في مثل هذه الأيام من شهر نونبر، يستعيد المغاربة ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة، التي دعا إليها جلالة الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1975، كحدث تاريخي غير مسبوق أعاد للوطن جزءا من أراضيه المغتصبة بطريقة سلمية وحضارية أبهرت العالم.
كانت تلك المسيرة تعبيرا قويا عن الإيمان بالوحدة الوطنية، وعن قدرة المغاربة على الدفاع عن أرضهم بالوسائل السلمية، في وقت كانت فيه المنطقة تعيش مخاض التحرر من الإستعمار.
بعد مرور 50 عام على تلك الملحمة، أعلن جلالة الملك محمد السادس نصره الله يوم 31 أكتوبر 2025 عن إحداث عيد وطني جديد تحت اسم «عيد الوحدة»، تخليدا للتحول التاريخي الذي عرفه ملف الصحراء عقب قرار مجلس الأمن الدولي، الذي أكد الدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحلّ جدي وذي مصداقية للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
يمثل هذا العيد تتويجا لمسار طويل من الكفاح الدبلوماسي والسياسي والإقتصادي الذي خاضه المغرب لترسيخ سيادته على أقاليمه الجنوبية، ولتجسيد تلاحم الشعب والعرش في الدفاع عن الوحدة الترابية.
وإذا كانت المسيرة الخضراء قد أعادت الأقاليم الجنوبية إلى الوطن الأم، فإن الوجدان الوطني المغربي لا يزال يستحضر قضية الصحراء الشرقية، التي ظلت ضمن الحدود التاريخية للمغرب قبل التقسيمات الإستعمارية التي فرضها الإستعمار الفرنسي في بداية القرن العشرين.
وتضم هذه المنطقة مدنا وقرى مغربية أصيلة مثل تندوف وبشار وتوات، التي اقتطعت من التراب المغربي خلال فترة الحماية، وأُلحقت بالتراب الجزائري زمن الإحتلال الفرنسي.
وتضم هذه المنطقة مدنا وقرى مغربية أصيلة مثل تندوف وبشار وتوات، التي اقتطعت من التراب المغربي خلال فترة الحماية، وأُلحقت بالتراب الجزائري زمن الإحتلال الفرنسي.
ورغم ذلك، ظل المغرب منذ استقلال الجزائر سنة 1962 يتعامل مع هذا الملف بروح من الحكمة وضبط النفس، واضعا أولوية التضامن المغاربي فوق كل اعتبار.
فالمملكة المغربية كانت من أوائل الدول التي ساندت الثورة الجزائرية سياسيا وماليا ولوجستكيا، واحتضنت قادتها وقدمت لهم السلاح والملاذ الآمن، إيمانا منها بأن تحرير الجزائر هو خطوة نحو تحرير المنطقة كلها من الإستعمار.
ولم يكن دعم المغرب للثورة الجزائرية انتظارا لمكافأة أو رد للجميل، بل نابعا من قناعة راسخة بوحدة المصير المشترك بين الشعبين الشقيقين.
واليوم، وبعد أن رسخ المغرب وحدته في الأقاليم الجنوبية، يبقى الأمل معقودا على أن تفتح صفحة جديدة من التعاون الحقيقي بين الرباط والجزائر، تبنى على الإحترام المتبادل وحسن الجوار، وأن يتم تناول ملف الصحراء الشرقية في إطار الحوار التاريخي والدبلوماسي الهادئ، بعيدا عن التوترات السياسية، بما يخدم وحدة الشعوب المغاربية ومستقبلها المشترك.
من المسيرة الخضراء إلى عيد الوحدة، يواصل المغرب مسيرته في ترسيخ السيادة والتنمية، مستندا إلى تاريخه العريق وإلى روح التضامن التي جمعت شعوب المنطقة في معارك التحرر.
إنها ليست فقط مسيرة من أجل الأرض، بل مسيرة من أجل الكرامة والتاريخ والمستقبل المشترك، في أفق مغرب عربي موحد تسوده العدالة والسلام والتعاون.
المغرب كان وسيبقى وطن الوفاء، يمد يده إلى أشقائه في الجزائر وفي كل المنطقة المغاربية، من أجل وحدة لا تفرقها حدود رسمها الإستعمار، بل تجمعها الذاكرة والمصير المشترك.
الله، الوطن، الملك.
الله، الوطن، الملك.
