الخميس 18 إبريل 2024
فن وثقافة

المغرب إلى الإنحطاط و نهاية زمن "الباعة الجائلين" (16)

المغرب إلى الإنحطاط و نهاية زمن "الباعة الجائلين" (16) الأستاذ هشام بنعمر بالله بجانب صورتان للسلطان مولاي عبدالعزيز يتدرب على دراجته الهوائية

اختارت جريدة "أنفاس بريس" طيلة شهر رمضان أن تقدم لكم بعض المقتطفات من الترجمة العربية التي قام بها الأستاذ هشام بنعمر بالله لكتاب "المغرب الذي كان" للصحفي البريطاني "والتر هاريس" الذي عاش في طنجة ما بين سنتي 1887 و 1921 وعاصر أهم الأحداث التاريخية التي عاشها المغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

الكاتب صحفي بريطاني "والتر هاريس" ولج البلاطُ الحسني بوساطة من الحراب البريطاني "السير ماك لين" الذي استقدمه السلطان الحسن الأول لتطوير الجيش المغربي.

كان يتستر تحت غطاء الصحافة مراسلاً صحفياً لجريدة "التايمز" في طنجة لمزاولة مهام استخباراتية دنيئة، وخدمة المصالح القنصلية البريطانية و الفرنسية حيث رافق الكثير من السفارات الاوروبية إلى البلاط المغربي. وخلال مقامه الممتد في المغرب ما بين 1887 و 1921 بالمغرب ظلَّ يتقرب من مختلف الدوائر والمؤسسات المؤثرة في مغرب نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين. وقد عاصر ثلاث سلاطين وتمكن من نسج علاقات مع مكونات المجتمع المغربي (وزراء وموظفو المخزن الشريف، و شيوخ القبائل والزوايا الدينية بالإضافة الى اللصوص و قطاع الطرق، وعموم الناس ...)

الكتاب حسب المترجم "يرسم صورة قاتمة عن نهاية المخزن المغربي (التقليدي) أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وسقوط المغرب في قبضة القوى الاستعمارية الغربية. سقوط يسعى الكاتب من خلال مؤلفه المذكور (المغرب الذي كان) بقليل من الموضوعية إلى تبيان أسبابه ومظاهره بأسى شديد". ونشر الكتاب لأول مرة باللغة الانجليزية تحت عنوان مثير (Moroccothatwas) الذي ارتأى الأستاذ هشام بنعمر بالله ترجمته بالعربية ب (المغرب الذي كان) .

عن دار النشر William Blackwood And Son بلندن سنة 1921 بينما صدرت ترجمته الفرنسية عن دار بلونPlon سنة 1929 لبول اودينوPaul Odinot تحت عنوان طويل :

Le Maroc disparu (Anecdotes sur la vie intime de MoulyHafid, de Moulay Abd El Aziz et de Raissouli)

وقد اعتمد الأستاذ هشام بنعمر بالله في الترجمة بالأساس على النسخة الفرنسية التي ذكرناها مع الرجوع، في أكثر من مرة، إلى النسخة الأصلية باللغة الانجليزية كلما بدا له الأمر ضرورياً لتصحيح الترجمة العربية لتبدو أمينة قدر الإمكان. واختار لها عنواناً "المغرب الذي كان" لأسباب لا يسمح المقام للخوض فيها ومناقشتها.

 

كانت التقهقر الأخير في مرحلة الإنحطاط. أصبحت خزينة الدولة فارغة تقريباً. بُدِّدَتِ الأموال، وأبرمَتِ القُروض الخارجيَّة. عجَّت قصور السُّلطان بصناديق أطلقت الصُّحف البريطانية على محتوياتها "دليل الحضارة/ التَّحضر في فاس" [دليل المدنيَّة في فاس]. وُجدت، في كل الأماكن، صناديق شحنٍ، والتي لا تزال موجودة إلى حدود اليوم، على امتداد الطريق السَّاحلية نحو الدَّاخل تُشَاهدُ بقايا آليَّات، وسلع أخرى صَدأَة مُهملة لأَنَّ الجمَال المُنهكة لم تتمكن من حملها بعيداً.

آلات بيانو، ومواقيد الطَّبخ، سيارات، صناديق مشدَّات الخصر (Corset)، حيوانات مفترسة داخل أقفاص، صناديق ألبسة،[ أزياء أُوبِّريتْ غريبة]، آلات الأرغُن اليدويَّة، عربات، أحصنة مجرورة. مَصاعدُ قادرة على الوصول إلى مستويات مرتفعة موجهة لقصر من طابق واحد، شعرٌ مستعار.

آلات تصوير من الذهب، و الفضة بجواهر حول زرِّ التقاط الصُّور، تماثيل أسود رخامية، ببغاوات حيَّة، مجوهرات حقيقة ومزيَّفة، زوارق تجديف وقوارب، شُهبٌ اصطناعية (أَلعابٌ ناريَّة)، مراحيض للنساء الباريسيَّات، سروج (من المكسيك)، أشجار موجهة لحدائق القصر غير أنها لم تزرع أو زرعت دون أن تُسقى، آلات طباعة ومناطيد. ركامٌ من الأشياء التافهة والأشدُّ تفاهة و التي تنمُّ عن ذوق سيءٍ.

عندما يُفرغ الصندوق، يتمُّ النظر إلى محتواه للحظة. يستمتع به للحظة وبعد ذلك يتم التخلص منه ، وتركه يتلفُ و يصدأ في المرائب والمستودعات وأماكن التَّخزين الرَّطبة.

في الحقيقة كانت فترة (عظيمة) للباعة الجائلين، غير أنَّها كانت مرحلة مُعاناة للمغرب. أيُّ حدث كان (فرصة) للتجار الأوروبيَّين لعرض بضائعهم.

أخذ مولاي عبد العزيز منذ اللَّحظة الذي تخلص فيها من الوصاية لتولى أمر الحكومة، يَصرِ فُجميع عائدات البلاد، و مُدَّخرات أسلافه.

ـ "ما الذي اشتراه بهذا كلٍّه ؟"

كَومَةٌ من الخُردوات، ومجموعة من الأشياء العَشوائية تم اقتناؤها بأسعار مغريَّة، وتمَّ التَّخلِي عنها لتتلَف أو تَصْدَأَ في المستودعات المظلمة في القصُور المختلفة.

كان من البديهي أن ينتقد بسبب إنفاقه الزائد، لكن كان هناك آخرون أكثر انتقاداً، ولا يُضيِّعُونَ الفرصة لاستغلالها. راكمُوا ثروتهم، وتركُوا السُّلطان التَّعيس مكسُوراً يتحمل وزر أخطائهم في بلاد تعيش [الفتن] و تملك خزينة فارغة.

كان مولاي عبد العزيز مُفْعَماً بقوة الشباب، توَّاقاً إلى التعلُّم، تحدُوه رغبة في إجراء الإصلاحات، وإتقان العمل. كانت تنتظرهُ مهام مفيدة للإنجاز.

تكَفَّلَ المستشارون بتعليمه، وكلَّفه تعليمهُ ثروته، وسلطتهُ على رعاياه، وسمعتهُ.

كان ضعيفاً في بعض الأحيان، صغيراً وأحياناً عنيداً. لكن لم يكن هناك رجل لديه نوايا أفضل منه. لم يكن بالقرب من السلطان رجل صادق. لم يتلقى نصيحة استنكار، وقيل له عندما أنفق أمواله في اقتناء أشياء غير مفيدة في البلدان الأوروبية أنه بذلك يُرضي حكومات هذه البلدان بالإشتراء من أسواقها.