الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

"المغرب الذي كان".. زيارة القيصر"كيوم الثاني"لطنجة تأجج التنافس الإمبريالي حول المغرب (15)

"المغرب الذي كان".. زيارة القيصر"كيوم الثاني"لطنجة تأجج التنافس الإمبريالي حول المغرب (15) الأستاذ هشام بنعمر بالله بجانب صورة مولاي عبد العزيز، وموكب القيصر الألماني بطنجة

اختارت جريدة "أنفاس بريس" طيلة شهر رمضان أن تقدم لكم بعض المقتطفات من الترجمة العربية التي قام بها الأستاذ هشام بنعمر بالله لكتاب "المغرب الذي كان" للصحفي البريطاني "والتر هاريس" الذي عاش في طنجة ما بين سنتي 1887 و1921 وعاصر أهم الأحداث التاريخية التي عاشها المغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

الكاتب الصحافي البريطاني "والتر هاريس" ولج البلاطُ الحسني بوساطة من الحراب البريطاني "السير ماك لين" الذي استقدمه السلطان الحسن الأول لتطوير الجيش المغربي.

كان يتستر تحت غطاء الصحافة مراسلاً صحفياً لجريدة "التايمز" في طنجة لمزاولة مهام استخباراتية دنيئة، وخدمة المصالح القنصلية البريطانية والفرنسية حيث رافق الكثير من السفارات الأوروبية إلى البلاط المغربي. وخلال مقامه الممتد في المغرب ما بين 1887 و1921 بالمغرب ظلَّ يتقرب من مختلف الدوائر والمؤسسات المؤثرة في مغرب نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقد عاصر ثلاث سلاطين وتمكن من نسج علاقات مع مكونات المجتمع المغربي (وزراء وموظفو المخزن الشريف، وشيوخ القبائل والزوايا الدينية بالإضافة الى اللصوص وقطاع الطرق، وعموم الناس...)

الكتاب حسب المترجم يرسم صورة قاتمة عن نهاية المخزن المغربي (التقليدي) أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وسقوط المغرب في قبضة القوى الاستعمارية الغربية. سقوط يسعى الكاتب من خلال مؤلفه المذكور (المغرب الذي كان) بقليل من الموضوعية إلى تبيان أسبابه ومظاهره بأسى شديد". ونشر الكتاب لأول مرة باللغة الانجليزية تحت عنوان مثير (Moroccothatwas) الذي ارتأى الأستاذ هشام بنعمر بالله ترجمته بالعربية بـ "المغرب الذي كان"، عن دار النشر William Blackwood And Son بلندن سنة 1921 بينما صدرت ترجمته الفرنسية عن دار بلون Plon سنة 1929 لبول اودينوPaul Odinot تحت عنوان طويل :

Le Maroc disparu (Anecdotes sur la vie intime de MoulyHafid, de Moulay Abd El Aziz et de Raissouli)

وقد اعتمد الأستاذ هشام بنعمر بالله في الترجمة بالأساس على النسخة الفرنسية التي ذكرناها مع الرجوع، في أكثر من مرة، إلى النسخة الأصلية باللغة الإنجليزية كلما بدا له الأمر ضرورياً لتصحيح الترجمة العربية لتبدو أمينة قدر الإمكان. واختار لها عنواناً "المغرب الذي كان" لأسباب لا يسمح المقام للخوض فيها و مناقشتها.

 

