الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

جمال المحافظ: محاكمة اليوسفي صحفيا ما بين قصاصة "لاماب" وجريدة "الرأي العام"  

جمال المحافظ: محاكمة اليوسفي صحفيا ما بين قصاصة "لاماب" وجريدة "الرأي العام"   جمال المحافظ

في 17 دجنبر 1959 أفادت قصاصة عممتها وكالة المغرب العربي للأنباء، استنادا لأوساط وصفتها بالقريبة من المحكمة الاقليمية بالرباط، أنه على اثر انعقاد المجلس الوزاري يوم 14 دجنبر الذى خصصت مداولاته للنظر في قضية جريدة "التحرير" أصدر قاضي التحقيق  بالمحكمة الاقليمية بالرباط، أمرا بإحضار السيد محمد البصري مديرها والسيد عبد الرحمان اليوسفي رئيس تحريرها. وبعدما حضرا أمامه يوم الثلاثاء 15 دجنبر واستنطاقهما، وجه اليهما عددا من التهم من بينها "تهجمات على مقام صاحب الجلالة المعاقب عليها طبقا للفصل 41 من قانون الصحافة" وهي "التهجمات" التي لم يفصح عن طبيعتها.

 

وذكرت الوكالة أن التهم التي وجهها قاضي التحقيق الى البصري واليوسفي تتعلق أيضا بـ "التحريض على ارتكاب جرائم ضد أمن الدولة المعاقب عليها طبقا للمادة 39 من نفس القانون" و"القيام بأعمال من شأنها أن تخل بالأمن العام".

 

وبأمر من قاضي التحقيق، أوضحت الوكالة أن الشرطة أوقفت بالدار البيضاء محمد البصري مدير صحيفة "التحرير" وعبد الرحمان اليوسفي رئيس تحريرها. وبعد أن نقلا الى الرباط، أصدر القاضي أوامره بـ "إلقائهما في الحبس الاحتياطي، رهن التحقيق"، وذلك بناء على البلاغ الصادر عن الديوان الملكي بشأن صحيفة "التحرير" والذي أحال الأمر الى القضاء لمتابعة المسؤولين عنها.

 

وتحت عنوان "بقانون بن عرفة يحاكمون اليوم" كتبت جريدة "الرأي العام" لسان حزب الشورى والاستقلال التي كان يديرها المرحوم أحمد بن سودة،  بعد بث قصاصة "لاماب"، أنه تبين أن قاضي البحث وجه الي البصري واليوسفي تهما أربع خطيرة ينطق ببعضها لأول مرة في عهد الاستقلال ضد وطنيين معروفين ومقاومين بارزين، موضحة أن "جميع التهم التي يدين بها القانون الجاري به العمل في المغرب إدانات وتبتدئ من الغرامة والسجن العادي ولمدة قصيرة، وتتدرج  حتى تتصل الى عقوبتي السجن المؤبد والاعدام" وفق ظهير وقع عليه ابن عرفة بعد نفي الملك محمد الخامس. وأضافت قائلة في هذا الصدد "إذ من المعلوم أن هذا "الظهير" لم يشف غليل المشرعين الفرنسيين، إذ ذاك فقدموا لابن عرفة ظهيرا آخر مؤرخا ب 19 أبريل 1954 يتمم القانون السابق، وينص على الحكم بالإعدام بدلا من السجن المؤبد".

 

وذكرت الجريدة بأن "التشريع اضطر الى هذا التغيير أمام استفحال خطر المقاومة الوطنية، وامتداد لهيبها في المدن والقرى". وتساءلت "أليس اذن غريبا أن يحاكم اليوم البصري واليوسفي، بهذه المواد وبالقانون الذي يرجع الى ظروف خطيرة نحمد الله على أنها قد دخلت في خبر كان؟"

 

وأكدت الصحيفة الشورية " لقد كان القدر يخبئ للبصري أن يحاكم بهذا القانون، عندما كان معتقلا من طرف الاستعمار وأعوان ابن عرفة لولا أنه نظم هروبه من سجن القنيطرة مؤمنة من اخوانه المقاومين أفلتوا بأعجوبة، وعادوا ليلهبوا حماس المقاومين وينظموا حركة المقاومة. وقالت "أيكون الدهر الساخر قد ادخر هذا القانون وما جاء فيه من مواد ليحاكم به البصري لا في عهد ابن عرفة ولكن في عهد الاستقلال؟".

