أصدر مركز موكادور للدراسات والأبحاث بدعم من وزارة الثقافة، كتابا جديدا يحمل عنوان "الاستعمار والمقاومة بالبادية المغربية: قبائل إحاحان ومقاومة الاحتلالين البرتغالي والفرنسي" لأستاذ التاريخ المعاصر بجامعة محمد الخامس الرباط محمد أبيهي. ويأتي هذا الإصدار ليملأ فراغا ملحوظا في الكتابات التاريخية الوطنية، خصوصا تلك المتعلقة بمقاومة البوادي للاستعمار بمنطقة جنوب مدينة الصويرة.
لطالما ظل تاريخ المقاومة في البوادي المغربية مهمشا في المدونة التاريخية الوطنية، إذ تركز أغلب الدراسات على العمل الوطني الحزبي في المدن، بما في ذلك التنظيمات السياسية والكفاح المدني خلال فترة الحماية. وفي المقابل، لم تحظ مقاومة القبائل والبوادي بالاهتمام الأكاديمي الكافي، رغم دورها المركزي في التصدي للمشروع الكولونيالي منذ بدايات التوغل الأجنبي في مرحلة التهدئة.
ويشير الكتاب إلى أن الاهتمام العلمي بهذا الجانب لم يبدأ إلا في عقود متأخرة، من خلال ندوات ولقاءات أكاديمية ساهمت في إبراز الأدوار الحاسمة التي لعبتها القبائل في حماية السيادة المغربية من التدخل الأجنبي، وإعادة الاعتبار لمسارات نضالية ظلت لسنوات طويلة على هامش الكتابة التاريخية.
وفي اشتغاله على تاريخ قبائل إحاحان، اعتمد الأستاذ محمد أبيهي بشكل أساس على الأرشيفات المحلية غير المصنفة، لما تحمله من معطيات دقيقة حول علاقة الزعامات المحلية بالقوى الأوروبية. ويبرز الكتاب أهمية هذه الوثائق في فهم تطور الأوضاع السياسية والاجتماعية بعد فرض الحماية الفرنسية على المغرب، وفي متابعة كيفية تفاعل القبائل مع التحديات التي فرضها التغلغل الأجنبي.
هذا التوظيف المتقدم للأرشيف المحلي يعد من نقاط قوة العمل، إذ ينقل صوت الفاعلين المحليين مباشرة، بعيدا عن الروايات الرسمية أو الوثائق الاستعمارية وحدها.
هذا التوظيف المتقدم للأرشيف المحلي يعد من نقاط قوة العمل، إذ ينقل صوت الفاعلين المحليين مباشرة، بعيدا عن الروايات الرسمية أو الوثائق الاستعمارية وحدها.

ويتتبع الكتاب مسارات المقاومة الحاحية عبر مراحل متعددة، بدءا من الصدام المبكر مع الاحتلال البرتغالي لسواحل الجنوب، وصولا إلى مرحلة التوسع الفرنسي خلال القرن العشرين. ويبرز أن قبائل الأطلس الكبير الغربي، وفي مقدمتها قبائل إحاحان، لعبت دورا محوريا في وقف التغلغل الأجنبي بفضل تعبئتها الدائمة واستثمارها الطبوغرافي لوعورة المنطقة التي تحولت إلى حصن طبيعي للمقاومة.
كما يوضح المؤلف كيف انتظمت القبائل في إطار حركة محلية متماسكة، سخرت الإمكانات المتاحة وابتكرت أساليب مقاومة متعددة، مما جعلها عنصرا فاعلا في الحد من انتشار النفوذ العسكري والسياسي للقوى الأوروبية.
كما يوضح المؤلف كيف انتظمت القبائل في إطار حركة محلية متماسكة، سخرت الإمكانات المتاحة وابتكرت أساليب مقاومة متعددة، مما جعلها عنصرا فاعلا في الحد من انتشار النفوذ العسكري والسياسي للقوى الأوروبية.
ويشكل هذا الكتاب مرجعا جديدا في حقل دراسات المقاومة، عبر تسليط الضوء على فضاء ظل طويلا خارج الاهتمام الأكاديمي. كما يمثل دعوة لإعادة قراءة التاريخ الوطني من منظور شمولي، يأخذ بعين الاعتبار دور البادية والقبائل في الدفاع عن السيادة المغربية.


