الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الكبير بلاوشو: هل أتاك حديث الإصلاح الجامعي؟

عبد الكبير بلاوشو: هل أتاك حديث الإصلاح الجامعي؟ عبد الكبير بلاوشو
إن أي مشروع للإصلاح يبغي أن يوازيه خطاب إصلاحي يجيب عن أسئلة الأزمة، و عن تحديات التحول و عن البديل الإصلاحي و آليات التنفيذ و عن أدوات العمل و القابلية للتطبيق و عن تأهيل الفضاء و ترشيد الموارد و عن التقييم و التقويم و الوقوف عند النسبة المرتقبة لنجاح التجربة في ظل منظومة الإصلاح من هنا تأتي مقاربتنا للإصلاح الجامعي.
فالإصلاح من منظور أكاديمي هو بنية متكاملة و متجانسة تتفاعل وتتحرك بداخلها مجموعة من العناصر والمقومات والأنماط في إطار نسق عام لا يقبل التجزيء أو الاختزال، وكل فعل تأسيسي لهذا الإصلاح ينبغي أن ينطلق من الوعي الشمولي به في أفق الحق التثبيتي له. فالجامعة المغربية عرفت جغرافية معقدة ومركبة في معانيها و مفاهيمها ومضامينها ووظائفها، هذه الجغرافية أضحت معها بوصلة الإصلاح غير ثابتة الاتجاه و سريعة التذبذب مما يوحي بوجود خلل في عملية الهندسة والتخطيط و البناء.
والمطلوب اليوم هو رفع منسوب الواقعية والجرأة الفكرية والشجاعة الأدبية لوضع حدود لمجموعة من القضايا المغلوطة والمفاهيم الخاطئة، وخلق موجبات جديدة والتفكير في تغيير آليات العمل العاجزة لأننا قد نعيش مرحلة ضياع أخرى وإهدار للطاقات إذا لم نقم باجتراح أدوات للإنقاذ ووسائل لإسقاط المعيقات والحواجز وخلق مقومات التفاعل و تنظيم المجال بشكل عقلاني عبر سياسة الحوار التواصلي والتدبير التشاركي لقضايا الجامعة وتفعيل حقيقي للأجهزة الأكاديمية في ظل دمقرطة حقيقية للمؤسسات واستقلالية تامة في صياغة القرار دون أي ضغط أو إكراه أو إملاء حتى تصبح القرارات ذات صبغة ثقافية منبثقة عن قيادات ونخب فكرية أمام ضعف البنية الذهنية لمسؤولينا والتي أصابتها الشيخوخة المعرفية وتسعى جاهدة لتدبير زمان ليس بزمانها.
إن تجربة منظومة LMD كفيلة بأن تشكل لنا اليوم أداة للقياس من أجل قراءة مغايرة ومقاربة نقدية موضوعية وواقعية لما هو مطروح، نثبت من خلالها أن لدينا عقلا نمارس به الفهم والتفكير و إعادة الصياغة و أن هذا العقل ليس في إجازة ولا يرضى بالمغادرة الطوعية أو القسرية ولا يقبل بما هو جاهز إلا بعد تمحيص أو الاستدلال عليه وهذا يفترض منا وقفة تحليلية لمسار الإصلاح في أطره الإستراتيجية الثلاثة :
الإطار المرجعي، الإطار المنهجي و الإطار التطبيقي.
إن نظام الباكالوريوس لا يعني اختزال المنظومة البيداغوجية في تمطيط الوعاء الزمني إلى أربع سنوات أو في العدد المرتفع لوحدات المهارات الناعمة على حساب التخصصات الأساسية في المجالات المعرفية الدقيقة لأننا سنكون بصدد إنتاج وإصدار شواهد جامعية في تخصص الإنفتاح وليس في العلوم الأكاديمية يصعب معها تحقيق المعادلة مع الشواهد الدولية وهذا مأزق إجرائي/قانوني يجسد غياب استراتيجية تحصينية. أضف إلى ذالك أن غالبية الأساتذة ليسوا على دراية عميقة بطبيعة الوحدات الجديدة التي تستوجب الآلاف من المتخصصين في مجال العلوم الإنسانية والإجتماعية والتربوية. وأمام هذا الوضع الشاذ سنجد أنفسنا داخل الساحة الجامعية في تسابق محموم لكل من فشل في تلقين تخصصه لمزاولة الإنفتاح بعد سنوات طويلة وعريضة من الإنغلاق. وقد يصبح هذا الإنفتاح معيارا وقاعدة أساسية في مسلسل الترقية.
