Monday 12 May 2025
كتاب الرأي

البدالي: ذكرى انتفاضة 20 يونيو 1981 و الأمل الديمقراطي المفقود

البدالي: ذكرى انتفاضة 20 يونيو 1981 و الأمل الديمقراطي المفقود صافي الدين البدالي
مرت 39 سنة على انتفاضة 20 يونيو1981، إثر الإضراب العام الذي دعت إليه الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، هي انتفاضة بالصدور العارية أمام رصاص النظام الثاقب، وشهد التاريخ بان عنوانها هو من أجل التغيير وغد أفضل، عنوان مرسوم بدماء الشهداء الذين سقطوا في ذلك اليوم الذي حجب سماء الدار البيضاء دخان رصاص الرشاش ليصبح أسودا، وتحولت أرضها إلى بقع دماء اختلطت بدموع الأمهات والأهالي والرفاق و الأصدقاء.
انتهت هذه الانتفاضة عند غروب شمس ذلك اليوم لكن لم ينته معها الأمل الديمقراطي ولا الإصرار على الاستمرار نحو التغيير المنشود.
راحت شمس ذلك اليوم لتبدأ الملاحقات والاعتقالات والاختطافات والمحاكمات ليتحول صيف 1981 من القرن الماضي إلى جحيم فاعتقد النظام السياسي أنه كسب الرهان.
واعتقد أننا فقدنا الأمل، أمل بناء الدولة الحديثة تكون فيها السيادة للشعب منه و إليه. 
فهل خسرنا المعركة  لأننا دخلناها دون تقدير لميزان القوى؟  أم أن قرار الإضراب العام فرضته اللحظة التي لا تقبل الانتظار؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب منا استحضار السياق العام الذي جاءت فيه الانتفاضة، وضع المعارضة التنظيمي والسياسي ومهام المرحلة . 
ـ إن السياق العام الدولي الذي اندلعت فيه انتفاضة 20 يونيو سنة 1981، كانت تطغى عليه تجاذبات قوية بين المعسكرين، المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي و المعسكر الغربي بقيادة أمريكا وأيضا الاصطفافات الجديدة حسب المصالح الاقتصادية و الاستراتيجية .
وتنامي بؤر التوتر التي بلغت أوجها في أفغانستان وفي لبنان و في جنوب السودان وتوالي الانقلابات العسكرية في منطقة جنوب الصحراء الإفريقية و انتصار الثورة الإيرانية  وخروج إيران من الكتلة الأمريكية و سعيها إلى خلق تكتل خارج المعسكرين من دول إسلامية وعربية التي ساندتها شعوبها. 
في هذا السياق فقد النظام السياسي في المغرب حليفا استراتيجيا الذي هو إيران الشاه، بل أصبح منشغلا بشبح الثورة التي لقيت تعاطف أغلب المغاربة.
كما فقد مكانته السياسية على المستوى الإفريقي بفعل ملف الصحراء الذي جعلت منه الجزائر قضية مركزية مستغلة ضعف المغرب الدبلوماسي و الاستراتيجي والذي لم ينفعه الرهان على أصدقائه الأوروبيين ولا أمريكا لربح ملف الصحراء والقضاء على جبهة البوليساريو.
في حين هناك تفوقت هذه الأخيرة في فرض وجودها عسكريا وديبلوماسيا معتمدة على مساعدات الدول الشرقية التي اعتبرت المغرب بلدا مستعمرا للشعب الصحراوي وينتمي إلى زمرة الدول الرسمالية وهو موقف تقاسمته ما كان يعرف بدول الرفض مثل سوريا وليبيا قبل 1983.
كما أن استمرار ألة القمع في صفوف المعارضة وفضيحة المعتقلات السرية زادتا من عزلة المغرب سياسيا وديبلوماسيا.
أما على المستوى الداخلي فهناك استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية  بفعل توالي سنوات الجفاف و ارتفاع الديون الخارجية و الداخلية مما أدى إلى ارتفاع الهجرة القروية إلى المدن و تفشي البطالة والهجرة إلى الخارج وبداية هجرة الأدمغة وتهريب الأموال التي بلغت أزيد من 45 ملياردولار.
وازداد الوضع تأزما بفعل السياسة اللاشعبية واللاديمقراطية وسياسة التعاطي مع حرب الاستنزاف في الصحراء في غياب استراتيجية لمواجهة عواقب الكارثة الحربية.
ولم يجد النظام حلا لأزمته الاقتصادية والمالية إلا بفرض زيادات مهولة في كل المواد الأساسية: الدقيق 40%، السكر 50%، الزيت 28%، الحليب 14%، الزبدة 76%، وذلك مباشرة بعد زيادات أخرى كانت على التوالي في سنتي 1979 و1980.
