الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

الصادق العثماني: ظاهرة التسول تسائلنا وتفضح تديننا المغشوش

الصادق العثماني: ظاهرة التسول تسائلنا وتفضح تديننا المغشوش الصادق العثماني

ارتفاع ظاهرة التسول في العالم الإسلامي شيء مرعب ومخيف، وبصمة عار في جبين كل مسلم وكل مسؤول أوكلت إليه مهمة رعية شؤون الناس وخدمتهم في مؤسسة من المؤسسات الاجتماعية؛ مع العلم أن ديننا الإسلامي يحرم هذا العمل لأنه يسيء إلى الإسلام وإلى سمعة المجتمع، وتُعكر صفوه وتُشوه صورة المسلم المتسول نفسه، وتجعله يظهر بصورة المحتاج والذليل.. والإسلام ينهانا عن أن يذل المؤمن نفسه يقول صلى الله عليه وسلم "لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ". ويقول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر "مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ، حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ".

 

فتحذير الإسلام من التسول لكونه يتنافى مع الكرامة الإنسانية التي خصها الله تعالى للإنسان، قال تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" وهذا التحريم يخص على وجه التحديد كل مَن يملك ما يُغنيه عنها من مال أو قدرة على التكسب، سواء كان ما يسأله زكاة أو تطوعاً أو كفارة، ولا يحل للمتسول أخذه، قال الشبراملسي: "لو أظهر الفاقة وظنه الدافع متصفاً بها لم يملك ما أخذه؛ لأنه قبضه من غير رضا صاحبه، إذ لم يسمح له إلا على ظن الفاقة"، لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ".

 

فعلى الحكومات المسلمة وأهل الحل والعقد فيها القيام بواجبهم تجاه هذه الشريحة من مواطنيها فهم مسؤولون أمام الله تعالى يوم الحساب، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته كما جاء في الحديث، ونحن نعلم علم اليقين بأن هناك من احترف التسول كمهنة يتاجر بها؛ بل هناك من المتسولين أغنياء يملكون محلات تجارية وشقق وبيوت..

 

لهذا ينبغي على الدول الإسلامية إصدار قوانين في هذا المجال، مع إحصاء شامل للفقراء وأصحاب العاهات والمرضى الذين لا يستطيعون القيام بأي عمل وتعويضهم بمبلغ مالي شهري يحفظون به كرامتهم؛ لأن ظاهرة التسول التي انتشرت كالنار في الهشيم في بلادنا العربية وازدادت انتشارا بعد ما سمي بالربيع العربي قلت: ظاهرة سلبية تسيء إلى ديننا أولا، وتسيء كذلك  إلى صورة الوطن، فعار علينا نحن كمسلمين الذي فرض الله علينا الزكاة ونحن نرى أطفالاً صغاراً ونساءً ورجالا قد بلغوا من الكبر عتيا على  أبواب المساجد، وفي الشوارع حفاة عراة غرلا.. فديننا الإسلامي قد عالج ظاهرة الجوع والفقر وظاهرة التسول بكثير من الطرق الناجعة، منها الحض على العمل والإنتاج، وجعل أفضل ما يأكل الرجل من كسب يده؛ لقول صلى الله عليه وسلم: "مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ"؛ وأما من كان في ضيق وكربة من كرب الدنيا أو مرض وغير ذلك...

 

فعلى الجهات المعنية القيام بواجبها تجاه هؤلاء، فهي مسؤولة عنهم وعن حفظ كرامتهم، وما فرضت الزكاة في الإسلام على الأغنياء إلا لحفظ كرامة هذه الشريحة في المجتمع من إذلال أنفسهم على أبواب المساجد والطرقات والأسواق، فظاهرة التسول في بلادنا الإسلامية والعربية إن دلت على شيء فإنما تدل على تديننا المغشوش الذي لا روح فيه، وليس بينه وبين الدين الحق إلا العفو والعافية.

 

- الصادق العثماني، باحث في الفكر الإسلامي