 
شهدت سنة 1905 الزيارة الشهيرة للإمبراطور "كيوم الثاني" (امبراطور ألمانيا) بسبب الاتفاق الفرنسي- الإنجليزي في السنة الماضيَّة (1904)، وخلاصة المشاورات التي أفضت إلى إبعاث سفارة فرنسية خاصة إلى فاس للتأكيد على الحاجة إلى القيام بالإصلاحات.
في 31 مارس 1905 وصل القيصر"كيُّوم الثاني" إلى ميناء طنجة. وفي آخر لحظة تردَّدَ في النزول، من جهة بسبب حالة البَحر الهائج، ومن جهة أخرى لأنَّهُ أدرك الأبعاد الخطيرة لهذا العمل العدائي اتجاه فرنسا، وبطريقة غير مباشرة نحو إنجلترا. كذلك كان يخشى على حياته من عمليَّة اغتيال عشوائيَّة.
ظلَّ يشزرُ بعصبيَّة في اتجاه اليمين و اليسار. عبَر، أزقة المدينة المُزيَّنة بالأعلام، على ظهر حصَانٍ إلى غاية مقر التمثيليَّة (القنصليَّة) الألمانيَّة، حيث حجَّتِ الحشود الغفيرة من الأهالي، الذين تمَّ إخبارهم أن هذه الزيارة بمثابة إعلان عن الاستقلال الوطني.
تجمَّعت الجماهير في وسط ساحة السُّوق أمام التَّمثيلية (الالمانيَّة). كانوا يطلقُون العِيارات الناريَّة المتتاليَّة عند وصول القيصر و بعد مغادرته. الكثير من البنادق كانت معبأة بالطلقات. عندما سقطت واحدة منها، انطلقت منها طلقَة اخترقت خوذة أحد الجنُود من الحرس الخاص للقيصر ، لكن لم تنجُم عن الحادثة أيِّ إصابة لحُسن الحظِّ.
كنت حاضراً في القاعة التي شهدت تقديم أعضاء الهيئة الدبلوماسية، وكبار الشخصيَّات المخزنيَّة للقيصر. استمعت إلى الكلمات التي ألقَاها المكلَّفُ بالأعمال الفرنسي، الكونت "دو شِيرسي"(Comte de Cherisy) والسلطات المغربيَّة الشريفة.
أعلن القيصرأمام الجميع عن نِيَّةِ المانيا اعتبار المغرب بلداً (مُستَقلاً) ومعاملة سلطانه مثل عاهلٍ مُستَقلٍ.
شهوراً بعد ذلك، أصبحت فاس مسرحاً لثلاث سَفارات استثنائيَّة حيث قامت بزيارة هذه العاصمة سفارةٌ انجليزية بقيادة السيد "لوثير" (بعد ذلك السير جيرارد)، وبعثة فرنسا بقيادة السيد "سان ريني تايلندي"، وأخرى ألمانيَّة بقيادة الكُونت "طاطنباخ".
أَلحَّتِ الحكومة الفرنسيَّة، لدفع السُّلطان لقبول مشاريعها الاصلاحيَّة، على التَّأييد الذي من الممكن أن تُقدمهُ إنجلترا للوُصول إلى هذا المبتغى. لكن (النُّفوذ) الألماني كان كبيراً حيث رفض السُّلطان مولاي "عبد العزيز" بشكل نهائيٍّ المقترحات الفرنسيَّة في 28 ماي، أي قبل يومٍ أو يومين فقط من ورود السفارة الانجليزيَّة إلى فاس.
لم يتم اختيار توقيت الزيارة بعناية. كانت سفارة السِّير "لوثير" في الطريق إلى القصر، ولم تطلع على قرار السُّلطان إلا بعد أن وصلت إلى فاس. كان الوقت متأخراً للتأثير في قرار السُّلطان، والتَّخلي عن المهمة التي بدأت فيها (السفارة).
ساهم فشل (مساعي) فرنسا، بطريقة غير مباشرة، في سقوط حكومة " دو كلاسي"(M. Declassé)، والموافقة على انعقاد ندوة "مؤتمر" دولية حول المغرب.
رغم ذلك لم تتحسن الأوضاع الداخلية حيث استمر "بوحمارة" في تمرده (عصيانه) في المغرب الشرقي، وظلَّ "الريسولي" يحكم قبائل الشمال الغربي.
ساد عدم الاستقرار في كل مكان، و أسر ضابطان انجليزيان، القبطان "كرُوث" Growther و الليُوتنان "هاتُون" Hatton كانا منهمكين في إغاثة أحد قوارب الدَّعم التي رسبت في نواحي ساحل "الأنجرة". كان ذلك خلال شهر أكتوبر. قَطَّاعُ الطريق الذي نفَّذ العملية كان الشريف "ولد بو العيش" أحد زعماء قبائل الأنجرة. من حسن الحظِّ أُفرج عن الأسيرين دون صُعوبة تذكر.
زالت هيبة (اعتبار/ احترام/ مكانة) القصر. استَحال السلطان منتهكاً في العلن و منبوذاً. صارت الفتنة عارمة (شديدة) تعُمُّ كافة الأرجاء.
بدأت المرحلة الأخيرة من استقلال السلطان، وانتهت في السنوات الأولى من القرن الحالي (القرن العشرين)، عندما دشَّنَ السلطان الشاب هذه الفترة من حكمه، التي يمكن أن نطلق عليها بدقة [زمنُ الباعة الجائلين] Le temps des commis voyageurs كانت فترة مثيرة للشفقة، والتي يجب نسيانها بسرعة، حيثُ لا يمكن أن نستعيد منها سوى بعض الأحداث المثيرة للضَّحِك، لكنها في المقابل تجعل هذه الفترة الحزينة التي وقعت فيها أكثر قتَامة (بؤساً).