وبالمقابل ظل الفساد يسود بمختلف دواليب الدولة وبالجماعات الترابية وتنامي اقتصاد الريع، و تقوية عود الأعيان والإقطاعيين الجدد واستنزاف الثروات الوطنية على حساب الشعب وقدرته الشرائية.
ـ أمام هذا الوضع الذي يوجد فيه النظام السياسي  كانت الجماهير الشعبية التي تعيش الفقر والبطالة والأمية تراهن على قيادة تقود الصراع من أجل التغيير وبناء دولة الحق والقانون.
وكان الاتحاد الاشتراكي كحزب يساري معارض و ذرعه النقابي، الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، في واجهة الصراع مع النظام السياسي في المغرب ولكنهما كانا يعيشان وضعا تنطيميا غير مستقيم، أي أزمة تنظيمية مردها إلى انقسامات داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية  حول بعض شعارات المرحلة ومنها الانسحاب من التجربة الديمقراطية التي وصفها المؤتمر الوطني الثالث للجزب 1978 " بأبشع صورها" بالانسحاب من البرلمان.
وأما الكونفدرالية الديمقراطية للشغل فهي لا زالت لم تتعاف بعد من أحداث  9، 10، 11 أبريل 1979 التي عرفت اعتقالات وتوقيفات عن العمل في التعليم وفي الصحة وتشريد عمال شركات بالدار البيضاء شاركوا في الإضراب العام لأبريل 79.
في ظل هذا الوضع التنظيمي وفي ظل رفض الحكومة لأي حوار مسؤول والقرارات المجحفة في حق الشعب المغربي بالزيادة في اسعار المواد الأساسية  تم اتخاذ القرار على هذه الأرضية التنظيمية النقابية و السياسية لأن الواقع فرض ذلك، فدعا المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى إضراب عام احتجاجا على الزيادة في أسعار عدد من المواد الغذائية، فاختارت الحكومة المواجهة بالقمع الشرس عوض سلك الحوار للاستجابة للمطالب العادلة والمعقولة، فردت بقمع كان  أعنف مما سبق في إضراب 1979، كما شنت حملة من الاعتقالات في صفوف المناضلين النقابيين، و مناضلي و مناضلات الاتحاد الاشتراكي وزجت بهم في مخافر الشرطة، الأمر الذي زاد البلاد توترا وأدى إلى انفجار شعبي، فاق التوقعات ولزم إنزال كل القوى القمعية ومختلف الفرق الأمنية والعسكرية، كان أبرزها " فرقة زيان الراسخة في الذاكرة البيضاوية "، فنتج عن ذلك استخدام الرصاص الحي وسقوط الكثير من الموتى والجرحى في صفوف المتظاهرين.
وقد قامت قوات الجيش بتطويق جل الأحياء بمدينة الدار البيضاء بالدبابات والسيارات العسكرية.
فعاشت بعض أزقتها وشوارعها حماما من الدم.
وقد بينت التحريات التي قام بها صحافيون أجانب ومتتبعون للشأن الحقوقي بأن الرصاص كان يستهدف الرأس والصدر والقلب.كما أكدت التقارير الحقوقية بإقدام القوات العمومية على رمي جزء من الضحايا في حفر بشكل جماعي، في مقابر جماعية سرية من بينها ثكنة عسكرية تابعة لرجال المطافئ المحاذية للحي المحمدي بالدار البيضاء، وأن بعض القتلى تم دفنهم أحياء وهم يتألمون من جراحهم.
وهي المقبرة الجماعية التي كشفت عنها التحريات التي أشرفت عليها هيئة الإنصاف والمصالحة، بالاعتماد على محاضر الشرطة وتقارير المنظمات الحقوقية وسجلات وزارة الصحة. 
 لقد كانت المجزرة رهيبة وكان عدد الشهداء كبيرا، حيث قدرت الجمعيات الحقوقية أن عدد القتلى يفوق 1000 قتيل يومي 20 و 21 حزيران.
كما وصل عدد المعتقلين إلى حوالي 26 ألف معتقلا بدون محاكمة وفي شروط لا إنسانية مثل ما حدث في المقاطعة 46، (مقر عمالة سيدي البرنوصي زناتة حاليا ).
من اكتظاظ و تعذيب أما المحاكم فقد وزعت قرونا من السجن على الأبرياء، حيث أن غرفة جنائية واحدة وزعت ما مجموعه 1400 سنة سجنا.
فبما عدت إلينا يا  يونيو/ حزيران اليوم؟
أليس بأمل ديمقراطي  مفقود وبانتشار وباء الفساد ونهب المال العام وخطر فيروس كورونا وحكومة لا ترى إلا رعاية مصالحها ومصالح الباطرونا ؟؟.