الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد الكبير طبيح:لماذا لا نقرأ الخطاب الملكي من قلب الدستور

عبد الكبير طبيح:لماذا لا نقرأ الخطاب الملكي من قلب الدستور عبد الكبير طبيح
توالت التعليقات بعد الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش من قبل الفاعلين السياسيين و المفكرين و الباحثين و من المواطنين كأفراد, وهو ما يمكن التحقق منه سواء من الاطلاع على المواقف و الآراء التي عبر عنها كل رؤساء الأحزاب أو ما نتابعه من تحاليل وآراء المفكرين و الباحثين عبر وسائل الإعلام العمومي أو الخاص، وكذا عبر شبكات التواصل الإعلامي التي نقلت ولا زالت تنقل آراء وأفكار متنوعة و حتى متباينة للمواطنين.
غير أن المحصلة هي أن بلادنا متعطشة لنقاش سياسي مسؤول، علما ان مفهوم النقاش السياسي المسؤول، لا يخرج عن الغرض منه، أي أن يؤدي إلى ملامسة الهم اليومي للمواطن العادي وتلبيته حاجياته العادية في التعليم والصحة والشغل و إشاعة الطمأنينة من جهة، وكذا في استشراف انتاج الثروة من منبعها الطبيعي, الذي لا يعني سوى حماية ودعم وتطوير المقاولة المواطنة وتحفيز المقاولين الفاعلين الرئيسيين في انتاج تلك الثروة، ليتأتى بعد ذلك تدخل آلية الحكامة الصالحة لتوزيعها بشكل عادل.
علما، كذلك ان مفهوم التوزيع العادل للثروة لا ينظر له من جانبه الاتكالي، أي من باب انتظار العطاء من الآخر و الذي قد يمس بالكرامة الواجب الحفاظ عليها للمواطن، بل من باب الاستحقاق الذي يتأتى بعملية التأهيل المتكافئ لجميع افراد المجتمع.
فماذا جاء في الخطاب الملكي؟
لا أعيد هنا مضمون ومحتوى الخطاب، ولكن أريد أن ألفت النظر أنه من حق المواطن ان يزكي وان يبتهج لملامسة الخطاب لهمومه.
لكن، هل من حق الفاعل السياسي، هو كذلك من يهلل و يمجد ما ورد في الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش. أم هو مطلوب منه شيء آخر.
استحضر قوة السؤال،لكنني لا استثني نفسي ممن يوجه لهم.
الخطاب الملكي في تقدير هو اكبر من خريطة الطريق، التي استمعنا لعديد من الفاعلين السياسيين ترديدها. انه بالأساس يدفعنا الى تذكر أمرين مهمين :
الأمر الأول : ان القوة السياسية طالبت بالملكية البرلمانية
الامر الثاني: أن القوى السياسية و المجتمعية طالبت بربط المسؤولية بالمحاسبة
ففيما يخص الملكية البرلمانية، فإن البعض كان يعتبرها خطرة ربما لا تستطيع الملكية في المغرب التقدم نحوها. و هنا أعود الى النقاشات الكثيرة التي عرفتها بلادنا، وعلى الخصوص من قبل الأحزاب الوطنية، منذ السبعينات، الى حين التوافق على مشروع الدستور الحالي .
و يمكن ان اكتفي، في هذا الجانب، بالإشارة الى ان الفصل الأول من الدستور 2011 نص على نوع نظام الحكم في المغرب وقال إنه: نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعي.
واستقر النقاش حول الاعتراف بالخطوة الكبيرة التي بادرت بها الملكية في بلدنا، بينما ارتفعت أصوات أخرى تقول بأن المغرب لم يستمتع بعد بكل الشروط المجتمعية للانتقال الى هذه المرحلة , فتم تداول مصطلح (...في الفق الملكية البرلمانية) .
انطلق نظام الحكم الجديد باحترام تام لأهم شروط نظام الملكية البرلمانية في العالم و هي تحديد سلطات الملك و توسيع اختصاصات الحكومة من جهة، و اسناد اختيار الحزب الذي يعين منه الملك رئيس الحكومة، للمواطن عن طريق الاقتراع العام المباشر اي لاختيار الامة بمفهومها الدستوري.
