Saturday 28 June 2025
كتاب الرأي

عبد الرفيع حمضي: ‎2030 .. بأية تلفزة سيُنقَل المغرب إلى العالم ؟

عبد الرفيع حمضي: ‎2030 .. بأية تلفزة سيُنقَل المغرب إلى العالم ؟ عبد الرفيع حمضي
«الإعلام العمومي مرآة الدولة أمام مواطنيها، وصورتها أمام العالم.»
بهذه المقولة الوازنة للصحفي إغناسيو رامونيه، الذي أدار لسنوات جريدة Le Monde diplomatique، استحضرتُ واقع الإعلام البصري المغربي، وتحديدًا القطب العمومي، في لحظة مفصلية تقترب سريعًا، حيث سيكون المغرب في قلب المشهد العالمي باحتضانه لجزء من نهائيات كأس العالم لكرة القدم.
التحضيرات تسير بخطى حثيثة ،بنيات تحتية تُنجز، مشاريع تتسارع، واستثمارات تتقاطر… 
بشكل تجاوز بكثير ما كان يراود خيال الرأي العام( الله يكمل بخير )
لكن سؤال الصورة لا يزال معلقًا .
من سيُقدّم المغرب للعالم؟
من سيروي قصته؟
من سيصوغ ملامحه الثقافية ويؤطر حضوره الرمزي؟
"بسرعة وبدون  تردد "إنها مهمة الإعلام العمومي.مع ان واقع هذا الأخير، كما نراه اليوم، يبعث على القلق أكثر مما يبعث على الطمأنينة.
حين انطلقت التلفزة المغربية، كانت الدولة وحدها من تملك وتنتج وتوزع الخبر. لم يكن المواطن يبحث عن المعلومة، بل كان ينتظرها. ولم تكن هناك منافسة أو بدائل أو منابر مستقلة. كان الخبر ينزل من أعلى، بلسان واحد، ومن مصدر واحد. حيث كان عدد سكان المغرب لا يتجاوز 10 ملايين، وكانت نسبة الأمية تفوق 70%وكان التلفزيون العمومي النافذة الوحيدة  التي تطل منها الدولة على مواطنيها.ومع ذلك فجيلنا يتذكر ماقامت به الإذاعة والتلفزة  تحت قيادة الشاعر والأديب المثقف سيدي عبداللطيف خالص من تعبئة استثنائية للمغاربة بمناسبة المسيرة الخضراء .
اليوم، تغير كل شيء:
نحن في بلد يضم أكثر من 37 مليون نسمة، يعيش تحوّلًا رقميًا واسعًا، وتجاوزت فيه نسبة تغطية الإنترنت 85%. المواطن أصبح منتجًا ومستهلكًا للمعلومة، بلغات متعددة، وعلى مدار الساعة، وبلا تكلفة تقريبًا، عبر مئات القنوات الإخبارية والمنصات الرقمية.
ورغم ذلك، لا تزال زاوية المعالجة الإخبارية في القناة الأولى أسيرة نفس المنطق القديم: رتيبة، وأحادية، أقرب إلى بلاغات إدارية منها إلى مادة إعلامية حيوية.
أما القناة الثانية، التي وُلدت في مطلع  التسعينيات وسط أمل بانفتاح إعلامي في زمن انهيار جدار برلين وبداية  انفراج في الداخل  حيث قال جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله  "العالم يتغير وعلينا ان  نتغير " 
فبعد خطوات خجولة ومترددة سرعان ما دخلت قناة عين السبع الصف ،و لم تلبث أن انكمشت داخل حدود ضبط وانضباط ، وخوف دائم من الخطأ، مما أكبح المبادرة الفردية، وقلّص جرأة التناول.
أما “ميدي 1 تي في”، التي انطلقت برؤية متوسطية ودولية واعدة، فقد انتهت إلى ارتباك وظيفي وضبابية هوياتية.
كل هذه العوامل دفعت عددًا من الصحفيين ومعدّي البرامج الحوارية إلى “اللعب في الصف الثالث”، حيث يتم اختيار مواضيع مكررة، وتستضيف وجوه هاوية و نمطية، تتجنب كل ما يمكن أن يفتح نقاشًا فعليًا أو يزعج المألوف.
فغابت الوجوه وحلّت الأقنعة. كأننا في مشهد تلفزيوني تنكّري، إلا من رحم ربك.
فكما لا يخفى على احد  فالإعلام العمومي ليس مجرد جهاز تقني أو مؤسسة حكومية، بل هو أحد أركان السيادة الثقافية  للدولة. وإذا تم إصلاحه وتطويره مع جرعة إضافية في تحريره فيمكنه أن يُعيد الثقة في النقاش العمومي، ويعيد تشكيل لحظات الإجماع الوطني التي باتت نادرة.
ففي زمن تطغى فيه المنصات الرقمية، وتضيع فيه الحدود بين الخبر والدعاية، يصبح الإعلام العمومي ضرورة أكثر من كونه خيارًا.ضرورة لضمان العمق، والمعنى، والمصداقية المهنية.
ويزداد الأمر  اهمية بل خطورة  وبلادنا ومؤسساتها تتعرض إلى تعنيف إعلامي منظم من قبل قنوات ومنصات إقليمية ودولية، تتحرك وفق أجندات عدائية معلنة أو مقنّعة.وهنا، لا تكفي البلاغات ولا لغة التنديد للرد والمواجهة .
نحن بحاجة إلى واجهة بصرية محترفة، ناطقة، مدروسة، ذكية، قادرة على تفكيك خطاب الآخر، وبناء سردية مغربية إيجابية، واثقة، ونافذة.
لقد آن الأوان، بعد عقدين من التردد، أن نفتح الإعلام البصري الوطني أمام المبادرات الخاصة.لا فقط باسم حرية الاستثمار، بل باسم الحاجة إلى تجديد الخطاب، وتنويع المرجعيات، واستيعاب الكفاءات التي تم تهميشها أو هجرت القطاع العام.
وهذا الانفتاح لا يجب أن يُفهم كتراجع عن دعم الإعلام العمومي، بل على العكس.
كل التجارب الدولية الناجحة تثبت أن وجود إعلام خاص نشيط لا يعني التخلي عن الإعلام العمومي، بل يكمّله ويحتاج إليه لتأطير النقاش وضبط الإيقاع العام.
في فرنسا، ما تزال الدولة تموّل “فرانس تلفزيون” وتدافع عن دورها.
في ألمانيا، تضمن “ARD” و”ZDF” التعدد والاستقلالية.
وفي بريطانيا، تظل “BBC” من ركائز الشخصية الوطنية البريطانية، رغم المنافسة الشرسة والتحديات الجديدة.
فالرسالة واضحة لا توازن إعلامي حقيقي دون إعلام عمومي قوي.
و2030 بقدر ما ستكون مناسبة رياضية، فهي ايضا لحظة حضارية كبرى، سيُنظر فيها إلى المغرب من خلال صورته، وصوته، وخطابه الإعلامي.وهذا لا يصنع في اللحظات الأخيرة.
ليبقى السؤال  ما قبل الأخير معلّقًا لأصحاب القرار بالقطب العمومي وغيرهم  وللراي العام على السواء:
هل نعرف حقًا أي تلفزة نريد؟ أم أننا سننتظر الحدث… ونكتفي بنقل المباريات؟