الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد الشمسي: مهنيون برتبة "ديدان الجيف"

محمد الشمسي: مهنيون برتبة "ديدان الجيف" محمد الشمسي

هناك مهن نبيلة تستمد نبلها من سمو الخدمات الإنسانية التي تقدمها للناس، كالطب والصحافة والمحاماة، ولذلك احتاجت هذه المهن دوما لفرسان مغوارين، يمارسونها أحسن ممارسة، فيستمدون رفعتهم من تقيدهم بضوابط مهنتهم.

 

وإذا كانت الممارسة الخطأ للمهنة تحت ضغط الحاجة والعسر، أو تحت تأثير سوء التكوين وحسن التلقي يمكن تعديلها وتصليحها وجبر تشققاتها، فإن ممارسة المهنة بكثير من الغل والرغبة في الانتقام، وبجرعة زائدة من "البسالة" والنزق، وجعلها موجة يركبها ذلك المهني الحقود، الذي يتخذ من نبلها خندقا يتوارى تحت شرفه ليقصف الناس بالحجر، ويحول صاحبنا ممارسته إلى ما يشبه أعمال القوادة، فإنه لا مخرج لتلك المهنة مع تلك الأورام الخبيثة سوى باجتثاثها واستئصالها.

 

وتدلنا المعاينة اليومية على تسرب مهنيين إلى روح بعض المهن كما يتسرب الغاز الكيماوي القاتل، ففي البداية هم لا يجتازون مباراة مثلهم مثل كل الخلق من رفاق المهنة، بل تراهم يغيرون عليها ويداهمونها بقوة قانون عنصري ناكر لفعل المساواة، وينتصر لهؤلاء على حساب أولئك، ويمنحهم ضوءا أخضر لدخولها فاتحين ولو كره أهلها، وحتى إذا ثبت حاجة هذا الوافد إلى حصص في إعادة التربية والتأهيل، حماية له من سوابقه، تأبط صاحبنا صكا من صكوك الغفران ودخلها عنوة، مثل ذلك الذي يرغم زوجته للرجوع إلى بيت الزوجية بحكم قضائي كرها لا طوعا، ويصبو إليها ليلا.

 

وحين يستوطن صاحبنا ويصبح مهنيا له ما للذكر في المهنة كما للأنثى، يدخل في حالة من التشنج والهذيان وتنتابه نوبات في المواقف، وهو يحمل سيفا هلاميا، وقد رسم لنفسه أعداء، وصنع لنفسه معركة، وأعلن الثأر والانتقام في حرب بلا دخان ، وبات مثل الدون كيشوت ديلامانشا يحارب طواحين الهواء، يلعن و يذم ويهين ويحقر والكل من تحت غطاء شرف المهنة، مثله مثل قاطع طريق يختبئ خلف أكمة في انتظار الانقضاض على أحد المارة.

 

وكلما غالب صاحبنا القيء المهني، ولا يجد لذلك وعاء أو آنية لتصريفه، انقض على واقعة بدون ترخيص ولا تكليف، ويشرع في نفث أحقاده على خصومه، ودائما من وراء ستار رفعة المهنة، يصبح مثل دودة الجيف، التي تزحف نحو الأشلاء لتتغذى من الزناخة والنتانة.

 

هؤلاء يكتبهم التاريخ عصاة فساقا، يجرؤون على نبل رسالة مهنتهم، كما تجرأ من قبلهم أبو لهب على رسالة خير البشرية صلى الله عليه وسلم، والختام في سورة المسد.