نفذت الملكية التزاماتها الدستورية وعينت رئيس الحكومة الأول في ضل دستور 2011 بصلاحيات واسعة غير مسبوقة، ولم يتمتع بها أي وزير أول منذ بداية الاستقلال يمكن تلخيصها في امرين :
-استناد كل مجال التدبير اليومي المتعلق بالمواطن للحكومة، انطلاقا من احتكار اصدار كل القوانين بما فيها قانون المالية الذي يحدد و يمس المعيش اليومي للمواطن، وللتذكير فلقد سبق التداول حول رغبة رئيس الحكومة السابق في عرض قانون المالية على مجلس الوزراء فتم تنبيه الى ان ذلك القانون لا يدخل في اختصاص ذلك المجلس، لأنه شأن حكومي خالص.
-استناد التعيين في المناصب العليا، أي ان الدستور أعطى للحكومة اختصاصات واسعة كما أعطاها وسيلة تنفيذها، أي التحكم في الأطر و أدوات تنفيذ عمل الحكومة، وهي الاختصاصات المنصوص عليها في الفصل 90 و91و92و71و75.
بينما احتفظ المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك بوضع التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة وفقا لما ينص عليه الفصل 49 من الدستور.
وهكذا حدد الدستور اختصاصات المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك، وحدد اختصاص رئيس الحكومة والحكومة والاغلبية البرلمانية التي تنبثق منها الحكومة.
فأين نجد، إذن، موقع خطاب العرش، هل ضمن اختصاصات المجلس الوزاري، أم اضمن اختصاص رئيس الحكومة و الحكومة والاغلبية البرلمانية.
ان الجواب بقدر ما هو بسيط، بقدر ما مركب مركب كذلك.
الجواب سكون، بطبيعة الحال أن مضمون الخطاب هو من صلب اختصاصات الملك فهو جزء من التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة. كما ينص عليها الفصل 49 من الدستور.
لكن السؤال الذي يريد ان يطرحه هذا المقال، هو هل الملك هو من سينفذه ما تضمنه ذلك الخطاب ؟
الجواب كذلك هو بسيط، لكن مركب. كيف ؟
الخطاب الملكي، في تقديري المتواضع، هو من صلب التوجهات الاستراتيجية للدولة، هو لامس المشاكل اليومية للمواطن التي يئن تحتها ووضع الخطوط العريضة لحل تلك المشاكل و حدد الاسبقيات التي تتطلبها المرحلة الحالية الاستعجالية، كما مارس مهامه في المراقبة و المحاسبة، كما هو الامر بخصوص الاخلال بتنفيذ مشروع الواعد (الحسيمة منارة المتوسط ). الذي لو نفد كما خطط له منذ 2015 لما وجد أي تبرير للأحداث التي عرفتها الحسيمة.
هي، بالدرجة الأول، الحكومة و الأغلبية البرلمانية التي عليها ان تبدع في خلق الوسائل المالية والعلمية واللوجيستيكية و البشرية الكفيلىة بالاستجابة للمهام التي حددها الخطاب الملكي من اجل تنفيذها على الوجه الاكمل..
لهذا، فان المواطن ينتظر الحكومة و الأغلبية البرلمانية و الفاعلين السياسين، ليس ترديد تثمين ما ورد في الخطاب الملكي، بل بالإضافة لذلك، يجب عليهم ان يتسابقوا في الإعلان و اخراج و ابداع الوسائل والطرق الكفيلة لوضع ما يتضمنه الخطاب من قضايا محل التطبيق المستعجل لكي يشعر المواطن بان ما ورد في الخطاب هو إرادة حقيقة لتغيير الوضع الذي هو فيه للأفضل. ة ليس ان " يستقروا "في مواقف التنويه فقط.
وهناك يجب أن نذكر , بهذه المناسبة ، ان تنفيد ما ورد في الخطاب هو من صلب مسؤولية الحكومة القائمة، في ابداع وخلق واقتراح اسهل الطرق او ابسطها واقلها كلفة مالية لتنفيذ مضمون الخطاب.
كما ان ذلك التنفيذ هم من صلب اختصاصات المعارضة، و ذلك بالإعلان للرأي العام عن الوسائل التي تبدعها هي من ان تنفيذ مضامين الخطاب بأكثر نجاعة مما قد تقدمه الحكومة, لتمكن الراي العام من الحكم على من هو أجدر بتدبير شؤونه واكثر كفاءة على تنفيذ مضامين خطاب العرش.
بمعنى ان الحكومة مسؤولة على تنفيذ السياسات العمومية من تعليم وصحة وشغل و حماية القدرة الشرائية للمواطن و دعم المقاولات وبناء الطرق والمستشفيات والجامعات وكل ماله علاقة بحياة اليومية للمواطن هو من اختصاص الحكومة.
