‬الفساد وخلاصاتها‭ ‬غير‭ ‬مفرحة‭ ‬بسبب‭ ‬تراجع‭ ‬تصنيف‭ ‬المغرب‭ ‬دوليا‭ ‬منذ‭ ‬أزيد‭ ‬من‭ ‬6‭ ‬سنوات‭.‬
 
ويمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬فضيحة‭ ‬بيع‭ ‬الشواهد‭ ‬الجامعية‭ ‬الأخيرة‭ ‬مؤشرا‭ ‬سلبيا‭ ‬وخطيرا‭ ‬يهدد‭ ‬كيان‭ ‬المجتمع‭ ‬برمته،‭ ‬ويهدد‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الارتقاء‭ ‬والمساهمة‭ ‬الجادة‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬تكافؤ‭ ‬الفرص‭. ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬الفساد‭ ‬قد‭ ‬أضحى‭ ‬معطى‭ ‬بنيويا‭ ‬يرهن‭ ‬مستقبل‭ ‬البلاد‭ ‬بكامله،‭ ‬فإن‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬عزل‭ ‬هذا‭ ‬السرطان‭ ‬المستشري‭ ‬في‭ ‬خلايا‭ ‬الجسم‭ ‬المجتمعي،‭ ‬بما‭ ‬يتطلب‭ ‬المشاركة‭ ‬والمبادرة‭ ‬المبنيين‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬تفعيل‭ ‬المواطنة‭ ‬والحرية‭ ‬،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإعلام‭.‬
 
فكيف‭ ‬يعقل‭ ‬أن‭ ‬يتحمل‭ ‬الإنسان‭ ‬الواعي،‭ ‬وهو‭ ‬واقف‭ ‬أمام‭ ‬أبواب‭ ‬الإدارة‭ ‬العمومية،‭ ‬التي‭ ‬تسهر‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصالحه‭ ‬أو‭ ‬إدارة‭ ‬السلطة‭ ‬القضائية‭ ‬التي‭ ‬ينتظر‭ ‬منها‭ ‬الحماية،‭ ‬وهو‭ ‬يتخيل‭ ‬ويتصور‭ ‬في‭ ‬خياله‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬بيده‭ ‬تلبية‭ ‬مطالبه‭ ‬لا‭ ‬يتحرك‭ ‬إلا‭ ‬بدافع‭ ‬الفساد‭ ‬والرشوة‭ ‬والمحسوبية‭. ‬فإذا‭ ‬طفح‭ ‬الكيل‭ ‬وأصبح‭ ‬الفساد‭ ‬ظاهرة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬أخلاقية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬أضحت‭ ‬ظاهرة‭ ‬تهدد‭ ‬كيان‭ ‬المجتمع‭ ‬بكامل‭ ‬هياكله‭ ‬وسلطاته‭ ‬ومؤسساته‭ ‬الدستورية‭ ‬القائمة‭.‬
 
وهذا‭ ‬ما‭ ‬أفرزه‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬احتجاجاته‭ ‬وتنديده‭ ‬بما‭ ‬تم‭ ‬اكتشافه‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الشواهد‭ ‬الجامعية‭ ‬المزورة،‭ ‬التي‭ ‬أثارت‭ ‬اهتمامًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬لدى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭.‬
‮ 
لكن‭ ‬خطورة‭ ‬قضية‭ ‬أو‭ ‬فضيحة‭ ‬بيع‭ ‬الديبلومات‭ ‬الأخيرة‭ ‬-‭ ‬‮ ‬وهي‭ ‬بالمناسبة‭ ‬ليست‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬- تكمن‭ ‬فيما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬خطيرة‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬والمهنية‭ ‬والمجتمعية‭ ‬ككل‭.‬
 
ويفترض‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬المغربي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬وسيلة‭ ‬لتحقيق‭ ‬تكافؤ‭ ‬الفرص،‭ ‬لكن‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬الانتباه‭ ‬له‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬الذي‮ ‬تقترحه‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية‭ ‬يسير‭ ‬بسرعتين،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تصور‭ ‬الإصلاح‭ ‬الجامعي‭ ‬في‭ ‬تقسيمه‭ ‬إلى‭ ‬جامعتين:‭ ‬جامعة‭ ‬ذات‭ ‬استقطاب‭ ‬حر‭ ‬وجامعة‭ ‬التميز‭. ‬فالأولى‭ ‬مفتوحة‭ ‬لكل‭ ‬الشباب‭ ‬الحاصل‭ ‬على‭ ‬الباكالوريا‭ ‬وهي‭ ‬مكتظة‭ ‬بالآلاف‮ ‬‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الفقراء،‭ ‬وكثير‭ ‬منهم‭ ‬يملكون‭ ‬قدرات‭ ‬إبداعية‭ ‬هائلة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مختلفة‭. ‬والجامعة‭ ‬الأخرى‮ ‬‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭. ‬وهي‭ ‬تفتح‭ ‬أبوابها‭ ‬لتكوينات‭ ‬التميز‮ ‬excellence‮ ‬‮ ‬وهي‭ ‬ذات‭ ‬استقطاب‭ ‬محدود‭ ‬وبتكوين‭ ‬مؤدى‭ ‬عنه‭.‬
 
