الدكتور موحوش يتوسط بنكيران والشوباني بالرجوع إلى معجم العلوم السياسية - Alloz - الطبعة الرابعة نستخلص أهم ما يطبع الفاشية. فالفاشية تعرف بمناهضتها للديمقراطية والليبرالية والشيوعية. وتعطي الأولوية المطلقة لإخضاع المواطن كلية للدولة وتعمل بتكافل بين الحزب الوحيد والدولة معتمدة في ذلك على شرطتها وميليشياتها.
قد يقول قائل وما سبب هذا الموضوع؟ والجواب بسيط لمن يتتبع الشأن السياسي ببلادنا. فقد خرج علينا مؤخرا قياديون من حزب العدالة والتنمية بتصريحات منفصلة لكنها متكاملة.
- التصريح الأول يعود للأستاذ بنكيران، وهو كما يعلم الجميع رئيس حكومة سابق ورئيس سابق لحزب العدالة والتنمية وهو يخاطب أتباعه قائلا- حسب ما تناقلته وسائل إعلام إلكترونية - بأن حزب العدالة والتنمية هدية من الله إلى المغاربة وأن هناك فريقين في المغرب، فريق مساخيط الملك وفريق مساندي الملك، وبأن حزبه هو ضمن الفريق الملكي والآخرون يريدون تقويض الدولة... وبأن الله ألهمه الحكمة لمواجهة حركة 20 فبراير وهكذا وبفضله تم تجنيب المغرب هزة قوية...
ويستشف من كلام "الزعيم" المهووس بالسلطة أنه يضع نفسه رهن إشارة أولياء نعمته قصد تمرير كل المخططات التي يريدونها مقابل إرجاعه إلى مربع السلطة.
- التصريح الثاني يعود للقيادي في حزب العدالة والتنمية والوزير السابق في حكومة الأستاذ بنكيران والرئيس الحالي لمجلس جهة درعة تافيلالت حيث انبثقت عبقريته - حسب مقالات نشرتها جريدة أخبار اليوم بتاريخ 09 نونبر 2018 عدد 2739 والجريدة الإلكترونية أخبارنا المغربية يوم 08 نونبر 2018 - عن فلسفة جديدة متنافضة ظاهريا مع إيديولوجية الحزب الحاكم - وهي الدعوة إلى عسكرة المستشفيات وتقليص صلاحيات وزارة الصحة وطالب بوضع إدارة المستشفيات العمومية تحت مسؤولية القواة المسلحة الملكية.
إن قواتنا المسلحة لا يمكن إلا أن نفتخر بما تقوم به ضمن المهام المحددة لها دستوريا. ونفتخر بالعمل الذي تقوم به في الذوذ عن حرمة وحوزة الوطن ككل ضد كل عدوان خارجي. ونثمن عاليا الدور الذي تقوم به في مجال التدخلات المتعلقة بالصحة داخل الوطن وخارجه، وتجربتها هي قيمة مضافة من قيم وثراء العلوم الطبية لبلادنا. غير أن تحميلها عبء السياسة الصحية ببلادنا هو نوع من الهروب من مسؤولية وفشل الحكومة في بلورة وتنفيذ سياسة صحية قمينة بالاستجابة لحاجيات المواطنين ومحاولة تصدير الفشل إلى مؤسسة ذات طبيعة خاصة وهي القوات المسلحة الملكية. إن الاستاذ الشوباني يعرف حق المعرفة أن تكلفة تنفيذ أي سياسة صحية هي باهظة الثمن. فهل يريد الأستاذ الشوباني أن يورط القوات المسلحة في موضوع أخفقت فيه الحكومة التي يقودها حزبه؟ وما هو الهدف الأساسي من ذلك؟ ولنفترض جدلا أن الدولة جارت الأستاذ الشوباني في طرحه وألحقت القطاع الصحي بالمؤسسة العسكرية فمن أين نأتي بالموارد المالية للرفع من أعداد الموارد البشرية والتجهيزات الضرورية حتى تصبح كل مستشفيات المغرب بمستوى المستشفى العسكري محمد الخامس بالرباط؟ فبدون هذه الإمكانات لن يتغير مصيرالقطاع ولو تحت قيادة القوات المسلحة. وإذا لم يتغير واقع الصحة تحت قيادة القوات المسلحة نظرا لعدم ضخ التمويلات الكافية ألن يمس ذلك بسمعتها وعقيدتها؟ ألن يضع ذلك الدولة بأكملها موضع تساؤل؟
إن الأستاذ الشوباني يعرف أن قطاع الصحة لن تقوم له قائمة إذا لم توفر الاعتمادات المالية والبشرية الكافية وتحفيز هذه الأخيرة. فحسب المنظمة العالمية للصحة يجب رصد 10 في المئة على الأقل من ميزانية الدولة للقطاع الصحي وتوفير على الأقل 4,5 مهني صحي لكل 1000 نسمة إن أردنا تحقيق نسبة محترمة من كل هدف من الاهداف المناطة بالقطاع الصحي والمتعلقة بأهداف التنمية المستدامة. ونسبة 4,5 مهني صحي لكل 1000 نسمة تتطلب 100.000 مهني صحي جديد بالإضافة إلى العدد الحالي من الآن إلى حدود سنة 2030.