ان قراءة مضمون الخطاب بجب ان تتم من اختصاصات الحكومة المنصوص عليها في الدستور وليس من خارجه، أي من داخل مسؤولية الآلية البرلمانية أي الأغلبية التي انبثقت عنها هذه الحكومة. و من داخل اختصاصات الأحزاب التي أصبحت اليوم مؤسسات دستورية.
بذل الاكتفاء بتثمين الخطاب، يجب انتقال الفاعل السياسي، الى مرحلة الفعل الحقيقي، أي ان يبدع و ويخرج للرأي العام بالوسائل الناجعة و الأفكار الجديدة لتنفيذ ما ورد في الخطاب وليس لإعادة قراءته على المغاربة.
اما بخصوص التذكير بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ، فاني اذكر بهذا المبدأ ليس بمفهومه المتداول, المتعلق فقط بمحاسبة مسؤول على تدبير مالي أو غير، هذا امر معروف. و لكن من مفهومه الشمولي كما ورد في الدستور . كيف ذلك ؟
دستور 2011 ينص على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي يحصل على أغلبية أصوات المغاربة. وهو مقتضى لا وجود له، مثلا، في الدستور الاسباني كنص مكتوب. هو ما لاحظناه في الانتخابات الاسبانية الأخير..
وبما أن تعيين رئيس الحكومة مرهون برأي المواطن عبر التصويت، فان المواطن هو المسؤول الأول عن اختيار رئيس الحكومة المعين من قبل الملك وعن اختيار الحكومة المعينة من قبل الملك، لان الحكومة بعد تعيينها لابد من ان تنصب من قبل الأغلبية البرلمانية، أي ان دور المواطن حاضر في تعيين رئيس الحكومة و في تعيين أعضاء الحكومة.
فمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة هو كذلك يهمنا نحن كمواطنين و يلزمنا ان نتذكر ذلك عند كل محطة انتخابية.
يجب ان يستحضر اليوم ان نظام الحكم في المغرب قد تغير و ان ملك البلاد احترم إرادة المواطن بعد الانتخابات الأخير، اذ بالرغم عن عدم تمكن رئيس الحكومة المعين أول الامر من تكوين اغلبية برلمانية ،فان الملك لم يغير الحزب ، كما فعل ملك اسبانيا، و إنما عين رئيس الحكومة من نفس الحزب.
بينما في سبانيا التي عرفت فوز الحزب الشعبي في الانتخابات الأخيرة ، عين الملك رئيس ذلك الحزب قصد تكوين الحكومة ، عندما فشل في ذلك. عين الملك رئيس الحزب الاشتراكي، وعندما فشل هذا الأخير كذلك ,أعاد تعيين رئيس الحزب الشعبي بعما وصل الى توافق مع الحزب الاشتراكي مكنه من تكوين حكومة عندما امتنع عن التصويت ضدها
لكن، في المغرب الملك رجع الى نفس الحزب وعين منه السيد العثماني كرئيس للحكومة الحالية.
الكل مجمع على ان الوضع السياسي الحالي صعب بالنظر لانتظارات المواطنين والفاعلين الاقتصاديين وكذا حالة الركود، وكذا الاضطرابات التي عرفتها بلادنا.
اذا كان التدبير السياسي بالشكل الذي نص عليه الدستور، أي أن الحكومة تنبثق من الأغلبية الحالية، هو تدبير يحول حوله عدة تساؤلات و عدم وضوح في الرؤى فانه سيكون من الحكمة و تغليب مصلحة الوطن اللجوء إلى اختيار ليس فيه أي تنقيص من أي كان، وهو المطالبة بتكوين حكومة وطنية، و ليس ائتلافية، لتطبيق مضمون الخطاب ما دام كل الأحزاب والفاعلين السياسيين ثمنوا مضمون ذلك الخطاب.
وهذا الخيار أو غيره من الاختيارات، سيكون فيه دفعة قوية للمسار السياسي ببلادنا، وسيوجه الجميع حول أهداف المجتمع ويلزم الجمع بالتخلي عن الخطابات السياسوية التي تجر البلاد إلى الأسفل.
على أن يهيأ المغرب لمرحلة أخرى قادمة تكون فيها الأحزاب قد انتجت طاقات جديدة، كما ورد في الخطاب الملكي الذي ثمنه جميع الفاعلين السياسيين.
هذه قراءة من بين قراءات أخرى . لان العيب يوجد في الصمت، وليس في الكلام.
تكلموا ...... رحمكم الله