مما‭ ‬يضعنا‭ ‬أمام‭ ‬نظام‭ ‬جامعي‭ ‬مزدوج،‭ ‬بنظام‭ ‬جامعي‭ ‬عام،‭ ‬ضعيف‭ ‬الإمكانيات‭ ‬ومغلوب‭ ‬عن‭ ‬أمره،‭ ‬والثاني‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬بإمكانياته،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬غير‭ ‬محدودة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يستوعب‭ ‬كل‭ ‬مشاريع‭ ‬العبقرية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬العمومية‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬مقاربة‭ ‬معلقة‭ ‬يصعب‭ ‬تقييمها‭.‬
 
وما‭ ‬حصل‭ ‬هو‭ ‬بمثابة‭ ‬انفجار‭ ‬ورد‭ ‬فعل‭ ‬رأي‭ ‬عام‭ ‬أمام‭ ‬خطر‭ ‬يهدد‭ ‬منظومة‭ ‬التربية‭ ‬بكاملها‭. ‬فهذه‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬عالمين‭ ‬متباينين‭ ‬تعزز‭ ‬دوامة‭ ‬الإقصاء‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتهدد‭ ‬مستقبل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬المغاربة،‭ ‬وتنتج‭ ‬أجواء‭ ‬غير‭ ‬صحية‭ ‬ينتعش‭ ‬ويزدهر‭ ‬فيها‭ ‬الفساد‭. ‬ونفس‭ ‬الشيء‭ ‬يسري‭ ‬تماما‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬الصحة‭ ‬والسكن‭ ‬والعدل‭ ... ‬وغيره‭.‬
 
فمن‭ ‬تداعيات‭ ‬هذا‭ ‬الفساد‭ ‬المستشري‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬منظومة‭ ‬التربية‭ ‬والتكوين:‭ ‬فقدان‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬الجامعية،‭ ‬وتشويه‭ ‬صورة‭ ‬الجامعات‭ ‬المغربية‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬المحلي‭ ‬والدولي‭.‬‮ ‬كما‭ ‬تتسبب‭ ‬نفسيا‭ ‬ورمزيا‭ ‬في‭ ‬تضرر‭ ‬الطلبة‭ ‬المجتهدين،‭ ‬إذ‭ ‬يتم‭ ‬مساواتهم‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الشغل‭ ‬مع‭ ‬حاملين‭ ‬لدبلومات‭ ‬“مزورة”‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مستحقة،‭ ‬مع‭ ‬اهتزاز‭ ‬مصداقية‭ ‬منظومة‭ ‬الكفاءة‭ ‬والاستحقاق‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع،‭ ‬وتمس‭ ‬بمصداقية‭ ‬أجهزة‭ ‬وآليات‭ ‬المراقبة‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬وفي‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬ككل‭.‬
‬كما‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬تداعياتها‭ ‬على‭ ‬سوق‭ ‬الشغل‭ ‬ولوج‭ ‬أناس‭ ‬إلى‭ ‬مناصب‭ ‬حساسة،‭ ‬وشغل‭ ‬وظائف‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬والصحة‭ ‬والإدارة‭ ‬والعدل،‭... ‬بدون‭ ‬استحقاق‭... ‬مما‭ ‬يقوض‭ ‬مبدأ‭ ‬تكافؤ‭ ‬الفرص‭ ‬بين‭ ‬المترشحين،‭ ‬ويؤدي‭ ‬حتما‭ ‬إلى‭ ‬انخفاض‭ ‬جودة‭ ‬الخدمات‭ ‬بسبب‭ ‬وجود‭ ‬أشخاص‭ ‬غير‭ ‬مؤهلين‭ ‬مهنياً‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أسلاك‭ ‬الوظيفة‭ ‬العمومية‭ ‬وفي‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭.‬
 
