الأربعاء 24 إبريل 2024
مجتمع

باحث مغربي يرصد المعضلة الأمنية بمنطقة الساحل الإفريقي ومخاطرها على الأمن القومي الوطني

باحث مغربي يرصد المعضلة الأمنية بمنطقة الساحل الإفريقي ومخاطرها على الأمن القومي الوطني محمد طيار

قارب باحث مغربي المعضلة الأمنية في منطقة الساحل الافريقي ومخاطرها على الأمن القومي المغربي، وقال إن من شأن اصلاح المنظومة الامنية وحكامتها، وترسيخ سلطة مجتمعية قوية، أن يعزز التصدي للسياسات التي تستهدف عزل المغرب وحرمانه من مجاله الطبيعي الافريقي، ويحد من مخاطر الارهاب والجريمة المنظمة.

 

وأضاف محمد طيار، في أطروحة تقدم بها يوم الأربعاء 22 يوليوز 2020 لنيل دبلوم دكتوراه في تخصص الدراسات السياسية والدولية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بعنوان "المعضلة الأمنية في منطقة الساحل الافريقي ومخاطرها على الأمن القومي المغربي"، أن ذلك سيمكن كذلك من "تسهيل الانخراط في المنظومة الدولية في مجال الامن" كانت هذه من بين الخلاصات والاستنتاجات التي توصلت إليها. كما استنتج، أن قيام المغرب على إعادة الحياة الى طرق القوافل الصحراوية القديمة التي كانت تربطه بمجاله الحيوي في بلدان غرب افريقيا وجنوب الصحراء بوسائل عصرية حديثة، من شانه "ضخ دماء جديدة في شريان المغرب الافريقية، بما يضمن تعزيز قوته ومكانته التاريخية ويخدم تحقيق أهدافه الاستراتيجية". وحققت التدابير التي اتخذها المغرب على المستوى الخارجي والداخلي في السنوات الأخيرة، "قفزة نوعية" في ترسيخ مكانة المغرب في مجاله الافريقي، كما أنها "حققت نجاحا منظورا في التصدي للخلايا الارهابية بالاعتماد على سياسة استباقية، تستند على التوظيف الناجح للمعلومة الاستخباراتية. إعادة ربط شعوب منطقة الساحل بالإرث الحضاري المشترك، ونقل مكتسبات الحضارات المتوسطية الى هذه المنطقة.

 

وفي هذا الصدد اعتبر محمد الطيار، أن استحضار الإرث الحضاري والحدود التاريخية للمغرب والتصدي لمخاطر السياسات العدائية التي تستهدفه، يستلزم القيام بإجراءات أخرى منها "إعادة ربط شعوب المنطقة بالإرث الحضاري المشترك والعمل على استحضار الدور المركزي والريادي الذى لعبه المغرب في تاريخ منطقة الساحل وتحمل طيلة قرون، نقل مكتسبات الحضارات المتوسطية إلى هذا الجزء من إفريقيا".

 

وإذا كان المغرب قد استطاع أن يعطى بتنظيمه لقاء الصخيرات سنة 2015 دفعة مهمة في مسار تسوية الأزمة الليبية، فإن الباحث لاحظ أن التغيرات الحاصلة، "تستلزم البحث عن طرق أخرى، تجعله أكثر حضورا في كل المحطات المعنية بالأزمة الليبية وتجعله في مركز حل المشكل"؛ وذلك "لإن تداعيات السباق الدولي المحموم على الظفر بموقع في الملف الليبي من شأنه ان يخلق سياقات جديدة في المنطقة، ليس في مصلحة المغرب ان يكون فيها في موقع المتفرج"، حسب ما استنتجه الطيار.

 

إن موقع المغرب الجيو-استراتيجي القريب من أوروبا واللصيق جغرافيا بمنطقة الساحل، "والأحداث التي تقع حوله سواء في دول الجوار أو على مستوى المحيط الإقليمي، "يتطلب منه اعتماد سياسة متكاملة تتميز بالإبداع في صنع القرار الأمني الوطني في سياق من التهديدات والمخاطر، لا تعترف بالحدود الجغرافية أو الدولية، وفي زمن عولمة المخاطر ونشر ثقافة الخوف التي تقوم على ترسيخ ثقافك التشاؤم من المستقبل".

 

المغرب ليس في مأمن من جراء الأوضاع غير المستقرة في منطقة الساحل

ويرى الباحث أن هذا الأمر هو ما يجعل رصد التهديدات والمخاطر المحيطة بالأمن القومي المغربي وصيانته والحفاظ عليه، يعد "مسؤولية كبيرة ، تتطلب تحقيق التنسيق الفعال بين جميع عناصر القوة الوطنية وبناء استراتيجية خاصة تقوم بتحديد المخاطر والتهديدات المحتملة أو الوشيكة ودرجة حدتها وترتيبها في الأولويات ورسم خطط واقية لمواجهة التهديدات الغير تقليدية ومخاطرها والتعافي حالة حدوثها ووضع الآليات اللازمة لنجاح هذه الاستراتيجية التي تقوم على الاستعداد الدائم والتحسب لوقوع مخاطر غير متوقعة يصعب التكهن بحدوثها أو بآثارها واليقين بالقدرة على مجابهتها والتصدي لها".

 

ولاحظ بأن تداعيات ما جرى فوق الارض الليبية، كان الشرارة التي اشعلت الأزمة في شمال مالي لتتوسع بعدها وتشمل دول النيجر وبوركينا فاسو، والأمر نفسه من المحتمل أن يحدث في بلدان أخرى، وذلك بحكم انعكاسات الأزمة الليبية المتصاعدة على المنطقة، وباعتبار ان الدول المغاربية تشكل الى جانب منطقة الساحل الافريقي، "مركبا امنيا واحدا".