فاليوم نحن أمام شهادات و أجوبة عملية و إفرازات و تداعيات واقعية تتبث بالملموس أن الإصلاح محكوم بسقف تنفيذه و أن هذا الخيار أصبح محدودا أمام غياب الإمكانيات وضعف البنيات التحتية لاستيعاب مضامينه وتحسين وضعية أطره وتغيير أنظمته، و أن الإصلاح بهذا الشكل و هذا المضمون سوف يكلف خسائر اجتماعية و سيفتح حسابا تاريخيا وسيشكل عبءا مهنيا أمام غياب الدقة في التصور و الوضوح في منهجية الإعمال، فكيف عسانا أن يكون لمشروع الإصلاح تمثلات في صيغة إصلاحات بنيوية حقيقية و مسطرية هيكلية ووظيفية بعيدا عن ما ألفناه (إشكالية مشروع الرئاسة لتطوير الجامعات والمؤسسات وفضائح الولوج للمناصب والكراسي وصفقات الشراكة العام/خاص......).
اليوم يتضح أن خطاب الإصلاح لم تكن له اعتبارات دلالية ورمزية و بلاغية وقصدية، فأين هي مصداقية عناوين الخطاب الرسمي ؟ عنوان إدماج الجامعة في محيطها السوسيو اقتصادي، عنوان التكوين يساوي التشغيل والتكوين مدى الحياة ، جودة التكوين، حكامة التدبير، دمقرطة المؤسسات، استقلالية القرار الجامعي والحرية الأكاديمية ....الخ. سيكولوجيا ، نحن في حاجة إلى إحداث قطيعة مع الغموض ومع الأساليب التقليدية، وعمليا نحن في حاجة إلى خلق مسلك وازن على مستوى الانفتاح والحوار والتواصل والتدبير بالتشارك لأن مصيبتنا دائما في استعارة واستنساخ النماذج الفاشلة وفي احتضانها وتبنيها والدفاع عنها مع ما يفرزه هذا السلوك من إشكاليات في المرجعية والتمثيلية وفي مسلسل الأجراة والإنجاز وفي طبيعة العقلية السائدة للمسؤولين والتي لا تمتلك الحد الأدنى من تقنيات ومهارات التسيير الإداري للمؤسسات الجامعية حيث تبقى الكلفة الحقيقية لهذا الإصلاح برواده ورؤسائه و عمدائه هو الدمار الفكري وضرب الدماغ لأننا لا نريد الخروج من دائرة التراجع و الفشل و نحن أمام تحديات كبرى و رهانات تتمحور حول بناء الإنسان و التأسيس لمجتمع المعرفة وتحقيق التنمية البشرية وهندسة نموذجها و صناعة الشخصية المتوازنة من خلال التأطير والتنظيم والتوجيه، شخصية قادرة على اتخاذ المبادرة وصناعة القرار الصحيح والسليم، شخصية متكاملة و منسجمة مع ذاتها من خلال تحقيق رغبتها في التحصيل و البحث و زيادة قدراتها على امتلاك المعرفة وتطويرها وتحديثها وإعادة إنتاجها من جديد.
من هنا نتساءل هل لدينا الأداة و العقل والفضاء المنتج للمعرفة وهل هناك تمثلات لهذه المعرفة وآليات لتحريكها وتوظيفها علما أن مصدر المعرفة هو البحث العلمي فبدونه أضحينا مستهلكين للأفكار وللمعارف ولسنا منتجين لها. فمشهد البحث العلمي هو الآخر يتشكل ويعرف مخاضا في ظل الحديث عن الإصلاح وعلينا أن نكون بداخله وأن تكون لنا مواقف فكرية من المستجدات التي يفرزها هذا المشهد بشكل سريع ومتلاحق، كي نساهم من موقعنا في ولادة عناصر القوة و الإرادة، فكل مخاض هو مؤشر للولادة، والمولود هذه المرة لا ينبغي أن يكون معاقا رغم أن التحاليل القبلية تؤشر على ذالك ، فالمشهد هو أيضا مفتوح على ثغرات تحت عناوين متعددة منها ما هو هيكلي و تنظيمي ووظيفي وقانوني ومسطري.
