الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

الحسين بوالزيت: تاريخ الأوبئة بالمغرب

الحسين بوالزيت: تاريخ الأوبئة بالمغرب الحسين بوالزيت

لست أدري إن كان بإمكان أطبائنا ومسؤولينا أن يخصصوا بعضا من وقتهم لمطالعة هذه الدراسات، والكتب التي تناولت تاريخ الأوبئة بالمغرب، نظرا لأهميتها القصوى في التعرف على ردود فعل المغاربة في زمن الاوبئة والعدوى. أولا وثانيا كي يتعرفوا على أنواع الأمراض التي كانت تفتك بالمغاربة عبر التاريخ ومنها على سبيل المثال الجدري، الطاعون والسل... وغيرها من الأوبئة التي كانت تصيب المغاربة في مقتل. من ناحية أخرى، فهذه الدراسات مفيدة لمطالعتها وتمكنه من التعرف على كيفية مواجهة الاوبئة والأمراض الفتاكة من طرف الحكام، ومنها على سبيل المثال تخصيص حارات مجذومة في المدن والقرى الموبوءة للحد من انتشار الوباء وللحيلولة دون اكتساحه لكل أطراف البلاد والعباد.

 

التاريخ يكتب صفحته كل يوم، وكي نفهم امتداد الظواهر الاجتماعية المختلفة، بما فيها ذهنية مواجهة الاوبئة من طرف الشعوب، لا مناص من العودة إلى الدرس التاريخي الذي يعلمنا مثلا أن مرضى الجذام المغاربة قد عزلوا ذات فترة تاريخية من تاريخ المغرب في حارات خاصة بهم، وكانوا يسعفون بعضهم البعض ويضعون على جروح بعظهم ما تيسر من المستخلصات الموصوفة من قبل أطباء عصرهم، بل كانوا يعنون بعضهم بعضا على الاستحمام وقضاء حوائج أخرى. كما كان الحكم يتكلف بتوفير المأكل والمشرب اللازم لهم على امتداد فترة الحجر الصحي.

 

هذه شذرات تاريخية تثبت أن عهد المغاربة بالأوبئة ليس بالأمر المستجد، وأن مقاومتهم لها كانت مقاومة الند للند؛ فلم يكن المغاربة يتعوذون من الأوبئة التي تحل بهم وتنهش اجسامهم بشراسة، بل طوروا العديد من الأساليب التي مكنتهم من مقاومتها والتغلب عليها رغم تقل فاتورة الأرواح في بعض الأحيان.

 

وفي هذا الاطار توجد العديد من النصوص التاريخية التي وصفت هول الأوبئة التي ضربت المغرب في بعض فتراته التاريخية، واخترت منها هذا النص الموفق جدا الذي كتبه التوفيق حين قال: "أجساد هدَها البلاء فأنحفها نحفا، لاسيما في أطرافها، ووجوه مشوهة ببقع بيضاء او حفر داكنة، ووجنات بشرتها منتفخة متهدلة قبل الأوان، وأنوف خربة يسيل رعاف أغشيتها، وأعين ذهب بريقها وتقشرت حواشيها وقل بصرها، وصدور تشكو من ضيق تنفسها واختناق هوائها، وأرجل وأياد يبدو أنها تقزمت عن أصلها، وأعصاب تبلدت إلى ان فقدت الاحاسيس".

 

نص دقيق جدا يصور فداحة ما فعل الجذام في أجساد المغاربة ذات زمن تاريخي مضى.