 

وأمام هذا الوضع المتغير بشكل دائم، قال محمد الطيار "يكون الأمن القومي المغربي، معرضا للعديد من المخاطر، فحدوده الجغرافية في تماس مباشر مع منطقة الساحل الافريقي وحدوده الشرقية مع الجزائر ومخيمات البوليساريو التي تشكل مجالا لامتداد نشاط الإرهاب".

 

تنافس دولي ودور باهت للدول المغاربية في حل الأزمة الليبية

وفي وقت يزداد فيه التنافس الدولي وتعددت التدخلات الأجنبية في الأزمة الليبية "يبدو بشكل منظور الدور الباهت للدول المغاربية في حل الازمة التي تشهد يوما بعد يوم تطورات خطيرة تنبئ بتكالب دولي يستهدف مقدرات الشعب الليبي، ويستهدف اختراق دول شمال افريقيا. فسياسة إصلاح القطاع الأمني والعسكري وتوفير المعدات والاجهزة من طرف البلدان الغربية من خلال برامج المساعدة الامنية والتركيز بناء قدرة منفصلة لمكافحة الارهاب والجريمة، تعتبر "غير كافية"، فالموقف يتطلب -حسب الباحث- توفير قدرات أوسع مرتبطة بتحقيق الاستقرار بشكل عام والبناء الاساسي للدولة وبناء مؤسسات كفيلة بمحاربة الهشاشة وتنفيذ برامج تنموية مع تطبيق القانون ومحاربة كل صور الإقصاء وانتهاك حقوق الاقليات العرقية.

 

وتهدف هذه الأطروحة الجامعية، المنجزة تحت اشراف الأستاذ عبد الحميد بنخطاب، إلى تشخيص المعضلة الأمنية القائمة في منطقة الساحل والتهديدات والمخاطر المرتبطة أساسا بالإرهاب والجريمة المنظمة وتبيان درجة خطورتها والمرتكزات والاليات التي انتهجتها بعض الدول المتدخلة في المنطقة إضافة إلى رصد السياسة الجزائرية في المنطقة والوضع في موريتانيا وفي مخيمات "البوليساريو" وشرق الجدار الأمني. كما تهدف الأطروحة المقدمة، في تخصص الدراسات السياسية والدولية، عن تحديد أهم العوامل التي أدت إلى الاهتمام الدولي بهذه المنطقة التي أضحت تشمل عامل جذب وتأثير في سياسات القوى الاقليمية والقوى الكبرى تجاهها مع إبراز التمفصلات الحاصلة بين هشاشة الدول في منطقة الساحل وتنامى المخاطر الأمنية المتشابكة بها وتهديداتها وآثارها على الامن القوى المغربي.

 

التهديد الإرهابي بالساحل الإفريقي، يرتبط بطبيعة الدولة وظروف نشأتها وفشلها

فإذا كان الترابط بين التهديد الإرهابي والجريمة المنظمة في منطقة الساحل الإفريقي والصراعات الدائرة على نطاق واسع ،التي تئن منها المنطقة يستلزم مراعاة البيئة التي يعمل فيها الإرهابيون والمهربون والمرتبطة بطبيعة الدولة وظروف نشأتها وفشلها، فإن الباحث محمد الطيار يعتبر، أن التطورات الحاصلة في منطقة الساحل الإفريقي خاصة بعد انهيار الدولة في ليبيا وما تلا ذلك من انتشار تجارة السلاح وحيازة السلاح الصغير والمتوسط، "خلقت معضلة أمنية تخترق آثارها الحدود الاقليمية لدول جوار المغرب"، وجعلت المنطقة في حالة متقدمة من السيولة الأمنية حيث تصاعد التعاون بين الجماعات المسلحة والارهابية وعصابات الجريمة المنظمة.

 

فعلى الرغم من أن الاحوال الاقتصادية من بين العوامل المهمة في تشكل المعضلة الأمنية القائمة في منطقة الساحل الإفريقي، فإن التدخل الأجنبي لم يجد حلا للمعضلة الأمنية في منطقة الساحل الافريقي حيث عاد الإرهاب بقوة وارتفع منسوب الصراعات العرقية والقبلية وازداد عدد المجموعات المسلحة ونسبة الضحايا من المدنيين والقوات الأمنية وتعددت انتهاكات حقوق الانسان.

 

وكانت لجنة المناقشة، تتألف من الأساتذة: أحمد بوجداد رئيسا، وعضوية كل من زكرياء أبو الذهب ورشيد المرزكيوي وخالد الشكراوي وعبد الحميد بنخطاب، الذين أجمعوا على الإشادة باختيار الطالب للموضوع وقدرته على توظيف عدة تخصصات ( التاريخ، الأنتروبولوجيا، العلوم السياسية والأمنية، الجغرافية السياسية...). كما نوهوا بالمجهود المبذول في التقصي وتجميع وتحليل المعطيات ذات الصلة بمنطقة الساحل الإفريقي وتعقيداتها الجيو استراتيجية والديموغرافية والأمنية. وقدموا كذلك مجموعة من الملاحظات النقدية والتقويمية وأكدوا على ضرورة وأهمية استمرار الاهتمام العلمي والأكاديمي بهذا المجال الحيوي والمؤثر في الأمن القومي المغربي.

 

- جمال المحافظ، باحث في العلاقات الدولية