فمشاكل اليوم هي إشكاليات في الغد، والإشكاليات قد تنتقل إلى أزمات بعد الغد. خيارنا كأساتذة باحثين في الجامعة واضح هو الالتزام بإصلاح حقيقي واقعي وبرؤية شمولية واضحة، و نعرف ماذا نريد إنها الإمكانيات والأدوات و لا تنقصنا الكفاءات والخبرات، وعلى الآخر ونعني بذالك الجهات الوصية والمجالس المحلية وقطاعات الإنتاج والأطراف الأخرى المكونة للمحيط أن تختار وتقر ماذا تريد، همنا في ذالك و الجميع يشاركنا فيه هو الارتقاء بالأداء إلى مستوى أفضل وهذا هدفنا ، مع تفعيل التدبير بالتشارك وهذا عنواننا ، و تكريس مبدأ الديمقراطية و الاستقلالية الأكاديمية في صناعة القرار وهذا خيارنا ، والالتزام بالوضوح و الشفافية في التدبير المالي والإداري وهذا مقصدنا و تثبيت مفاهيم التقييم و التقويم المنتظم مع الاستطلاع الدوري للفاعلين وهذه وسيلتنا مع القطع مع المحسوبية والزبونية والإنتماءات الإيديولوجية في توزيع مناصب التسيير والمسؤولية مع تفعيل آليات المتابعة والمحاسبة.
هكذا فان أي تعامل مع الجامعة ينبغي أن يأتي احتراما لدورها ولمعناها ولوظيفتها كجامعة وطنية و فضاء لبناء الإنسان ومحضن للتنمية وصناعة المحيط و ليس كمؤسسة عمومية قابلة للإفلاس في أفق تسريح مستخدميها و تفويت عقاراتها للخواص. للتذكير فالإصلاح ليس مسؤولية فرد أو رئيس جامعة أو عميد مؤسسة وإنما هو مسؤولية وطنية ومشروع مجتمع يقتضي وجوب تحقق الاستقرار المهني وعدم العبث بالإطار القانون للجامعة (مؤسسة عمومية ) وبالوضعية الإدارية للأستاذ الباحث (مستخدم) وعدم فرض الفاسدين على رأس المؤسسات الجامعية.
وفي الختام وليس أخيرا تبقى هناك مجموعة من الأسئلة المطروحة و القضايا العالقة والحارقة التي تحتاج إلى إجابات واضحة وصريحة أمام ما يفرزه الواقع بشكل سريع من عبث و ارتجال:
سؤال التقييم و التقويم لمنظومة الإصلاح LMD.
التدقيق والافتحاص لمسلسل التدبير والتسيير الإداري في سياق ارتباط المسؤولية بالمحاسبة.
مساءلة مشاريع الرؤساء و العمداء على مستوى الانجاز و الإخفاق و فضيحة الاستنساخ وعدم الوفاء والالتزام مقابل رواتب شهرية تعلو على الإصلاح.
سؤال الميزانية في إعدادها و توزيعها و صرفها وترشيد نفقاتها وتدقيق حساباتها والتعقيدات الممنهجة لوزارة المالية في هذا الشأن.
سؤال الهيكلة الإدارية و التأهيل الإداري والتحديث والعصرنة والحكامة الإدارية.
سؤال تفعيل الأجهزة الجامعية بما يفيد الحوار التواصلي والتدبير التشاركي وعدم المساس باستقلالية القرار الجامعي.
غياب الإمكانيات و الأدوات وضعف البنى الارتكازية لاستيعاب مضمون الإصلاح.
عدم الوفاء بالوعد المنصوص عليه في الميثاق والمتعلق بنسبة 5% لدعم الإصلاح وتطوير مناهجه.
الدور الباهت و الغياب المستمر للأعضاء بحكم القانون في الأجهزة التقريرية للجامعة.
سؤال المصداقية فيما يخص مباديء الاستقلالية و الديمقراطية والحرية الأكاديمية.
استهداف البحث العلمي بهيكلة للعبث العلمي وبضريبة قهرية على الراتب الشهري تعتبر وصمة عار على جبين الجهات الرسمية والنقابة الوطنية.
سؤال التوظيف والخصاص في الموارد البشرية التي تم استنزافها تحت غطاء المغادرة الطوعية وأنظمة التعاقد والتقاعد.
سؤال الجودة المفقودة وحكامة التبذير(عفوا إنه سوء التدبير)… الخ
الأسئلة كثيرة ومتعددة بتعداد الأخطاء المنبثقة عن أجرأة الإصلاح و التي ترقى إلى مستوى صياغة وتأليف ديوان أسئلة الإصلاح الجامعي في أفق إصلاح ما تم إصلاحه بحثا عن الإصلاح والأصلح تحقيقا لمفهوم الصلاح. وفي الأخير إسألوا الجامعات الخاصة (الأخوين - الرباط – بنجرير – فاس وووووو) هل لديها القابلية المؤسساتية لإعمال هذا المشروع باسم الإصلاح الجامعي أم أن السياسة التعليمية أضحت سياستين إحداهما خاصة لصناعة القيادة والأخرى عامة لإيجاد قاعدة نستدعيها فقط للحفاظ على السيادة.
الدكتور عبد الكبير بلاوشو ، أستاذ بكلية العلوم - جامعة محمد الخامس الرباط