الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

"المغرب الذي كان".. عودة إلى أخبار "بوحمارة"، البداية والنهاية (18)

"المغرب الذي كان".. عودة إلى أخبار "بوحمارة"، البداية والنهاية (18) هشام بعمر بالله (الوسط) وصورتان لاعتقال بوحمارة ووضعه في القفص

اختارت جريدة "أنفاس بريس" طيلة شهر رمضان أن تقدم لكم بعض المقتطفات من الترجمة العربية التي قام بها الأستاذ هشام بنعمر بالله لكتاب "المغرب الذي كان" للصحفي البريطاني "والتر هاريس" الذي عاش في طنجة ما بين سنتي 1887 و1921 وعاصر أهم الأحداث التاريخية التي عاشها المغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

 الكاتب والصحافي البريطاني "والتر هاريس" ولج البلاطُ الحسني بوساطة من الحراب البريطاني "السير ماك لين" الذي استقدمه السلطان الحسن الأول لتطوير الجيش المغربي.

كان يتستر تحت غطاء الصحافة مراسلاً صحفياً لجريدة "التايمز" في طنجة لمزاولة مهام استخباراتية دنيئة، وخدمة المصالح القنصلية البريطانية و الفرنسية حيث رافق الكثير من السفارات الأوروبية إلى البلاط المغربي. وخلال مقامه الممتد في المغرب ما بين 1887 و1921 بالمغرب ظلَّ يتقرب من مختلف الدوائر والمؤسسات المؤثرة في مغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقد عاصر ثلاث سلاطين وتمكن من نسج علاقات مع مكونات المجتمع المغربي (وزراء و موظفو المخزن الشريف، وشيوخ القبائل والزوايا الدينية بالإضافة الى اللصوص وقطاع الطرق، وعموم الناس)...

الكتاب حسب المترجم "يرسم صورة قاتمة عن نهاية المخزن المغربي (التقليدي) أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وسقوط المغرب في قبضة القوى الاستعمارية الغربية. سقوط يسعى الكاتب من خلال مؤلفه المذكور (المغرب الذي كان) بقليل من الموضوعية إلى تبيان أسبابه ومظاهره بأسى شديد". ونشر الكتاب لأول مرة باللغة الانجليزية تحت عنوان مثير (Moroccothatwas) الذي ارتأى الأستاذ هشام بنعمر بالله ترجمته بالعربية ب "المغرب الذي كان"، عن دار النشر William Blackwood And Son بلندن سنة 1921 بينما صدرت ترجمته الفرنسية عن دار بلونPlon  سنة 1929 لبول اودينوPaul Odinot  تحت عنوان طويل :

Le Maroc disparu (Anecdotes sur la vie intime de MoulyHafid, de Moulay Abd El Aziz et de Raissouli)

وقد اعتمد الأستاذ هشام بنعمر بالله في الترجمة بالأساس على النسخة الفرنسية التي ذكرناها مع الرجوع، في أكثر من مرة، إلى النسخة الأصلية باللغة الإنجليزية كلما بدا له الأمر ضرورياً لتصحيح الترجمة العربية لتبدو أمينة قدر الإمكان. واختار لها عنواناً "المغرب الذي كان" لأسباب لا يسمح المقام للخوض فيها ومناقشتها.

 

ولد "بوحمارة" في زرهون، وعمل لبعض الوقت (كاتباً) لدى مسؤول كبير في مكناس. جعله سلوكه (السيئ) شخصاً غير مرغوب فيه ككاتب، ليس فقط لأنه عمد إلى تزوير توقيع رئيسه، بل كذلك لأنه (صنع) لنفسه ختماً شريفاً (سلطانياً) واستطاع أن يتحصل به على مبالغ ماليَّة معتبرة. كما أنه تعلَّم، خلال أوقات فراغه، على بعض الخدع في مجال الشَّعوذة.

 

كان في السابق مشهوراً بالعلم وأنه مؤمن، مواهب أخرى جعلته في دائرة الضوء (مثار الاهتمام). في أحد الأيام، اختفى "بوحمارة" عن الأنظار حيث غادر مكناس على عجل، شغوفا بالمغامرة وكانت وجهته بلاد تازى، الواقعة بين فاس والحدود الجزائرية، حيث راح يغزو بعلمه ومهارته كمشعوذ وسارق دون أن يثير الانتباه إليه، كان معروفاً كقائد لكنه سرعان ما أصبح مشهوراً بأنَّه "مولاي آمحمد" الابن البكر للسلطان مولاي الحسن (الحسن الأول)، وبالتالي الأخ الأكبر للسلطان "مولاي عبد العزيز".

 

قام بإعداد ختمٍ سلطاني رسمي كبير، وأعلن نفسه سلطاناً.

 

كنت قد أشرت إلى الهزيمة التي الحقها بجيوش السُّلطان في ديسمبر من سنة 1902م، حيث طفقت سمعته الأفق، وتسببت للقصر في قلق كبير.

 

حكم المغرب الشرقي بنجاح حقيقي طيلة سنوات [1902/1908]، وفي الواقع رُفضت سلطته في كامل جبال الريف. عندما تمكنت الجيوش (الشريفة) بقيادة "المهدي المنبهي" من استرجاع تازى. وزير الحرب النشط المفعم بالحيوية، غير أنه كان بإمكان "بوحمارة" استعادة المناطق المفقودة وبسط سلطته عليها بسهولة.

 

رغم المجهود الجبار الذي بدله "المنبهي" للمحافظة على بعض التماسك في صفوف الجيش إلا أن الفساد والعجز كان شاملاً، لدرجة أن حيويته لم تكن لتغير الأمر الواقع. كانت رواتب الجنود معدومة والجيوش تنهار.

 

لن يقبض على "بوحمارة"، وينقل إلى مدينة فاس، إلا بعد تنصيب "مولاي حفيظ" على العرش عقب (تنحية) "مولاي عبد العزيز" سنة 1908م. وضع في قفص وحمل على ظهر جمل، ثمَّ جُلِبَ المدَّعي (الرُّوكي) الى حضرة السلطان. استمر اللقاء مدةً طويلة.

 

خلال أيام عدَّة، عُرض "بوحمارة" (المأسُور) في قفصه الصَّغير على العموم في ساحة القصر الكبيرة حيث يستقبل السلطان السفراء (الأجانب). هكذا تواجه السلطان الجديد مع [المدعي] الذي تهدَّد العرش لفترة طويلة.

 

بعد ذلك وضع سجين الحكومة في قفص الأسود بحضور السُّلطان، بينما اعتلت نساء (حريم) القصر الأسطح لحضور الإعدام. ورغم ذلك رفضت الأسود افتراسه، وبترت منه فقط ذراعاً واحدة. بعد انتظار لمعرفة إن كان (ملك الحيوانات) سيبدل رأيه.

 

أمر السلطان أن تطلق النار على المُدَّعيِ (الرُّوكي)، فتمَّ قتلُه من طرف الخدم. وفي الأخير أحرقت  جُثته حتى لا تمنح له فرصة دخول الجنة لأن المغاربة يؤمنون بالبَعث الجسدي.

 

بالرغم من نهايته الشنيعة، إلاَّ أنَّ "بوحمارة" استحقها بسبب الأعمال الوحشية التي اقترفها، حين كان يضرم النار في كل مرة يلقي فيها القبض على جنود السلطان في أثناء غاراته، بعد أن يصبَّ عليها النِّفط.