Sunday 2 November 2025
Advertisement
سياسة

الرّؤية الملكية لقضية الصّحراء: من شرعية الدّفاع إلى ريّادة استراتيجية دولية

الرّؤية الملكية لقضية الصّحراء: من شرعية الدّفاع إلى ريّادة استراتيجية دولية
لم تقتصر الرّؤية الملكية في قضية الصّحراء المغربية على تثبيت مغربية الصّحراء داخليًا، بل امتدت لتحدث تحوّلًا في مُقاربة المجتمع الدولي. كما أكد  الملك محمّد السّادس في خطاب الذكرى التّاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء (2024):"لقد حان الوقت لتتحمّل الأمم المتحدة مسؤوليتها، وتوضح الفرق الكبير بين العالم الحقيقي والشّرعي الذي يمثله المغرب في صحرائه، وبين عالم مُتجمّد بعيد عن الواقع وتطوراته".
من خلال هذا الخطاب، دعا الملك محمد السّادس، المجتمع الدولي إلى مغادرة منطق الانتظار والغموض، والاعتراف بالحقائق السّياسية والميدانية التي جسّدها المغرب على الأرض، حيث أصبح المغرب، بفضل هذه الرّؤية، فاعلًا استراتيجيًا في رسم التّوازنات الإقليمية، ورائدًا في مُقاربة القضايا الإقليمية والدولية برؤية واقعية تجمع بين الشّرعية والسيادة والفعالية.
الصحراء: جوهر الوحدة وميزان العلاقات الدولية
اختزل الملك البُعد الاستراتيجي لقضية الصّحراء حين قال في خطاب 20 غشت 2022:"إنّ ملف الصّحراء هو النّظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات".
وبذلك، تحوّلت قضية الصّحراء إلى مرجع دبلوماسي في تقييم العلاقات الثّنائية والمتعددة الأطراف، وأصبحت أداة لضبط التّحالفات وفق منطق الوضوح والاحترام المتبادل، فهي ليست مجرد قضية وطنية، بل بوصلة السّياسة الخارجية المغربية ومعيار لمدى التزام الشركاء بمبادئ السيادة والوحدة الترابية.
من مسيرة التّحرير إلى مسيرة الرّيادة
تجسّد الرّؤية الملكية تحوّل قضية الصّحراء من قضية تحرير واسترجاع إلى قضية ريادة وتنمية. فالمغرب اليوم لا يدافع فقط عن شرعية ماضيه، بل يبني شرعية مستقبله في منطقة تتسم بديناميات جيُوسياسية متسارعة. كما قال الملك في خطاب 6 نونبر 2004:"إنّ المغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها".
هذه العبارة ليست مُجرّد رمزية، بل تعكس فلسفة الدولة المغربية الحديثة، التي توازن بين الثوابت الوطنية والفاعلية الدولية، وبين الذاكرة التاريخية والرؤية الاستشرافية، وبين السّيادة والوحدة من جهة، والتنمية والريادة من جهة أخرى.
لقد استطاعت الرؤية الملكية أن تُعيد تعريف التّعامل مع قضية الصحراء، ليس فقط باعتبارها نزاعًا إقليميًا، بل كقضية معيارية تكشف عن التحولات العميقة في النّظام الدولي. فالمغرب، عبر هذا النموذج الفريد في الجمع بين الشرعية التاريخية والريادة الاستراتيجية، قدم مقاربة عملية تمزج بين الوضوح السيادي والواقعية السياسية، وبين التنمية الميدانية والدبلوماسية الاستباقية.
وبفضل هذه الرُّؤية، تحولت معادلة الصراع إلى معادلة بناء، بحيث لم يُعد المغرب في موقع الدفاع عن قضية عادلة فحسب، بل أصبح صانعًا لحقائق سياسية وتنموية ودبلوماسية جديدة، جعلت من الصحراء فضاءً جاذبًا للتعاون الدولي، ومختبرًا لتلاقي الشرعية الوطنية مع الشرعية الأممية في أفق حل سياسي واقعي ودائم.
في العُمْق، تمكن المغرب من تحويل القضية من مطلب سيادي إلى مشروع استراتيجي، يؤسّس لقيادة إقليمية قائمة على الاستقرار والتنمية والشراكات المتكافئة، في محيط يعاني من هشاشة أمنية وتوترات جيوسياسية متزايدة.
 وهكذا أصبحت مغربية الصّحراء ليست فقط حقيقة تاريخية وجغرافية، بل إطارًا استراتيجيًا لإعادة بناء مفهوم الشرعية في المنطقة المغاربية والإفريقية، حيث تتجسد القيادة المغربية في الجمع بين الثبات في المبادئ والمرونة في الوسائل، وبين الواقعية في الموقف والفعالية في الأداء.
إنّ الرؤية الملكية  نقلت قضية الصّحراء من شرعية الدفاع إلى شرعية التأثير، ومن منطق السيادة الوطنية إلى منطق الريادة الإقليمية، انسجامًا تامًا مع ثوابت الأمة المغربية وفلسفة الدولة التي تزاوج بين العمق التاريخي والرؤية الاستشرافية للمُستقبل.