‮ ‬ومن‭ ‬التداعيات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬على‭ ‬المجتمع،‭ ‬تفشي‭ ‬ثقافة‭ ‬الغش‭ ‬والمحسوبية‭ ‬بدل‭ ‬الجدارة‭ ‬والاستحقاق،‭ ‬وجر‭ ‬الشباب‭ ‬المجتهد‭ ‬والخلاق‭ ‬إلى‭ ‬الإحباط‭ ‬واليأس‭ ‬وتغذية‭ ‬الشعور‭ ‬بالظلم‭ ‬وفقدان‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات،‭ ‬مع‭ ‬تزايد‭ ‬الخطاب‭ ‬النقدي‭ ‬تجاه‭ ‬الدولة‭ ‬بشأن‭ ‬ضعف‭ ‬مستويات‭ ‬وآليات‭ ‬الرقابة‭ ‬والردع‭.‬
‮ ‬
 يرى‭ ‬مراقبون‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬يتوفر‭ ‬على‭ ‬معمار‭ ‬رقابي‭ ‬من‭ ‬هيئات‭ ‬الحكامة‭ ‬والمراقبة‭ ‬المالية‭ ‬والوقاية‭ ‬من‭ ‬الرشوة‭ ‬وغيرها‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬المعمار‭ ‬لم‭ ‬يفلح‭ ‬في‭ ‬تطويق‭ ‬الفساد؟‮ ‬
 بالفعل،‭ ‬توجد‭ ‬بالمغرب‭ ‬أنظمة‭ ‬رقابية‭ ‬متعددة‭ ‬على‭ ‬المالية‭ ‬العمومية،‭ ‬منها‭ ‬الرقابة‭ ‬الإدارية‭ ‬والرقابة‭ ‬القضائية‭ ‬والرقابة‭ ‬البرلمانية‭ ‬والرقابة‭ ‬الاجتماعية‭.‬‮ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة،‭ ‬فإنها‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬كبرى،‭ ‬من‭ ‬ضمنها‭ ‬ضعف‭ ‬الاستقلالية‭ ‬ومحدودية‭ ‬إجراءات‭ ‬الرقابة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬فعالة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الحالات،‭ ‬وتأثير‭ ‬عوامل‭ ‬أخرى‭ ‬خارجية‭ ‬مثل‭ ‬الضغوط‭ ‬السياسية‭ ‬واستغلال‭ ‬النفوذ‭ ‬المالي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والمركز‭ ‬الاعتباري‭.‬

 
وتؤكد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬تقارير‭ ‬الهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬للنزاهة‭ ‬والوقاية‭ ‬من‭ ‬الرشوة‭ ‬ومحاربتها‭ ‬بأن‭ ‬الطابع‭ ‬الخفي‭ ‬والمُتداخل‭ ‬لظاهرة‭ ‬الفساد‭ ‬وتنوع‭ ‬تمظهراتها‭ ‬وتجلياتها‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬المقاربات‭ ‬الوقائية‭ ‬لمكافحتها‭ ‬أمرًا‭ ‬معقدًا‭.‬
 
كما‭ ‬أن‭ ‬خلاصات‭ ‬التقارير‭ ‬وآخرها‭ ‬لسنة‭ ‬2024‭ ‬تقر‭ ‬صراحة‭ ‬بأن‭ ‬تنفيذ‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الوطنية‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفساد،‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬التحديات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بضعف‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬الجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬وتدني‭ ‬مستوى‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬المسطرة‭.‬
 
من‭ ‬جهتها،‭ ‬كشفت‭ ‬منظمة‭ ‬الشفافية‭ ‬العالمية‭ ‬“ترنسبرنسي“‭ ‬في‭ ‬تقريرها‭ ‬السنوي‭ ‬الأخير‭ ‬المتعلق‭ ‬بإدراك‭ ‬الفساد‭ ‬برسم‭ ‬سنة‭ ‬2024،‭ ‬بأن‭ ‬المغرب‭ ‬تراجع‭ ‬بواقع‭ ‬مركزين‭ ‬عن‭ ‬تصنيف‭ ‬سنة‭ ‬2023،‭ ‬منتقلا‭ ‬من‭ ‬الرتبة‭ ‬97‭ ‬إلى‭ ‬الرتبة‭ ‬99‭ ‬عالميا‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬180‭ ‬دولة‭ ‬شملها‭ ‬المؤشر‭.‬
 
وبخصوص‭ ‬مؤشر‭ ‬البنك‭ ‬الدولي،فيما‭ ‬يعرف‭ ‬بـ‭ ‬“مؤشرات‭ ‬الحكامة‭ ‬العالمية“،‭ ‬وضمنها‭ ‬مؤشر‭ ‬مخصص‭ ‬لقياس‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الفساد،‭ ‬ودلالته‭ ‬هامة‭ ‬جدا،‭ ‬فهذا‭ ‬المؤشر‭ ‬يظهر‭ ‬بأن‭ ‬المغرب‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬“تصنيف‭ ‬مئوي“‭ ‬قدره‭ ‬33،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬67%‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬وأفضل‭ ‬من‭ ‬33%‭ ‬فقط،‭ ‬مما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مستوى‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬يظل‭ ‬مرتفعًا‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭.‬
 
وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬-‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالا‭ ‬للشك،‭ ‬استمرار‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬وتيرة‭ ‬التراجع‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬مؤشر‭ ‬مدركات‭ ‬الفساد‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2018‭ ‬“حين‭ ‬حقق‭ ‬المغرب‭ ‬أفضل‭ ‬نتيجة‭ ‬له“ قبل‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬المعدل‭ ‬منحى‭ ‬تنازليًا‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬معدل‭ ‬37 / 100‭ ‬هذه‭ ‬السنة،‭ ‬محققا‭ ‬المركز‭ ‬99‭ ‬عالميًا،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬فقدان‭ ‬المغرب‭ ‬لـ‭ ‬26‭ ‬مركزًا‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬سنوات‭ ‬فقط‭.‬
ولنا‭ ‬أن‭ ‬نتصور‭ ‬عواقب‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬وتأثيرها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬بناء‭ ‬وإعداد‭ ‬الإنسان‭ ‬القوي‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬تحديات‭ ‬المستقبل‭.‬
‮ ‬‮ ‬
 هل‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬أن‭ ‬الفساد‭ ‬صار‭ ‬عقيدة‭ ‬داخل‭ ‬داخل‭ ‬المُجتمع‭ ‬المغربي؟‮ ‬
 بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يمثله‭ ‬الفساد‭ ‬من‭ ‬عقبات‭ ‬رئيسية‭ ‬أمام‭ ‬التنمية،‭ ‬يحث‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬اعتماد‭ ‬استراتيجيات‭ ‬شمولية‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬تقاطع‭ ‬قوي‭ ‬بين‭ ‬أهم‭ ‬الرافعات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتوعية‭ ‬والوقاية‭ ‬والردع/الزجر‭ ‬“صادق‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الدولية‭ ‬لمحاربة‭ ‬الفساد‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬سنوات“‭.‬

 
‮ ‬ولتبيان‭ ‬صعوبة‭ ‬الورش،‭ ‬يكفي‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬التقرير‭ ‬الأخير‭ ‬للهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬للنزاهة‭ ‬والوقاية‭ ‬من‭ ‬الرشوة‭ ‬ومحاربتها،‭ ‬الذي‭ ‬تلاه‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬الرئيس‭ ‬القائم،‭ ‬بدل‭ ‬فتح‭ ‬ورش‭ ‬محاربة‭ ‬الفساد‭ ‬بجميع‭ ‬ما‭ ‬يتطلبه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬صرامة‭ ‬وشجاعة‭ ‬سياسية‭.‬
 
‮ ‬والأكيد‭ ‬أنه‭ ‬رغم‭ ‬صعوبة‭ ‬المهمة،‭ ‬فإن‭ ‬تظافر‭ ‬جهود‭ ‬المجتمع‭ ‬ككل‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحقيق‭ ‬تكامل‭ ‬التشريعات‭ ‬وتآزرها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بناء‭ ‬تنظيم‭ ‬إداري‭ ‬شفاف‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬الحكامة‭ ‬الجيدة‭ ‬وتقنين‭ ‬عالم‭ ‬الأعمال‭ ‬وضبط‭ ‬إشكاليات‭ ‬تضارب‭ ‬المصالح‭ ‬والرهان‭ ‬على‭ ‬التربية‭ ‬والتكوين‭ ‬أولا‭ ‬وأخيرا،‭ ‬لتشتغل‭ ‬هذه‭ ‬الأبعاد‭ ‬مجتمعة‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬محاربة‭ ‬الفساد،‭ ‬وتوجيهها‭ ‬نحو‭ ‬تجفيف‭ ‬بؤر‭ ‬الفساد،‭ ‬وتيسير‭ ‬سيولة‭ ‬الخدمات‭ ‬والمعاملات‭ ‬التجارية،‭ ‬وتغيير‭ ‬السلوكيات‭ ‬السلبية‭ ‬لأنها‭ ‬تضر‭ ‬بنا‭ ‬كأشخاص‭ ‬أولا‭ ‬وبمجتمعنا‭ ‬ثانيا،‭ ‬بشكل‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬قيم‭ ‬النزاهة‭ ‬ومبادئ‭ ‬الحكامة‭ ‬المسؤولة‭.‬