الخميس 28 مارس 2024
سياسة

قاسمي: توقيف مجلس جهة كلميم مشروع وإشهار ورقة الجهوية لطي ملف الوحدة الترابية مجرد ابتزاز

قاسمي: توقيف مجلس جهة كلميم مشروع وإشهار ورقة الجهوية لطي ملف الوحدة الترابية مجرد ابتزاز الدكتور المصطفى قاسمي
 
بعد توقيف المجلس الجهوي لكلميم من طرف وزارة الداخلية، وتعيين لجنة مؤقتة حلت محله تحت رئاسة والي الجهة لتدبير شؤون الجهة، جعل أصواتا ترتفع قائلة أن من شأن توقيف جهة كلميم أن يعطي انطباعا سلبيا لدى المتتبعين بالخارج. هذا الطرح ارتكز على خطاب الحكومة القائم على ترويج الجهوية الموسعة لطي ملف الوحدة الترابية. من هنا ارتفاع هذه الأصوات محذرة من أن تكون لقرارات التوقيف تداعيات سلبية ضد الطرح المغربي، خاصة وأن الجهة المعنية هي كلميم،باب الصحراء.
"أنفاس بريس"، ناقشت هذه المفارقة مع الدكتور المصطفى قاسمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بسطات، فأعد الورقة التالية :
منذ مطلع سنة 2017 وجهة كلميم واد نون تعيش تعثرات في التدبير مما انتهى الأمر معه إلى توقيف المجلس الجهوي لهذه الجهة من قبل وزارة الداخلية كسلطة وصية تابعة للحكومة وتعيين لجنة تصريف الأمور لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد.
هذا الأمر دفع العديد من الأقلام السياسية والفكرية إلى التحدث عن مخاطر ذلك على ملف الوحدة الترابية على اعتبار أن المغرب يراهن على الجهوية المتقدمة ،وباعتبار أن جهة كلميم-واد نون تعتبر باب الصحراء ، وأنه سيؤثر على مسار الجهوية المتقدمة في المغرب.
من هذا المنطلق يحق لنا التساؤل في البداية قبل الخوض في هذا الموضوع عن الأهداف والأبعاد؛ ثم المرجعيات التي على أساسها أسست الجهوية المتقدمة، ثم ننتقل إلى تحليل هذا الموضوع من الناحية القانونية والسياسية.؟
لقد انطلق المغرب في مشروعه الجهوي مند سنة 1971 مؤسسا بذلك إطارا قانونيا للجهات بنظرة ثاقبة للمشرع المغربي على أن هذا المشروع يتطلب الوقت والاستمرارية حتى ينضج ويعطي النتائج المرجوة لذلك منحها في البداية دورا استشاريا.
ثم جاءت المحطة الثانية بدستور 1996 الذي جعل من الجهة جماعة محلية، ليأتي دستور 2011 ويقوي وجودها في النظام الدستوري والقانوني المغربي في إطار الجهوية المتقدمة لأجل أن تكون وحدة ترابية مندمجة في إطار تقسيم جهوي جديد يكون أحد أهم أهدافه تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مندمجة لمحاربة التفاوتات والإختلالات الموجودة بين الجهات .
أما فيما يتعلق بأبعاد هذه الجهوية المتقدمة فهو بدون منازع إعطاء دفعة قوية للديمقراطية في المغرب، هذا المسار الذي انطلق فيه المغرب مند 1962،لكن هذه المرة من خلال الجهوية المتقدمة وذلك بإشراك المواطنين في تدبير شؤونهم بأنفسهم وحل المشاكل المطروحة باعتبار أنهم ادرى بمشاكلهم ويمكن أن يساهموا في حلها تحت اشراف السلطة المركزية على اعتبار أن الدولة المغربية هي دولة موحدة لا يمكن تجزيئها، وهذا هو أبعد ما يمكن إعطاؤه: أي الجهوية المتقدمة في إطار لامركزي.
وهذا هو ما يميز الدول الموحدة الأكثر ديقراطية كفرنسا واسبانيا وغيرها، فقط أن ذلك يتم بمظاهر مختلفة، وذلك تحت مرجعية دستورية وقانونية .
بعد هذا السياق؛ كيف يمكن قراءة الوضع القائم حاليا في جهة كلميم واد نون ؟ وهل لذلك تأثير على ملف وحدتنا الترابية؟
بمعنى هل لهذا الوضع تأثيرات سلبية على اعتبار أن المغرب يراهن على الجهوية المتقدمة في الدفاع عن وحدته الترابية؟
إن الوضع القائم في جهة كلميم واد نون لا يعدو أن يكون وضعا عاديا بالنظر إلى الإطار الدستوري والقانوني الذي يؤطر الجماعات الترابية المغربية وأنه لا يبعث على الخوف ولايستحق اهتماما كبيرا لأنه هو وضع في إطار الدولة الموحدة أوما يصطلح عليه الدولة البسيطة غير قابلة للتجزيء في القانون الدستوري ،وهذا معروف علميا وأكاديميا وسياسيا في العلاقات الدولية .
إن الأمر يتعلق بجهة من جهات المملكة تعثرت في تدبير شؤونها وعرفت انحرافات عن القانون الأمر الذي تطلب تدخل السلطة الوصية في إطار القانون لإرجاع الأمور إلى نصابها في إطار المشروعية، وهذا يقع في كل الدول الديمقراطية.
ولقد رأينا ردود فعل الدولة الإسبانية وكذلك دول الإتحاد الأوروبي حيال انحرافات إقليم كاطلونيا ورئيسه في إطار الحكم الذاتي.
فالمجلس الجهوي لكلميم واد نون عرف اختلافات عميقة بين مكوناته الأمر الذي حال دون السير العادي للمجلس كمؤسسة من مؤسسات الدولة نتج عنه تعطيل المشاريع المبرمجة والمصادق عليها في اطار التنمية المندمجة لجهة الجنوب، وكذلك خرق للمسطرة القانونية المعتمدة للمصادقة على الميزانية، الأمر الذي دفع وزارة الداخلية إلى توقيف المجلس، خصوصا أن هناك دعاوى متعددة للطعن أمام المحاكم . وهذا كله لا يتعارض مع المشروعية، فالدستور في اطار الفصل 89 يعطي للسلطة المركزية حق ضمان تنفيذ القوانين من جهة ، كما أن المادة الأولى والرابعة من القانون التنظيمي للجهات 14/111 يخول للسلطة المركزية من بين ما يخولها، حق إيقاف المجلس. والوالي الذي هو ممثل للحكومة والدولة دوره هو مراقبة المشروعية، أي احترام تطبيق القانون، والملائمة أي السهر على أن تكون المشاريع المقترحة تتماشى والمشروع الكلي للدولة المغربية الذي هو تحقيق تنمية مندمجة، وهذا يعطيه صلاحية تتبع المشاريع المصادق عليها لتحقيق الأهداف التنموية المتوخاة والتي تم تسطيرها حسب البرنامج الحكومي وفي اطار القانون .
أعتقد أن هذا الخوف من هذا التوجه لا أساس له من الصحة ، فهو ناتج عما تروجه لوبيات وسياسيون للضغط من اجل التموقع في الحقل السياسي وتحقيق مصالح هذه الفئات، وأن التحاليل المتناثرة هنا وهناك، بعيدة عن العلمية والتخصص الأكاديمي في مجال التأويل الدستوري، وهي ليست في متناول أي كان كما ليس من حق أي كان أن يخوض فيها.