الأحد 28 ديسمبر 2025
كتاب الرأي

فؤاد ابن المير: المغرب و«كان 2025»..حين يأتي درس التنظيم من الجنوب

فؤاد ابن المير: المغرب و«كان 2025»..حين يأتي درس التنظيم من الجنوب فؤاد ابن المير
من سؤال الشك إلى منطق الإعجاب
 
كلما استضاف بلد أفريقي تظاهرة رياضية كبرى، عاد السؤال التقليدي إلى الواجهة: هل ستكون البنية التحتية في الموعد؟ سؤال يعكس تصوراً مترسخاً يعتبر التنظيم حكراً على الشمال، ويضع الجنوب دائماً في موقع الاختبار. غير أن تجربة المغرب في كأس إفريقيا للأمم 2025 أربكت هذا المنطق، ودفعت الإعلام الدولي إلى طرح سؤال مختلف: كيف نجح هذا البلد في قلب المعادلة؟
 
ما لا يُرى أهم مما يُرى
 
لم تتركز الإشادة الدولية على هندسة الملاعب أو سعة المدرجات فقط، بل على ما هو أعمق: جودة الأرضيات وأنظمة التصريف الذكية. الملاعب المغربية لم تُصمَّم لمقاومة المناخ فحسب، بل للتفاعل معه. المطر لم يعد تهديداً للمباريات، بل عنصراً ضمن دورة مدروسة لتدبير الماء، في بلد يعرف قيمة كل قطرة.
 
انقلاب هادئ في تدفق المعرفة
 
أهمية هذه التجربة لا تكمن في بعدها الرياضي فقط، بل في رمزيتها السياسية والحضارية. فبدل أن يستورد الجنوب نماذج جاهزة، قدم حلولاً تقنية نابعة من واقع الندرة والضغط البيئي. هنا يتحول التحدي إلى مصدر ابتكار، وتصبح البنية التحتية تعبيراً عن سيادة القرار وحسن التدبير، لا مجرد واجهة استعراضية.
 
اعتراف دولي وتغير في النظرة
 
في أوروبا، عبّر خبراء عن إعجابهم بمستوى الجاهزية التقنية في بلد ذي مناخ شبه جاف، بينما رأت تحليلات آسيوية في التجربة المغربية درساً في ربط الرياضة بتدبير المجال والسيادة البيئية. هذا الاعتراف، الصادر من خارج دائرة المجاملة، يؤشر إلى تغير ملموس في نظرة العالم إلى أدوار الشمال والجنوب.
 
ما بعد كرة القدم
 
«كان 2025» ليست مجرد بطولة قارية، بل لحظة فارقة في إعادة تعريف مفاهيم التنظيم والكفاءة. لقد نجح المغرب في نقل النقاش من منطق النقص إلى منطق الإتقان، ومن موقع الدفاع إلى موقع تقديم النموذج.
 
في زمن تتراجع فيه المسلمات القديمة، جاءت الرسالة من ملعب كرة قدم: التنظيم ليس امتيازاً جغرافياً، والمعرفة لا تسير دائماً في اتجاه واحد. أحياناً، يأتي الدرس من الجنوب… ومن تحت العشب.
 
فؤاد ابن المير دكتور
باحث في علم الاجتماع والقانون العام.