تمثل مسألة الاختصاصات التي من المنتظر أن تمارسها جهة الصحراء المغربية، في إطار مقترح الحكم الذاتي، المؤشر الأساسي، إلى جانب مؤشر التمثيلية الديمقراطية، الذي من خلاله يمكن قياس فعلية الاستقلالية الواسعة والحكم الذاتي التي من المفترض أن تتمتع بهما هذه الجهة. فمن خلال قراءة المقترح المغربي، كما تم وضعه لدى الأمم المتحدة في 11 أبريل 2007، يتضح أن تحديد الاختصاصات لا يقتصر على مادة واحدة، المادة 12، بل لا بد من العودة كذلك إلى عدد من المواد الأخرى لتلمس مساحة هذه الاختصاصات. وبشكل عام يمكن القول إن جهة الصحراء سيكون معترفا لها بممارسة اختصاصات تشريعية، واختصاصات إدارية، واختصاصات قضائية، بالإضافة إلى اختصاصات في مجال التعاون الدولي والعلاقات الخارجية.
فعلى المستوى التشريعي، يمكن لبرلمان الجهة المنتخب تبني عدد من القوانين التي تهم الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية التي تهم الجهة. كما يختص البرلمان في تحديد ميزانية الجهة ونظامها الجبائي. وهو ما يعني أن المسألة لا تتعلق فقط بانتخاب مؤسسة تشريعية ولكن أيضا بمسؤولية هذه المؤسسة عن تملك رؤية استراتيجية وبرنامج تنموي يخص الجهة. كما يختص برلمان الجهة في إحداث محاكم تتولى البت في النزاعات التي قد تنشأ عن تطبيق الضوابط التــي تضعها هيئات الجهة.
على المستوى الإداري، يلاحظ أن تدبير الجهة إداريا لن يتم فقط من خلال المصالح الإدارية التقليدية، إذ أن مقترح الحكم الذاتي ذهب إلى حد تمكين الجهة من حكومة محلية ورئيس حكومة منتخب من قبل برلمان الجهة وينصبه الملك عقب ذلك، وهو ما يجعله يتمتع بمشروعيتين، نيابية وملكية. على هذا الأساس، تأخذ الاختصاصات الإدارية لجهة الحكم الذاتي بعدين أساسيين: البعد الأول تنفيذي أو تنظيمي تأخذ من خلاله الحكومة المحلية من خلال مقررات تنظيمية كل التدابير التي تسمح بتنفيذ القوانين الصادرة عن البرلمان الجهوي من جهة، وبتنزيل الاختصاصات الاجتماعية والثقافية والبيئية المعترف بها للجهة من جهة أخرى. أما البعد الثاني فيتعلق بالتدبير الإداري التقليدي الذي تمارسه المصالح الإدارية في تدبير المرافق العمومية المحلية واتخاذ إجراءات الشرطة الإدارية كما هو معمول بها في كل الوحدات المحلية المنتخبة. وبناء على هذا التصور، يمكن القول إن جهة الحكم الذاتي ستتوفر على هيكل مؤسساتي إداري متكامل. وهو ما يحيل على سؤال الموارد البشرية الضرورية. وفي هذا الباب، نص مقترح الحكم الذاتي على اختصاص رئيس حكومة الجهة في تعيين الموظفين الضروريين لتفعيل الاختصاصات التنفيذية للجهة. وهو ما قد يعني ضرورة تبني إطار تنظيمي خاص بالموارد البشرية للجهة.
تمارس جهة الحكم الذاتي أيضا اختصاصات في المجال القضائي إذ يختص برلمان الجهة في خلق محاكم تصدر أحكاما في النزاعات الناشئة عن تطبيق التدابير التنظيمية التي تضعها مؤسسات الجهة والتي تقع ضمن اختصاصها. علاوة على محكمة عليا جهوية تختص في النظر في تأويل القوانين الصادرة عن برلمان الجهة، وهو الاختصاص الذي من الضروري أن يمارس في احترام لاختصاص محكمة النقض والمحكمة الدستورية. وتمثل هذه المحكمة إضافة نوعية إلى التنظيم القضائي لجهة الحكم الذاتي، لا نجد لها مثيلا في التجارب الدولية المقارنة لما يسمى بالمجموعات المستقلة أو المتمتعة بالحكم الذاتي كما هو الحال في إسبانيا أو إيطاليا.
لكن ما يثير الاهتمام هو اعتراف مقترح الحكم الذاتي لجهة الصحراء باختصاصات في مجال العلاقات الدولية. فعلى الرغم من تنصيص المقترح على الاختصاص الحصري للدولة في هذا المجال، إلا أن المقترح أقر للجهة بنوعين من الأدوار في العلاقات الخارجية. الدور الأول ذو طابع استشاري، تلتزم من خلاله الدولة المغربية بالتشاور مع جهة الحكم الذاتي للصحراء في كل القضايا ذات الصلة المباشرة باختصاصات هذه الجهة. وهو ما يشكل تعبيرا عن احترام حقيقي للطابع الديمقراطي لمؤسسات الجهة وتفعيلا للنظام الخاص الذي من المفترض أن يشملها. أما الدور الثاني فذو طبيعة تقريرية يسمح للجهة بتشاور مع الحكومة، بإقامة علاقات شراكة مع جهات من دول أجنبية بهـدف تطوير الحوار والتعاون معها.
يبقى أن كل اختصاص آخر لم يتم التنصيص صراحة على تخويله لجهة الحكم الذاتي فإنه يتم تحديد جهة الاختصاص، أي الدولة أو الجهة، بناء على اتفاق خاص بينهما، وعلى أساس مبدأ التفريع، مما يعني أن الأولوية ستكون للمجال الترابي الأكثر ملاءمة لممارسة الاختصاص المقصود.
في الأخير، وبالنظر لطبيعة وامتداد الاختصاصات المذكورة، يمكن القول إن الأمر لا يتعلق بمجرد إدارة ترابية منتخبة أو تدبير حر لمجال ترابي، بل إننا بصدد ترسيخ سلطة جهوية في منطقة الحكم الذاتي التي ستمارس صلاحيات تقريرية وتنفيذية واسعة لا يحدها إلا احترام رموز السيادة الوطنية وثوابت الأمة والعيش المشترك التي حددها الدستور والتي تشكل إطار الوحدة الوطنية وتحفظ لحمتها.
عبد الرحمن حداد، أستاذ باحث بجامعة مولاي إسماعيل، مكناس