 

واستغربت "الرأي العام" من أن "ستة إجراءات استفزازية" اتخذت ضد جريدة "التحرير" في ظرف أسبوعين اثنين، منها حجزها ومنعها عن الصدور، قبل أن يتم اعتقال مديرها ورئيس تحريرها".

 

وبعنوان "حبل الخيانة قصير" تساءلت جريدة "الرأي العام" في افتتاحيتها "هل يعقل أن يكون اليوم في زنزانات السجن من كانوا دائما للملك عونا ولقضيته جندا، في حين كيف يكون على رأس بعض المسؤوليات من ركعوا الى بن عرفة أيام كان البصري (الفقيه) واليوسفي يجيشان الجيوش لإحباط كيد الاستعمار المتآمر على سيادة المغرب في شخص محمد الخامس".

 

إذا كان القانون يراعى في هذه البلاد -لا يسمح باعتقال رجال الصحافة بهذا الشكل وقانون الصحافة، لا يبيح اعتقال رئيس تحرير جريدة ما- تساءل كاتب الافتتاحية-، لأنه غير مسؤول قانونيا. فلماذا إذن اعتقل البصرى واليوسفي بهذه الكيفية..؟ بل لماذا اعتقل اليوسفي... ؟؟؟ سؤال نرجو أن يزول من أذهاننا – ومن أذهان الناس في الداخل والخارج "الذين يتساءلون عن اسباب اعتقال هاتين الشخصيتين المعروفتين بكفاحهما ونضالهما، في سبيل استقلال بلادهما وتقدمها الشيء الكثير" ويستغربون من اعتبار المعتقلين كمجرمين وحرمانهم من حقوقهم السياسية.

 

وأشادت "الرأي العام" بالدور الذى قامت به الصحافة احتجاجا على اعتقال اليوسفي والبصري، بالقول "حيا الله الصحافة.. التي رددت أصداء هذا الحادث مناصرة للحرية منددة بالاضطهاد، لم يتخلف منها عن هذه الخطة الا صحافة الاستعمار وأعوانه فقد وجدت هذه في الحادث ما ينقع غلتها، ويروى ظمأها الى الكيد للأحرار، والتشفي منهم حين يمتحنون، ولكنه كيد العاجز وتشفي الوضيع، ولا يضر السحاب نبح الكلاب".

 

ونقلت "الرأي العام" عن الكتابة العامة لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية التعبير في بلاغ لها عن "احتجاجاتها الصارمة على هذه التدابير والتصرفات التي تفضح أمام الرأي العام الأغراض الرخيصة المستهدفة من هذه التدابير والتي تحاول بها عناصر الفساد المعروفة من لدن الشعب المغربي حماية فسادها من انتقاد لم تمله الا المصلحة الوطنية وحدها". و"لإخفاء هذه الأغراض –توضح الكتابة العامة للحزب- تتجرأ تلك العناصر حتى التستر  وراء اسم صاحب الجلالة بغية احداث ثغرة في التضامن القائم بين جلالته والقوات الشعبية ذلك التضامن الذى كان دائما ذخرا حقق به الملك والشعب انتصارات باهرة في الكفاح الوطني".

 

وبعدما أكدت الكتابة العامة على أنها "شاعرة بان هؤلاء المفسدين لن يخلو لهم المجال إلا في جو الاستفزازات التي لم يفتؤوا يخلقونها ويغدونها"، أهابت بـ "الشعب المغربي أن يحتفظ بحدره ويقظته حتى لا يقع في الفخ الذي نصبه أعوان الاستعمار المتربصون باستقلاله، وتطالب بوضع حد لهذا الدور الاستفزازي، وذلك بإطلاق سراح الاخوين (البصري واليوسفي) وبرفع التدابير الجائرة التي ظلت جريدة " التحرير" تستهدف لها حتى تستطيع أداء رسالتها الوطنية على الوجه الأكمل".                     

 

وتجدر الاشارة إلى أن هذا المقال، يندرج في إطار مؤلف قيد الإنجاز حول تاريخ الوقائع الصحافية والمؤسسات الإعلامية بالمغرب، منذ الاستقلال سنة 1956 سنة الى دستور 2011 ومنها رصد لأبرز الأحداث ومنها أكبر المحاكمات التي طالت الصحافة والصحفيين.

 

- جمال المحافظ، صحفي، باحث في الاعلام والاتصال