تتفاقم تجليات التفكك القيمي والتفاوت الاجتماعي، وتنهار القيم أمام عجز مؤسساتي تربوي مدرسي لترميم هذا الصدع المجتمعي...
فتبرز المخيمات التربوية كفضاءات حيوية لصيانة الإنسان، وبناء الذات، وتكريس روح المواطنة.
في هذا السياق يأتي العرض الوطني للتخييم 2025 في المغرب ليؤكد أن المخيم لم يعد ترفا صيفيا، بل أصبح ورشًا استراتيجيًا مندمجًا في المشروع المجتمعي التربوي الوطني.
شعار: "المخيمات التربوية فضاء للتميز وبناء الأجيال"، ليس مجرد خطاب للاستهلاك، بل وعي جميع الأطراف قطاع الشباب والجامعة الوطنية للتخييم، والنسيج المدني، بكون التمييز جسر الانفتاح والأمل والطموح، وأن بناء الأجيال مسؤولية مشتركة.... والمخيم... له وظيفة البناء بالقيم ضمن اللعب والترفيه.
وهذا الموسم على عادة جميع الأطراف تنخرط وزارة الشباب والثقافة والتواصل قطاع الشباب، بشراكة مع الجامعة الوطنية للتخييم، في إطلاق موسم جديد من المواكبة والتجديد، يجعل من التخييم رافعة للتربية على القيم، والتمكين، والدمج المجالي والاجتماعي.
والرهان القيم لم يعد مطلبا ولا حلما بل الطموح هو أن يغدو المخيم مختبر للمواطنة والتسامح والتربية باللعب والفرح والترفيه على القيم التي تحصن الإنسان ضد اليأس وخطاب الكراهية... والانغلاق على الذات....لهذا لا يمكن فصل التميز عن بناء الأجيال. فدافع التميز شرط سيكولوجي ومنهجي لترسيخ قيم التنافس الشريف والمثابرة وتحمل المسؤولية والعمل ضمن فريق، والقدرة على التخطيط وتحديد الأهداف بوعي وطني وإنساني. فشخصية الطفل والمراهق تتشكل في الفضاءات غير النظامية أكثر مما داخل جدران الفصول الدراسية. ومن هنا، تبرز المخيمات كمدارس موازية للقيم: قيم التعاون، الانضباط، احترام الآخر، الانفتاح، والعيش المشترك. إن المخيم، حين يبنى على مرجعية تربوية واضحة، يصبح فرصة لتجاوز الانغلاق، ولزرع بذور الديمقراطية والمواطنة الفاعلة.
في هذا السياق، تعمل العديد من الجمعيات داخل خيمتها الحاضنة للتنوع والمبادرة والابتكار والإبداع: الجامعة الوطنية للتخييم على تنزيل برامج هادفة دامجة ، تتجاوز الترفيه إلى التربية عبر الفن، المسرح، البيئة، الألعاب الجماعية، والورشات الموضوعاتية التي تستجيب لانتظارات الجيل الجديد.
فالتخييم كرهان للدمج والتقليص من الفوارق لم يعد مجرد خطاب موسمي بل أصبح قناعة تتقاسمها جميع الأطراف: قطاعات عمومية وفاعلين مدنيين، فمن أبرز مكاسب عرض 2025 هو تأكيده على دمج الأطفال في وضعية هشاشة، وأبناء العالم القروي، والطفولة في وضعية إعاقة، ضمن رؤية دامجة لا تميّز ولا تقصي. وتعد هذه الخطوة تحولا نوعيا، يجعل من التخييم أداة لإعادة توزيع العدالة المجالية والتربوية، ومجالًا لتعزيز الثقة والانتماء لدى الفئات الأقل حظًا.
كما أن توسيع العرض ليشمل العطل البينية والمخيمات الحضرية ومخيمات القرب يساهم في تجاوز الطابع الموسمي، ويعزز من استدامة التأثير التربوي، ويقلل من كلفة الاستفادة، ويُقرب الخدمة من المواطنين.
وبين الطموح والواقع تنهض تحديات لا تُخفى، فرغم هذا النفس التفاؤلي، تبقى هناك تحديات بنيوية لا يمكن القفز عليها: ضعف بعض التجهيزات، تباين مستويات التأطير، تفاوت الدعم اللوجستي، وضبابية معايير الاعتماد أحيانًا. لكن ما يسجل بوضوح هو إرادة التحسين والتطوير التدريجي، واعتماد الوزارة والجامعة على آليات التكوين، والمصادقة على البرامج، والرقمنة لتسهيل تدبير العمليات.
وتظل الآفاق مشجعة للعبور من التخييم إلى التربية المجتمعية، فليس الهدف أن يكون لنا فقط عرض تخييـمي ناجح، بل أن يكون لدينا مشروع تربوي وطني تنخرط فيه الجهات، والجماعات، والمؤسسات التعليمية، والجمعيات، والقطاع الخاص. ذلك أن المخيم يمكن أن يصبح منصة للتوجيه المبكر، وتحصين السلوك، ومواكبة الطاقات الشابة نحو الوعي، والإبداع، والمشاركة.
ومتى توفرت الإرادة والتنسيق والتمويل العادل، يمكن للمغرب أن يُحدث تحولًا حقيقيًا في السياسات العمومية المرتبطة بالطفولة، يجعل من التخييم ركيزة تنموية وتربوية مستدامة.
تفاؤلنا واقعي ومشروع في ظل إرادة القطاع الوصي المنفتح على ترافعات الجامعة الوطنية للتخييم والواعي بالرهانات الجديدة للتخييم، يليق بمغرب جديد ويلبي انتظارات طفولة لها خصوصيات دقيقة، فنحن إزاء تحول ملموس في فلسفة التخييم، يتجاوز الفصول والفضاءات نحو صناعة الإنسان. صحيح أن الطريق لا يزال طويلا، لكن الوعي التراكمي، والرؤية المتدرجة، والشراكات الذكية، كلها مؤشرات على أننا نسير في الاتجاه الصحيح، حيث يصبح كل مخيم لبنة في بناء مغرب جديد متصالح مع أجياله.
محمد قمار/ عضو المكتب التنفيذي للجامعة الوطنية للتخييم