إن تصريح الأستاذين بنكيران والشوباني ينم عن شيء لا يعلمه إلا هما، وربما تدخل في إطار مخطط ما خاصة إذا استحضرنا التصريحات السابقة التي أدلى بها وزير الأحرار الطالبي العلمي، والتي يكيل من خلالها اتهامات خطيرة لحزب العدالة والتنمية بخصوص طموحات هذا الحزب في أفق السيطرة على مفاصل الدولة. وقد تدخل هذه الخرجات والتصريحات ضمن الوسائل الممكن تسخيرها قصد تحقيق ذلك.
وإذا أضفنا لهذا التصريح ما يقوم به حزب العدالة والتنمية على أرض الواقع من خلال تعيين حزبييه بالمناصب العليا للادارات العمومية بغرض التغلغل وبسط السيطرة على الادارة العليا وربط كل ذلك مع ما يجري من توطيد علاقات حزب العدالة والتنمية بتنظيم الاخوان المسلمين خاصة بعد تقلد الأستاذ الريسوني لمنصب الامين العام لعلماء المسلمين، حيث يسيطر الاخوان المسلمون على هذا التنظيم بتوجيه من قطر وتركيا. ويمكن من خلال هذا المنصب در أموال طائلة على إخوان بنكيران و الشوباني في المغرب قصد تمكينهم من بسط سيطرتهم على الدولة ككل.
وهكذا تصبح الصورة أكثر وضوح وجلية للأعمى.
يصعد الأستاذ بنكيران لهجته ويحشد أتباعه ويرسل رسائل إلى من يهمهم الأمر، ويصور باقي الخصوم السياسيين على أنهم خطر على الملكية، وألا خلاص لهذه الأخيرة إلا بتحالفها مع حزبه من أجل القضاء على أعدائهما. وحين يستتب له الأمر بعد التخلص من القوى الديمقراطية والليبرالية والماركسية ينفرد بالملكية لينفذ الشطرالآخر من المخطط مستعملا الوسائل الخارجية عبر الدعم الذي يمكن أن يقوم به تنظيم الاخوان المسلمين.
وقبل أن أختم مقالي أريد أن أهمس في أذني الاستاذين بنكيران والشوباني وأقول لهما لقد لفظكم التاريخ. لقد منحكم المغاربة فرصتين قصد تحسين أوضاعهم فخذلتموهم وتاجرتم بالدين وخدعتم من خدعتم وقضيتم مآربكم وحسنتم أوضاعكم المادية وبعتم قضايا المغاربة بثمن بخس فبئس التجارة! إن للمغاربة ذاكرة وللمغاربة بصيرة، ولذلك يقول لكم المغاربة الأشاوس إن زعزعة الاستقرار الذي تتهمان به خصومكم وتهددان به أولياء نعمتكم قصد عقد صفقة جديدة معهم هي فكرة عتيقة يعرفها أولياء نعمتكم ولن تنطلي عليهم حيلكم مرة أخرى. إن المغاربة لم تكن ولن تكون في أجندتهم المغامرة بأمن واستقرار بلدهم. لقد نزلوا في 20 فبراير 2011 من أجل مطالب واضحة عنوانها الكبير: الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وهذه المطالب ما زالت قائمة ولها راهنيتها بسبب سياساتكم العقيمة.وقد استمرت بشكل من الأشكال عبر حراك الريف وجرادة وزاكورة واوطاط الحاج.......
والمغاربة عندما يطالبون بذلك فهم إنما يطالبون بحقوق يكفلها الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب. ويقول لك المغاربة لا حاجة لهم بك وبحزبك لانكم تاجرتم بقضاياهم وبقوتهم اليومي ومعيشهم وحريتهم وكرامتهم وعمقتم اللاعدالة الاجتماعية فمعذرة انسحبوا من حياتنا بهدوء لأننا بكل بساطة نرفض الفاشية التي تتجسد فيكم.
الدكتور الطاهر موحوش : عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي
