السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

سعيد الكحل: ابحثوا عن مسؤولية الدولة في الجرائم الإرهابية

سعيد الكحل: ابحثوا عن مسؤولية الدولة في الجرائم الإرهابية سعيد الكحل
بداية ينبغي التنويه بجهود الأجهزة الأمنية في الكشف عن منفذي "عملية شمهروش" الوحشية التي قلت فيها سائحتان شر قتلة . كما ينبغي التذكير بأن هذه الجهود مهما تكثفت وتضافرت فهي تتصدى للنتائج وليس للأسباب التي تنتج الإرهاب والبيئة التي تفرخ الإرهابيين. وهذا الذي يفسر انفلات إرهابيي مراكش من كل مراقبة أمنية .من هنا نجد أنفسنا أمام سؤال مركزي: ما هي عوامل صناعة الإرهابيين ؟ أي كيف يتم إنتاجهم وتحويلهم إلى إرهابيين ؟
فالإرهابيون لم يولدوا إرهابيين؛ بل صاروا كذلك. لذا وجب التصدي للعوامل التي حولتهم إلى إرهابيين ، أي تجفيف منابع التطرف والإرهاب. فقتلة السائحتين ليسوا أجانب تسللوا إلينا ، بل هم أبناء جلدتنا يعيشون بيننا لكن حولتهم عقائد التكفير وفتاوى القتل والكراهية إلى قتلة همجيين . فما مصدر هذه العقائد والفتاوى ؟
لقد وفرت الدولة، منذ الثورة الخمينية، ثم"الجهاد الأفغاني" كل الظروف المادية والسياسية والقانونية لإيجاد بيئة فكرية وثقافية مناسبة لاحتضان فقه التكفير وعقائد القتل باسم الجهاد . كانت حسابات الدولة، من جهة ، مواجهة الثورة الخمينية بتشجيع التيارات الدينية التكفيرية، ومن أخرى الانخراط في الإستراتيجية الأمريكية لمواجهة الاتحاد السوفييتي على أرض أفغانستان .وكان من نتائج الحسابات الخاطئة للدولة تفجيرات 16 ماي 2003 الإرهابية بإشراف وتخطيط العائدين من "الجهاد الأفغاني".
خلال تلك الفترة الممتدة من 1978 إلى 2003، رخصت الدولة لعشرات دور القرآن التي يشرف عليها التيار التكفيري، ومكّنت دعاة التطرف من منابر المساجد وفتحت الأبواب للغزو العقدي والإيديولوجي التكفيري لملايين الكتب والأشرطة والأقراص المدمجة التي تحرض على الكراهية والتكفير والقتل . كما سمحت الدولة بالدعم الخارجي لتفريخ الجمعيات المرتبطة بالتيار التكفيري على امتداد التراب الوطني.
أحداث 16 ماي الإرهابية كان من المفروض أن تقنع الدولة، أولا بخطأ الرهان على التيار التكفيري في مواجهة التيارين الشيعي والاشتراكي .ثانيا، بالتصدي الحازم لمنابع الإرهاب الفكرية والعقدية . إلا أن الدولة ظلت مترددة في تجفيف هذه المنابع مكتفية بالمقاربة الأمنية التي تركز على تفكيك الخلايا الإرهابية عبر الضربات الاستباقية.
وهذه المقاربة تعالج النتائج دون الأسباب، وأية مقاربة أمنية، مهما كانت فعاليتها، لا يمكنها منع تنفيذ العمليات الإرهابية منعا تاما. فالإرهاب ليس كمثل الجريمة المنظمة ، يكفي تفكيك الشبكات لمحاصرة الأنشطة أو القضاء عليها. ذلك أن الإرهاب هو ثمر عقائد دينية تنتجها وتروجها تنظيمات وأطراف ودعاة وشيوخ، من داخل مؤسسات الدولة ومن خارجها.
ومادامت جهات معينة تنتج وتروج عقائد التكفير فحتما سيكون لها أتباع يحملون تلك العقائد ويعملون على تطبيقها.
إذن مسئولية الدولة لا تنحصر في المقاربة الأمنية وتفكيك الخلايا الإرهابية رغم أهمتها، بل أساسا في التصدي لمصادر ومروجي العقائد التكفيرية. وهذا يستوجب على الدولة:
1 ــ إصدار قانون يجرّم بشكل صريح التكفير ويشدد عقوبته.
2 ــ القطع مع الموروث الفقهي الذي يكفّر غير المسلمين ومصادرة المراجع والكتب الفقهية التي تضم هذا الموروث التكفيري أو تروج له.
3 ــ إلزام المجلس العلمي الأعلى بالتراجع عن فتوى قتل المرتد والانخراط في اجتهادات فقهية منفتحة على القيم الإنسانية والمواطنة وحقوق الإنسان،أي أنسنة الفقه الإسلامي .
4 ــ مراجعة المقررات والبرامج الدينية في التعليم والإعلام والمعاهد الدينية والمدارس القرآنية بما يقطع مع فقه التكفير والقتل وعقائد الولاء والبراءة، ويكف عن تفضيل الإسلام عن باقي الأديان الأخرى.
5 ــ إغلاق كل المدارس القرآنية التي لا تشرف عليها مباشرة وزارة الأوقاف لأنها بؤرة خطيرة من بؤر التطرف والكراهية.
6 ــ إحداث هيئة عليا مختلطة مهمتها إنتاج خطاب ديني عصري يساير حركية المجتمع ويرقى بالوعي العام للمواطنين يجعلهم يشعرون أنهم جزء من الإنسانية يقاسمونها نفس القيم النبيلة.
7 ــ محاكمة كل الأفراد والهيئات التي تروج لخطاب الكراهية وفقه التكفير.
ــ منع خطباء الجمعة من الدعاء على اليهود والنصارى والكفار والإشادة بالجهاد ونصر المجاهدين في مشارق الأرض ومغاربها.
9 ــ حل أي حزب أو هيئة تتحدث باسم الدين أو تزعم احتكاره أو الدفاع عنه.
إن استمرار الدولة في التغاضي عن الفتاوى التكفيرية التي ينشرها دعاة التطرف ، أو التغاضي عن أنشطة جمعيات دعوية متطرفة، أو التساهل مع أصحاب التدوينات التكفيرية أكانوا مسئولين في الدولة أو أعضاء في أحزاب سياسية أو مواطنين عاديين، هو تشجيع للمتطرفين على استقطاب الضحايا وتجنيدهم لتنفيذ العمليات الإرهابية . إذن فالدولة مسئولة عن الأمن الروحي والفكري للمواطنين، وأي تقصير يجعلها مسئولة عن الأنشطة والعمليات الإرهابية.